:: وجوه الثورة :: الشيخ علي سلمان.. الواثق بـ”النصر الحتمي”.. ومعركة “المشير” المفتوحة
البحرين اليوم – (وجوه الثورة)
جدال الاتصالِ أو الافتراق مع الشيخ علي سلمان يتلاشى، مثل غبارٍ عابر، ويعود الكلام إلى نصابه العادل بشأن الرّجل الذي أعلنَ عهداً علنياً في فبراير ٢٠٠٢م، بأنه سينزع عمامته حينما يخشى أحدا “أميرا أو ملكا”. مع آخر مكان حلّ فيه الشيخ علي سلمان، حيث سجن وجوه الثورة وقادتها؛ تُصبح كميات الخلاف معه أو عليه، مؤجّلةً حتماً إلى حين، وبوِثاقِ الاعتراف بأنّ أحد أبرز “وجوه” انتفاضة الكرامة كان حريصا من غير تردّد أن يكون وجهاً خاصاً وحاضناً لثورة ١٤ فبراير. الرّجل الذي استنفذ كلّ الوسائل والحِيل وصبر “النخيل” البحراني لإقناع آل خليفة بأن مصلحتهم – لو يعلمون – هي في إغلاق صنبور الجنون والجلوس مع “المعارضة” والحوار الجاد معها؛ أدرك في العُمق أنّ القبيلة تنغمسُ أكثر في جنونها وهي ترى استواء الثورةِ وانتصاب قامتها. كان حريصاً أن يُمسِك العصا من المنتصف، ولكنّ عهده القديم – يوم الانقلاب على الدستور – كان صداه أقوى بداخله من أيّ شيء آخر، فأطلقَ الخطابَ الواضح الذي لا لُبس فيه ولا غموض، وقدّم الشعارات التي جعلته أقربَ إلى ظلال الأستاذين عبدالوهاب حسين وحسن مشيمع، من أيّ ظلّ آخر في “الوفاق” أو خارجها.
بكى الشيخ علي وهو يرى قوات آل سعود تجتاح دوار اللؤلؤة وتُفجّر الجماجم وتنتهك الأعراض. تيقّن أن الذئاب تتجمعُ تباعاً في الزي العسكري الذي يرتديه “المشير”، هذا الزيّ تكرّست فيه كلّ عُقد القبيلة الغازية التي لم تفلح يوماً في نيل قبول الناس ومحبتهم. وقفَ الشيخ سلمان في وجه “المشير” وأفْرغ ما بداخلِ “سليلِ الغزاةِ” من غرور ملأ كل الأمكنة، وردّ على تهديده حين أنذرَ الناس بقوله “إن عدتم عدنا”؛ ولوّح أبو مجتبى في المقابل بالأكفانِ، وبرصيدِ القوة الذي لم يُستعمَل منه حتى ٥٠٪، وبالفتوى التي يمكن أن تدفع عشرات الآلاف إلى ساحات المعركة التي “لا تُبقي ولا تذر”. ما فعله الشيخ علي، في تلك المحطة؛ كان أشبه باقتلاع “المشير” من معسكره العامر بالمرتزقة وزجّه وحيدا في صحراء قاحلة ملأى بالجراد المنتشر. اهتزّ ما في “المشير” من تاريخٍ طوبل من الأساطير والأمجاد الوهمية، وكان عليه أن يتربّص بالشيخ لينتقم منه، مرةً مرّة، وقطرةً قطرة، ليس ابتداءا بمحاولة اغتياله، أو باعتقاله وبفرض الإقامة الجبرية على رمز “الفتوى” التي هدّد بها، وليس انتهاءاً بزجّه في تهمةِ “الخيانة العظمى” وإفشاء أسرار “دفاعية” إلى قطر. هناك طوفان من الغِلِّ يتلاطم فوق نياشين “المشير”، وهو رغم كل ما فعله بالشيخ سلمان؛ راغبٌ فى إيقاع المزيدِ من الانتقامِ.. به وبـ”آية الله” في الدراز الذي “لم يُقصِّر” بدوره في تبديدِ تفرعن “المشير” والاستخفاف من زبده المعجون بسيوف آل سعود.
مع نهاية العام ٢٠٠١م، خطّ الشيخ علي المسار الذي قلعَ فيه، وبالسقفِ المحدود الذي تواضع بداخله السياسيون؛ ناباً بعد آخر من أنياب الذئاب: “تحلمون وواهمون”، (نوفمبر ٢٠١١م)، “سير يا مشيمع كلّ الشعب ويّاك” (ديسمبر ٢٠١١م)، “المرتزقة المجنسون غير مرحّب بهم في البحرين”، (ديسمبر ٢٠١٢م)، (“فلا السلمية ولا وطنية الحل من غير وجود الشيخ عيسى قاسم”، (مايو ٢٠١٣م)، “معركتنا ضد القبيلة مستمرة ونصرنا حتمي”، (أغسطس ٢٠١٣م)، “اعتقلوني واعتقلوا عائلتي.. وليس لكم شرعية”، “ماضون في هذه الثورة حتى النهاية” (سبتمبر ٢٠١٣م).
كان الاعتقالُ كثيرا ما يتردد على لسان الشيخ علي سلمان، والشهادةُ كانت واحدة من العبارات المصطفاة التي طبعت لسانه في السنوات الأخيرة. قال بوضوح بأنه ليس قلقاً على مضيّ الثورة في طريقِ نصرها الحتمي، وبدأت مصطلحات الثورة تسجّل حضورا ثابتا في خطابه السياسي، مؤكدا بأنها – أي الثورة – ماضية في اتجاه النصر.. بوجوده أو بغيره، فقد يُصاب، كما قال، “بسكتة قلبية، أو برصاصة أو بالاعتقال”، ولكن الثورة لا تتراجع. هذه الثقةُ صاغها الشيخ علي بلسانٍ سلسٍ كان يجد طريقه سريعاً إلى القلوب. ربّما لم يكن “زعيم أكبر طيف معارض” قادرا على أن يتخلّص من كاملِ خجله أمام الجمهور، أو تواضعه الصادق حينما يتعلّق الأمر بالتضحيات الكبرى؛ ولكنه ظل أقرب بتلقائيته إلى موج الناس بكلّ أمواجهم المتلاطمة، وكان محبوباً في منازل “الملكية الدستورية” على قدْر الترحيب به في بيوتات “الجمهورية” وفي ميادين الشعارات التي لم يكن يرضاها، ولكن المؤمنين بها الذين يهتفون بها حتى اليوم ظلّوا راضين عن الشيخ وراغبين به، لأنه لم يكن خارجا عليهم، ولا ناقماً منهم، وهو من صميمهم، وفي جوار رموز ثورتهم الكبار.