ساهر عريبيمقالات
هل سلمان الخليفة مؤهل لقيادة الفيفا؟
البحرين اليوم – (خاص)
تعتبر لعبة كرة القدم اللعبة الأكثر شعبية في العالم، حيث إنها تجذب ملايين المشجعين من مختلف أرجاء الكرة الأرضية للتمتّع بسحرها وبفنونها الأخّاذة داخل المستطيل الأخضر.
وبالرغم من التنافس الشديد بين مختلف الدول للتربع على عرش بطولتها العالمي، إلا أن ذلك التنافس المشروع كان وسيلة لتعميق روح الصداقة والتعارف بين الشعوب، وترسيخ القيم الإنسانية القائمة على المحبّة والتنافس الشريف واحترام قيمة الإنسان.
أصبحت هذه اللعبة – وبسبب شعبيتها الواسعة – موردا للمنافسات التجارية بين الدول والشركات التي تسعى لاستضافة ورعاية مختلف بطولاتها الدولية والقارية والمحلية. إلا أن تلك المنافسة التجارية خرجت في بعض الأحيان عن نطاق المنافسة المشروعة، ودخلت في دائرة الفساد المالي والإداري.
أثيرت مؤخرا اتهامات بالفساد لعدد من المسؤولين الذين يقودون الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” حول تورّطهم في ملفات فساد تتعلق بحق تنظيم بطولات كأس العالم، وقد أطاحت تلك الإتهامات أولا برئيس الإتحاد الآسيوي السابق القطري بن همام، الذي وُجّهت له اتهامات بدفع رشاوى من أجل فوز قطر بتنظيم نهائيات كأس العالم لعام 2022.
ولم تقتصر تلك الإتهامات على حق تنظيم البطولات، بل شملت حقوق البث التلفزيوني والإعلانات وغيرها من النشاطات التجارية التي تصاحب بطولات كرة القدم.
قضايا الفساد تفاعلت هذا العام بشكل كبير، وأدت إلى إلقاء القبض على عدد من السؤولين التنفيذيين في الإتحاد الدولي لكرة القدم في مايو من هذا العام في سويسرا.
وقد تفاقمت أوضاع الإتحاد كثيرا بعد تقديم رئيسه سيب بلاتر استقالته، وكذلك منع نائبه الفرنسي ميشيل بلاتيني من مزاولة مهامه لمدة ثلاثة أشهر، وتكليف رئيس الإتحاد الأفريقي لكرة القدم عيسى حياتو مهمة رئاسة الإتحاد الدولي، وحتى انتخاب رئيس جديد له في شهر فبراير من العام المقبل. وهو ما فتح باب التقديم للترشيح لرئاسته، والتي من المقرر أن تنتهي اليوم الإثنين.
وكان اللافت في الترشيحات هو تقديم رئيس الإتحاد الآسيوي والرئيس السابق لاتحاد البحرين لكرة القدم الشيخ سلمان ابراهيم الخليفة طلبا رسميا لشغل المنصب. وأما عنصر الإستغراب في هذا الطلب فهو تقديمه من قبل شخص متهم بالمشاركة في اعتقال وتعذيب رياضيين، ومنهم لاعبو كرة القدم في منتخب البحرين.
وتوجّه منظمات حقوقية دولية لسلمان اتهامات برئاسة لجنة تولّت تشخيص الرياضيين البحرانيين الذين شاركوا في الإحتجاجات المؤيدة للديمقراطية التي اندلعت في البلاد عام 2011. وتدعي كل من منظمة هيومن رايتس ووتش وأمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين ومعهد البحرين للحقوق والديمقراطية” تورّط سلمان الخليفة في اعتقال وتعذيب وحرمان العديد من الرياضيين” ومنهم لاعبا كرة القدم الشهيران الأخوان محمد وعلاء حبيل.
هذه الاتهامات التي تدّعي تلك المنظمات بأنها مدعومة بأدلة “ذات مصداقية” تثير العديد من علامات الإستفهام حول مدى أهلية سلمان الخليفة لقيادة واحد من أهم الإتحادات الرياضية في العالم وأكثرها شعبية.
تلك الإتهامات – فيما لو صحّت – تعني أن لعبة كرة القدم مقبلة على كارثة حقيقية. فإن تولي مثل هذا الشخص لإدارتها يتناقض مع جميع المباديء والقيم التي تأسس وفقا لها الاتحاد الدولي لكرة القدم في باريس عام 1904، والتي تقوم على أساس تعزيز قيم الصداقة والمحبة بين الشعوب.
ممارسات التعذيب ومعاقبة الرياضيين وسجنهم لمجرد مطالبتهم بحقوقهم الإنسانية وبالديمقراطية؛ تتناقض مع مباديء الإتحاد ومع القيم الإنسانية التي تأسس الإتحاد وفقا لها. إن أي شخص متورّط في تلك الإنتهاكات غير مؤهل للدفاع عن تلك القيم، ولا في الحفاظ على مسيرة الفيفا وانتشاله من مستنقع الفساد الذي وقع فيه.
الفيفا الذي اهتزت صورته كثيرا في عيون عشاق كرة القدم بسبب فضائح الفساد هو في غنى عن فضيحة أكبر من تلك الفضائح، وتتمثل بجلوس منتهك لحقوق الإنسان على سدّة عرشه.
إن الإتحاد الدولي مدعوّ اليوم للتحقيق في تلك الإتهامات الموجّهة للشيخ سلمان الخليفة، والتحقق من مدى أهليته لقيادة الإتحاد، بل وحتى فتح ملف توليه لقيادة الإتحاد الآسيوي في عهد قيادة سيب بلاتر.
إن المعذبين ومنتهكي حقوق الإنسان والفاسدين لا يمكنهم تعزيز قيم المحبة والتسامح بين الشعوب، فهم يبنون مجدهم على حساب تلك القيم وعلى حساب دماء ضحاياهم التي تحوّل لون المستطيل الأخضر إلى أحمر قانٍ يذكّر بجرائمهم.