البحرين اليوم- المنامة
تُطفئ ثورة 14 فبراير غداً الأربعاء، شمعة عامها الثالث عشر، حيثُ رسمَ ذلك اليوم من ذلك العام مشهدًا لم تعتد عليه البحرين، حين نفض الشعب غبار الظلم والقمع والاستبداد والفساد وخرج ثائراً على النظام الخليفي الحاكم في قلب العاصمة المنامة.
14 فبراير 2011، كان يوماً مفصلياً في تاريخ البحرين، حيث شهد أكبر موجة احتجاجات في البلاد. يومها افترش البحرانييون دوار اللؤلؤة احتجاجاً على السياسات المنهجية الفاسدة مطالبين بالإصلاح والتغيير ثم إسقاط النظام الخليفي الحاكم، بعد أن رد على المحتجين السلميين بالقتل والإرهاب. تدحرجت أحداث الثورة، والشعب البحراني يزداد عزيمةً واصراراً على مواصلة الطريق، وهو ما كشف الوجه القبيح للنظام الخليفي إذ أظهر عدوانيته ضد الشعب مستعينا بالجيش السعودي والإماراتي لقمع الشعب الأعزل. توالت الجرائم بعد أسابيع من تفجر الثورة وملئت السجون بألآف المواطنين، وفصل آخرون من أعمالهم، وفرض قانون الطوارىء، ثم أظهروا الأحقاد الطائفية إلى حد هدم عشرات المساجد التي يعود تاريخ بعضها إلى مئات السنين قبل أن تطىْ أقدام آل خليفة جزيرة البحرين كمسجد الشيخ محمد أمير البربغي.
القمع والتضييق على حرية الرأي والمعتقدات
في طليعة المعتقلين رموز وقادة الثورة الذين كان لهم الدور الأساس في تمثيل مطالب الجماهير ومساندة الحراك الشعبي، وقد انتقم منهم النظام بعدة أشكال فلم يقتصر الانتقام على تغييبهم في السجون، بل تعدى ذلك إلى تعريضهم للتعذيب الوحشي الشنيع، ثم ملاحقة عوائلهم واعتقال العديد من أقاربهم وفصل من الأعمال، وعرضهم في وقت لاحق على المحاكم العسكرية التي أصدرت أحكاماً بالسجن المؤبد ظلما وعدوانا.
مع هذا لم تهدأ الحركة الجماهيرية ولم تتوقف التظاهرات الثورية، ويمكن القول بعد 13 سنة أن دوافع الغضب الشعبي تعاظمت في البحرين، خصوصا بعد أن أبرم النظام الخليفي اتفاقيات “سلام” مع الكيان الصهيوني متحدياً بذلك مشاعر المواطنين من قوى الموالاة والمعارضة على حد سواء، وهو ما يفسر اتساع حركة الاحتجاج مؤخراً حتى في أوساط الطبقات والتيارات التي اتسمت بالهدوء وتجنب اثارة سخط السلطة!
على الرغم من صعوبة خروج المظاهرات المركزية بسبب الاستنفار الأمني خلال السنوات العشر التي تلت الثورة في البحرين، إلا أن البحرانيين استطاعوا كسر الطوق الأمني في مرات عديدة، كان أبرزها في 13 أكتوبر عام 2023، حين خرجت تظاهرات حاشدة في عدد من المناطق البحرانية بينها العاصمة احتجاجًا على العدوان الذي تتعرض له غزة. وعلى خلفية هذه التظاهرات الشعبية، استدعت القوات الأمنية في اليوم التالي، عددًا من المواطنين قبل أن تحتجزهم قسرًا على ذمة التحقيق، تمهيدًا لإحالتهم للمحاكمة، بتهمة المشاركة في تظاهرة داعمة لفلسطين. وفي 18 أكتوبر، صعّدت السلطات الخليفية في طريقة القمع لحرية التظاهر والتعبير، إذ اعترضت بالقوة إحدى التظاهرات الحاشدة والغاضبة التي خرجت في عدد من المناطق البحرانية، احتجاجًا على المجزرة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي على مشفى المعمداني في غزة، والتي راح ضحيتها أكثر من 500 مدني أغلبهم من النساء والأطفال. قمع سلطات آل خليفة للتظاهرات أعاد إلى الأذهان مشاهد قمع الحراك المطالب بالديمقراطية الذي اندلع في البحرين عام 2011. وقد وثقت المشاهد استخدام قوات الشغب والأمن الخليفية للضرب والقوة في مواجهة المحتجين السلميين.
وفي جانب إحياء الشعائر الدينية، سعى النظام الخليفي لطمس معالم ذكرى عاشوراء وتقييد إحياء مراسمها، بدءًا من محاربة الشعائر وليس انتهاءً بالتضييق على الخطباء والمنشدين وتكميم الأفواه. ومع بدء إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع)، بدأ النظام الخليفي في تعدياته الممنهجة على المظاهر العاشورائية والرايات الحسينية.
تدهور الوضع الحقوقي في البحرين وارتفاع نسبة المعتقلين
في الجانب الحقوقي، شهدت حالة حقوق الإنسان في البحرين تدهوراً بعد تفاقم الانتقادات على سياسات النظام الخليفي بسبب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وسياسات القمع المستمرة ضد المعتقلين في السجون الخليفية. ووفقًا لتقرير حقوقي حديث، فإن المعارضين السلميين في البحرين يعانون من أساليب قمع وتعذيب تتجاوز كل الحدود الإنسانية. وتتضمن الانتهاكات التي يتعرض لها السجناء، استخدام العقوبات التعسفية والتعذيب الجسدي والنفسي، بالإضافة إلى الحرمان من الحقوق الأساسية مثل الحصول على العلاج الطبي اللازم والتواصل مع العائلة بشكل حر.
وفي ضوء هذه التطورات المقلقة، تشير المنظمات الحقوقية إلى أن عدد الضحايا يتزايد بشكل ملحوظ، حيث تم رصد أكثر من 20 ألف حالة اعتقال تعسفي منذ عام 2011، بما في ذلك آلاف الضحايا الذين تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة. وكانت المنظمات قد رصدت أيضاً استشهاد العديد من السجناء السياسيين نتيجة الإهمال الطبي المستشري بشكل واسع في سجون آل خليفة، والتعتيم على الواقع المأساوي للسجناء.
ووفقاً للتقارير المثبتة لمنظمة أمريكيون للديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، فإن هناك حالات خطيرة لسجناء محرومين من حقهم في الحصول على الرعاية الصحية وتستدعي حالتهم إطلاق سراح فوري، ومن بينهم الرموز القادة كالأستاذ حسن مشيمع، الدكتور عبدالجليل السنكيس والاستاذ عبدالهادي الخواجة والأستاذ عبدالوهاب حسين وغيرهم من السجناء السياسيين الذين دائماً ما يطالب خبراء الأمم المتحدة بناء على تقارير منظمات حقوقية بإطلاق سراحهم فوراً.
الفساد الاقتصادي
كشفت أرقام صندوق النقد الدولي عن ارتفاع مستوى الدين العام للبحرين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما جعلها تحتل المرتبة الثانية كأعلى دولة في العالم العربي من حيث نسبة الدين العام، بعد السودان. هذا الإعلان أثار مخاوف وتساؤلات حادة حول سياسات إدارة الموارد والثروات في البلاد، مما يتطلب استجابة فورية وفعّالة لتجنب تفاقم الوضع الاقتصادي.
ارتفاع معدلات البطالة: أظهرت الأرقام الرسمية ارتفاع معدل البطالة في البحرين إلى 7.7% خلال السنتين الأخيرتين، مما يعكس واقعاً اقتصادياً مقلقاً.
ارتفاع مستوى الدين العام: بالرغم من عدم وجود صراعات أهلية في البحرين، إلا أن الدين العام قفز بشكل مذهل خلال الفترة التي يحكمها حمد الخليفة، وتجاوز الزيادة 1,300%. وبحسب ما صرح به الخبير الإقتصادي الأستاذ ابراهيم شريف، “إن الدين العام في البحرين بلغ أكثر من 25 مليار دينار وليس 19 مليار كما زعمت الحكومة الخليفية في تقرير ديوان الرقابة المالية”.
التطبيع الخليجي مع الكيان الصهيوني
في السنوات الأخيرة، شهدت المنطقة توقيع اتفاقيات تطبيع بين بعض دول الخليج والكيان الإسرائيلي، مما أثار جدلاً كبيرًا في البحرين وزاد من حدة الانقسامات السياسية. وشهد عام 2020 اتفاقية تاريخية أقدم عليها النظام الخليفي، من خلال تطبيع علاقاته بشكل كامل مع الاحتلال الإسرائيلي، وتم التوقيع عليها في منتصف سبتمبر الماضي، برعاية الولايات المتحدة. وإلى جانب اللقاءات والزيارات، وقّع النظام الخليفي مع الاحتلال الإسرائيلي خلال العام 2023 العديد من الاتفاقيات، الاقتصادية والسياسية والأمنية، وأخرى متعلقة بمجال التعاون التقني والابتكار ونقل التكنولوجيا، والتعاون في النظم البيئية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وكان وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين قد افتتح خلال زيارته للبحرين في عام 2023 مقر السفارة الإسرائيلية في المنامة بشكل رسمي، بحضور وزير الخارحية الخليفي عبد اللطيف الزياني. وقال كوهين خلال حفل افتتاح مقر السفارة “اتفقنا على ضرورة العمل معاً لزيادة عدد الرحلات الجوية المباشرة والسياحة وحجم التجارة والاستثمار”. وأوضح كوهين، أنه “منذ توقيع اتفاقيات أبراهام واتفاقية السلام مع البحرين، تم توقيع 50 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين، وهناك 5 رحلات أسبوعية مباشرة بين إسرائيل والمنامة”.
هذا المسار الشاذ عمق المفاصلة بين شعب البحرين ونظام آل خليفة، وبات المواطنون ينظرون إلى الحكام بأنهم مجرد أدوات للوبي الصهيوأمريكي، فاتفاقيات العار كما يطلق عليها البحرانيون قادت النظام كذلك إلى الدخول في تحالفات عدوانية كالذي يحصل ضد اليمن بسبب موقفه الداعم لفك الحصار عن غزة. وبذلك يكون الخليفيون أداة صهيوني تساهم في تضييق الحصار على غزة، وتمكين الكيان الصهيوني من بلد عربي وهو ما يستفز مشاعر المواطنين من الموالاة والمعارضة، فضلا عن عموم الشارع العربي والإسلامي.
وفي سياق غير منفصل فإن صمود الشعب البحراني وثبات الرموز داخل السجون الخليفية تَفوّق على كل السياسات القمعية ومحاولات السلطة بإسقاط عزيمة الشعب وكسر صموده. وتكلل هذا الصمود المتسم بالوعي في الحراك من فضح حقيقة السياسات الخليفية لدى المراقبين، ففي بداية تفجر الثورة عام 2011 استطاع النظام الخليفي بدعم سعودي تضليل الرأي العام العربي والإسلامي بوصم الثورة على أنها طائفية، وأن قمعها هو السبيل الناجع لفرض الاستقرار في البحرين، لكن تبين فيما بعد أن النظام الخليفي هو من يفتعل القضايا الطائفية لتثبيت سياساته القمعية، بدليل شنه حملة قمع واسع لتيار الإخوان في البحرين بعد أن اشتد الخلاف مع قطر قبل بضع سنوات. كما أنه نظام تابع وعميل لتنفيذ سياسات الدول المهيمنة عالميا في مقابل توفير تلك القوى الغطاء السياسي والعسكري لحماية الحكم، وليس شيء أدل على ذلك من قضية التطبيع التي ليس له مبررات أمنية أو اقتصادية، بل أن مردودها خطير على الأمن القومي ويدخل البلد في متاهة غير محمودة العواقب.
يمكن القول أنه مع دخول الثورة في بداية عامها الرابع عشر ومع الإرتدادات الكبيرة للحرب العدوانية على غزة على المنطقة، وفي ظل الصمود الشعبي في البحرين، فإن النظام الخليفي يعيش في حالة من التخبط والخوف الشديدين، وأن المستقبل واعد لصالح المعارضة، لكن ذلك قد يتطلب مزيدا من تكثيف الجهود السياسية والميدانية لتكون المعارضة مساهمة في وضع أي تغييرات تفرضها التحولات المستقبلية.