:: وجوه الثورة :: السيد مجيد المشعل.. العمامة التي أخلصت للقيادة حتى النهاية
البحرين اليوم – (خاص)
قد يكون مفاجئا للبعض البروز “الثوري” الذي تميّز به السيد مجيد المشعل (مواليد ١٩٦٣م)، وخاصة في الأوقات الصعبة التي مرت بها ثورة البحرين بعد العام ٢٠١٤م. لم يكن حدث اعتقال الشيخ علي سلمان، وبعده استهداف آية الله الشيخ عيسى قاسم؛ هما المعبران اللذان دخل منهما السيد المشعل “طفرةً” إلى المساحات الأوضح في الدفاع عن الثورة، والحضور في ميادينها. رجل الدين المثابر الذي عاد إلى البحرين في العام ١٩٩٩م، سرعان ما أصبح وطيد الصلة بالمرجعية الدينية المحلية العليا التي مثلها الشيخ قاسم، وهو ما برز بوضوح مع فوز المشعل برئاسة المجلس العلمائي الإسلامي في العام ٢٠٠٨م، وذلك خلفا للشيخ قاسم نفسه. وقد دخل السيد المشعل المعترك العام حاملا مسؤولية إدارة المؤسسة الدينية “الأعلى” في البلاد، وهو ما أضفى على حضوره في الثورة لونا من الامتياز والخصوصية والقدرة على تجاوز “الاعتبارات” البروتوكولية التي يتخذها البعض سببا لإنقاص وزن الخطاب السياسي العام، أو للإحجام عن الانخراط المباشر في المعترك المعارض ضد النظام الخليفي.
شارك السيد المشعل في التظاهرات الثورية، وألقى كلمات “لا لف فيها ولا دوران” في الاعتصامات والمهرجانات التي نظمتها قوى ثورية معارضة في البلاد. وقد أخذ هذا الحضور الممانع وتيرته المتصاعدة بعد اعتقال الشيخ سلمان في العام ٢٠١٤م، حيث قاد التظاهرات التي دعت للإفراج عنه، كما اخترق التهديدات المادية والرمزية وكان في طليعة الزاحفين نحو منزل الشيخ سلمان في البلاد القديم وإعلان التضامن معه، وذلك رغم موجة الترهيب والقمع الدموي التي بدأت حينها تأخذ صيرورة عنفية جديدة. ورغم الاستدعاءات التي تعرض لها، لم يُظهر السيد المشعل تراجعا أو اضطرارا إلى التواري وخفوت صوته الرافض، وهو ما أثبته فعله القيادي في تنظيم الاعتصام بجوار منزل آية الله الشيخ قاسم في يونيو ٢٠١٧م، وتقديمه النموذج العملي للعمامة التي لا تتوانى عن تقديم الفداء للقيادة، حيث ارتدى الكفن ورابط في الليل والنهار في “ساحة الفداء”، ورفعَ صوته عاليا بين المعتصمين وهو يُعزّز فيهم الصمود وتبيان المعنى التفصيلي للتضامن مع الشيخ قاسم ودلالات ذلك في الدفاع عن الوجود والهوية، وكان في ذلك خطابه المدوي الذي أعلن فيه قوله المشهور: “هذه عباءتي فلتسلم لعائلتي كفنا.. لا نريد العيش في وطن بلا آية الله قاسم”.
تعكس السيرة الأخيرة للسيد المشعل، المحكوم بأكثر من سنتين في سجن جو المركزي، تلك الطبيعة غير المتوقعة من رجل الدين الذين لم يكن معروفا عنه الانخراط في السياسة، وكان حريصا في مقاطع مديدة من حياته الأولى في الدرس الديني والانكباب في علوم الحوزة، فضلا عن كونه ينتمي إلى إطار مدرسي فضّل عدم الدخول في المناجزات الحادة وإيقاع المواقف الفاصلة أو المفصلية. وهو في ذلك إشعار بضرورة “التأني” في الحكم على الشخصيات العامة المائلة نحو الناس، أو على الأقل استبطان توقُّع “الخير” منها في أية لحظة قد تفرض خروجا على كلّ “الطوق”. ولكن، في الوقت نفسه، ستظل حركة السيد استثناءا، أو يكاد يكون ذلك، في المحيط العلمائي العام الذي يبقى محفوفا بالتحفظ والرغبة في التريث حتى آخر الأنفاس.