:: وجوه الثورة :: الشيخ عبدالجليل المقداد.. وصايا الأيام الأخيرة قبل السجن الطويل
البحرين اليوم – (وجوه الثورة)
يمكن تصفّح ملامح العقل السياسي للشيخ عبدالجليل المقداد من الأيام الأخيرة التي ظهر فيها خطيباً بين الناس. في ختام فاتحة الشهيد جعفر معيوف، ٢٠ مارس ٢٠١١م، سجّل الشيخ المقداد آخر كلماته قبل أيام من اعتقاله الممتد حتى اليوم. رجل الدين الذي بلغ أعلى درجات التدريس الديني (البحث الخارج)؛ حرص آنذاك على أن يُسمّي خطابه بـ”الرّسائل”، بما هي إشعار بالمواقف الثابتة، وإبلاغ بالإرادات والنتائج الممكنة. على الإيقاع الذي برزَ به منذ العام ٢٠٠٤م؛ وصفَ الشيخ المقداد الأحداث ومسارَها بكثيرٍ الوضوح. اعتبر جيوشَ الخليج التي دخلت البحرين بأنها “عدوانية”، وحمّلها مسؤولية إراقة الدّماء، وأكد بأن الشعب سيلاحقها “وستدفع الثمن”. في تلك الأيام المتفجرة بالدماء وحيث كان كثيرون على وشك التواري عن الأنظار؛ ختمَ الشيخ المقداد على الموقف الشعبي تجاه النظام، وأعلن “الطلاق ثلاثا” مع النظام والعائلة الخليفية، فيما أبرز قدراً واسعا من الاستشراف وهو يخاطب الأمريكان واصفا إياهم بـ”الحمقى” بسبب دعمهم لنظام “الأشرار”، وقال إن الأمريكيين سيبكون كما بكوا بعد دعمهم لتنظيم “القاعدة والدول الداعمة للإرهاب”، وحذّر بأن دعم “النظام المجرم” في البحرين هو بمثابة “تهيئة الأرضية” للإرهابيين التكفيريين.
في رسالته للشعب؛ اختار الشيخ المقداد أن يصف البحرانيين بـ”آل أوال”، في ترميز للأصالة التي يريد الخليفيون الانقضاض عليها. زحْفُ الجنود المحمّلين بالبنادق والسيوف؛ لم يكسر الآمال الكبرى التي بشّر بها “وكيلُ المراجع” في اليوم لاعتصام دوار اللؤلؤة. في تلك البقعة التي احتلّتها الجيوش؛ جلس الشيخ المقداد على الأرض وحوله الناس، موجّهاً إليه التبريك على صناعة “المستحيل”. تلك النبرة ظلت كما هي في خطاب “الرسائل” وهو يشارك الناس تشييع شهيد بلدة عالي، وقال بأن “الدماء الطاهرة ستؤتي أكلها”، واضعا أمام الجموع وصيته الأكيدة بالحفاظ على وحدة الصف والألفة بين القلوب بانتظار “النصر الإلهي”.
زيّنَ الشيخ المقداد كوكبةَ الرموز بعباءة “الشرع”، وكان انبساطه مع قيادات الممانعة إنهاءاً – أو هكذا كان يُفترض – لذلك الجدل “المريض” الذي سادَ قبل السنوات القليلة التي سبقت ثورة ١٤ فبراير، وسعى مريدو هذا الجدل من ورائه سحْب البساط من تحت قيادات “الرفض” تحت ذريعة “الغطاء الشرعي”. أضفى وجود الشيخ المقداد بين هذه القيادات اكتمالاً للأضلاع، وتجسيرا بينها وبين المؤسسة الدّينية التي كان الشيخ أحد أعمدتها المحلية حين احتل عضوية الهيئة المركزية في المجلس الإسلامي العلمائي. من هذا الوجه “الفقيه”؛ أفلحَ تيار الممانعة في تبديد بعض الشكوك والأسئلة المغرضة، وبفضل تمدُّده في تشكيلات الممانعة كان من العسير مجدّداً المجادلة في “شرعية” الخطاب الجديد الذي بدأ يعلو من “حق” و”تيار الوفاء”.
مع مقامه الفقهي، وبموقعه المعروف في الحوزات الدينية؛ سيكون حضوره المعارض والممانع مكسباً للتيار الذي بدأ الخروج من دوائر الانصهار والانصياع داخل “قلاع النظام”، ليُسجّل بعد “غدر” العام ٢٠٠٢م الخطوات الأولى لبناء الثورة على تلك القلاع. باركَ الشيخ المطالبة بتنحية خليفة سلمان (٢٠٠٤)، وأمضى على الدعوة لدستور جديد (٢٠٠٦)، ووجّه نداءا مفتوحا للعلماء لتدارُك الخطر الذي يستهدف السكان الأصليين (٢٠٠٧). كان لعمامته لون خاص وهي تشارك رموز “حق” و”الوفاء” والناس في الاعتصامات ويخترق معها “الخطوط الحمراء” في بلدة رأس رمان (٢٠٠٩) لتأكيد إحياء عيد الشهداء رغم حصار العساكر. وكان ذلك آخر أيام هذا الإحياء في ذلك المكان. هذا البروز المتدفق سبّب توجسا مبكرا من جانب النظام، فتم استدعاء الشيخ المقداد من قبل وزير الداخلية شخصيا، وبعدها استُدعي من رئيس جهاز الأمن العام الخليفي، كام مُنع من الخطابة لمدة أسبوعين بقرار من وزير العدل الخليفي (٢٠١٠م).
في الأشهر المتلاحقة من العام ٢٠١٠م خاضَ الشيخ المقداد مع رفاقه الرموز الجولة الأهم في تهيئة الطريق نحو الثورة التي كان يرى أن قطفها قد حان. من بياناته التي أخذت وقعا خاصا بين عامي ٢٠٠٩ و٢٠١٠م؛ توسّع تمرير مقولة “عدم شرعية النظام”، والتشهير بآليات القمع الممنهج على أيدي “المرتزقة”. من هاتين المقولتين أدرك الشيخ المقداد بأن هناك “أياما عصيبة آتية” (٢٠١٠م)، ولكن “منْ يضحك اليوم سيبكي غدا” كما قال وهو يندّد بأولئك الذين رقصوا على أجساد البحرانيين في مارس ٢٠١١م وهلّلوا لدبابات آل سعود.