تقارير

:: وجوه الثورة :: الشيخ سعيد النوري.. العقل المفكِّر في خطاب الممانعة

 

البحرين اليوم – (وجوه الثورة)

حتى ما قبل واقعة “النكث” في العام ٢٠٠٢م؛ كان الشيخ سعيد النوري معروفا بضلوعه الاختصاصي في بناء الأفكار والدفاع عن هوية “الأصالة الدينية”. قبل تلك الفترة، لم يكن مساره العام محاطا بالدراما أو الاشتباك مع المنظومات الرسمية، كما أنه لم يكن منغمساً، في العلن، داخل التيار المعارض الذي تفجر مع جيله في الثمانينات وبعدها في انتفاضة التسعينات. كان وجوده في الخارج، للدراسة ولأمور أخرى، مؤشرا لدى البعض على أن الشّاب – الذي تميّز إبان المجموعات الدينية والدروس التعليمية التي سادت في النصف الثاني من عقد الثمانينات – قد يكون اختار لنفسه اتجاها “خاصا” في البحث الفكري والتمعُّن أكثر في خطابات ومدارس المؤسس الأوائل للنهضة الحديثة للإسلام المعاصر. إلا أنّ عودته في تلك الفترة من دولة قطر، وإعادة تسجيل حضوره المتصاعد في المسار الديني؛ أعاد إلى الأذهان تلك الصور التمثيلية التي استطاع تسجيلها وهو يتحدث عن الشخصيات الكبرى، مثل الإمام الخميني والشيخ مطهري والسيد باقر الصدر، وكيف أنتجت صيغا فكرية ومفاهيمية مغايرة لما كان سائدا في العهود الطويلة التي شاعت فيها سياسة “الانخراط في الأمر الواقع” ومحاولة التعايش الممكن معه.

اختار الشيخ النوري أن يُحدث التغيير الأساسي في طرائق العمل العام في البحرين من خلال التأسيس الفكري والديني. على هذا النحو كان انخراطه في جمعية التوعية الإسلامية وكتابته لسلسلة من الأدبيات التي أراد منها إعادة ضخ المفاهيم التأسيسية التي عُرف بها صُنّاع النهضة الإسلامية المعاصرة. كان حضوره داخل الجمعية، في عهدها الجديد، محاولة “جسورة” لإعادة الربط بين النشاط في الحقل العام وبين التأسيس الديني، وهي المحاولة التي كانت “الجسر الأصيل” الذي ربطه رأسا بالأستاذ عبد الوهاب حسين، لُيصبحا ثنائياً متكاملا في الميدان الفكري والسياسي، ولاسيما حينما كان الأستاذ عبدالوهاب يتولى إدارة “التوعية”، وقبل أن يتركها للشيخ النوري لاحقا.

 

لاشك أن هناك عوائق “جدية” واجهت الشيخ النوري. ليس لأن هناك محظورات معلنة في طريقة إدارته للجمعية، أو في نوعية الخطاب “التوعوي” الذي جهِد لترسيخه في أوساط الجمهور الديني الذي لازال مشدوداً إلى المركزيات الرمزية (الدينية والسياسية) التي تعمل خارج الإطار المؤسسي لجمعية “التوعية”. وجد الشيخ النوري أن هناك ضرورة واقعية للانتقال العملي في عملية “التشبيك” بين الفكري والواقعي، أو بين الخطاب والعمل، وهو ما حتم عليه أن يسلط الضوء بتوسُّع على الشأن العام، ويقدّم رؤاه حول السلوك السياسي والأداء العملاني للمعارضة المحسوبة على مرجعيته “الدينية”. على قدر الوضوح الذي كان يتمتع به، فإنه كان “جريئا” في وصف المجريات والأداءات، ليكون في النتيجة حاضراً في عُمق تيار “الممانعة” التي قاده فكريا الأستاذ عبدالوهاب، وأسهم في بلورته على الواقع عدد من الرموز وبينهم الأستاذ حسن مشيمع والدكتور عبدالجليل السنكيس والأستاذ عبدالهادي الخواجة وآخرون.

نجح الشيخ النوري في استكمال المعادلة الدينية داخل تيار الممانعة، وجنبا إلى جنب الإسهام الرمزي العميق الذي قدّمه الشيخ عبد الجليل المقداد. وكان من الطبيعي أن يتكامل حضوره وصولاً إلى تأسيس “تيار الوفاء الإسلامي” والدخول في صُلب المعركة السياسية ومحاولة إحداث “الفارق” في عمل المعارضة الذي نال قدرا غير قليل من النقد والمراجعة من جانب الشيخ النوري وأخوانه. وقد كان حريصا على أن يبني نقوداته من خلال خاصيته في “العقل المفكِّر”، وليس العقل النقدي أو الحجاجي فحسب. في هذا السياق، وضعَ أمام الجميع البناء الفكري الديني الذي يؤمن به التيار العريض من الجمهور والنخبة، وبإزائه كان يُبرز الأداءات العملانية التي تعاني من خروقات واضحة على صعيد بنائها الفكري. لم يكن ينظر إلى النظام، فقط، باعتباره مجرما على صعيد السياسة وسلب الحقوق العامة، بل نزعَ في خطابه إلى وصف النظام باعتباره ضالعاً في تكريس “وقائع جديدة” من شأنها أن تقوِّض الوجود الديني والفكري للتيار، وخاصة وأن النظام كان – قبل ثورة ١٤ فبراير – قد أفلح في إحداث “اختراق” فكري مثير لبعض مواقع هذا التيار، والتي باتت تُنتج خطابا منسجماً مع البنية المتلائمة مع النظام، وهي بنية رآها الشيخ النوري – في الخلاصة – على طرفي النقيض مع “الفكر الأصيل” الذي انشغل طويلا في بنائه ونحْت مفاهيمه وإعادة توسيع حضوره في العقل السياسي العام. وكانت قاعدته الفكرية في كل ذلك هي: “إن نظام الحكم في البحرين باطل، وغير شرعي، وفقدَ شرعيته أكثر من مرة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى