تاريخ العمل السياسي لما يُسمى بقوى الموالاة في البحرين، على الأقل على المستوى التنظيمي، يكاد يكون منعدماً تماما قبل تولي حمد بن عيسى السلطة.
وقد بدأ الظهور العلني شبه الفجائي لهذه القوى بعد انتخابات 2002م، ولا شك أن تدخل السلطة الممنهج من أجل تكوين جبهه معارضة للمعارضة التقليدية من أجل شقّ البرلمان المنتخب؛ كان بمثابة الماء و الغذاء لتلك النبتة، وقد تكونت هذه القوى الموالية من جناحي الإخوان المسلمين والسلفيين مع بعض المستقلين.
من ناحية أخرى، ظلت هذه القوى محدودة التأثير في الشارع الموالي، ولكن مع انطلاق ثورة الرابع عشر من فبراير 2011 برزت هذه القوى بوصفها جبهة حقيقية، وتمثل جزءا مهما من الشارع في البحرين، وفي إطار تقديم المساندة للنظام.
هذه القوى الموالية اتخذت مواقف واضحة من الثورة، وتتسم بمقاومة أي نوع من التغيير نحو الديمقراطية، وترفض أي نوع من الشراكة الوطنية، وعلى نحوٍ تجاوزت، في بعض الأحيان، مواقف وتصريحات المسؤولين من آل خليفة أنفسهم.
لا شك أن الغالب من مواقف هذه الجبهة تولّت قيادة ما يُعرف ب”الثورة المضادة”، بحيث أنها أصبحت أداه مباشرة لسلطة آل خليفة، وإلى حدّ جعل البعض يصرّح بأنهم كانوا (رموت كنترول) بيد النظام.
الغريب في الأمر أن هذه القوى لم تستطع أن تحصد أيٍّ من الثمار، وحتى على المستوى المعيشي، عدا عن بعض المصالح الشخصية لقياداتها.
إن حالت الفشل التي عاشتها هذه القوى، تجاوزت كلّ الحدود، حتى وصل الأمر بها إلى الوضع المزري الحالي في 2015م، حيث إنها لم تعد تملك تمثيلاً في البرلمان، ولا تحظى بأية وجاهة في المناصب المهمة، وعمِد النظام إلى استبالهم بمستقلين، والذين لا يمكن وصفهم إلا باعتبارهم “منتفعين” لا يملكون أجندةً، أو برنامجا سياسيا حقيقيا.
ولكن ما سبب هذه الهزائم؟
لماذا لم تستطع قوى الموالاة، بمواقفها الطيعة للسلطة، أن تجني أي ثمار ونتائج مرضية؟ ألا يستحق هؤلاء التقدير من قبل السلطة؟ هل كانوا مقصّرين في درجة الموالاة؟ ماذا كان عليهم أن يعملوا لتحقيق، ولو بعض، من المكاسب؟
لا شك أن التراجع الدراماتيكي للإخوان المسلمين كان واضحا، وخاصة بعد هزيمتهم في مصر، والموقف الواضح لدول الخليج من الإسلام السياسي.
هذا يجرنا لعرض بعض الأسباب لهزيمة الإخوان في المنطقة عموماً، وفي البحرين خصوصا.
من خلال قراءة سريعة، يتضح أن هناك عاملين مميتين كانا وراء شبه الانتحار السياسي الذي يحلّ بالموالاة.
العامل الأول، هو أن قوى الإخوان في مصر، وأيضا في البحرين، اتخذوا موقفت واضحا وصريحا من حيث التحالف مع النظام، كما هو في البحرين، أو مع بقاياه، كما في مصر.
هذا التحالف، وإن كان ظاهره تحالف مع القوي، ولكنه تحالف من دون شك مع “العدو”. سواء تمّ ذلك بوعي أو من دون وعي، فقد اتخذ الإخوان هذا الموقف الخطير والكارثي.
إن عدم تشخيص الصديق والعدو الحقيقيين، ومن ثم التحالف مع العدو الذي لا يملك إلا الانقضاض عليهم، متى ما حانت الفرصة، كان هو الخطأ القاتل.
إن المولاة في البحرين تظن أن السلطة صديق دائم، وهذا هو من أهم أساسيات كوارثهم السياسية، ومن دون شك. تماما كما فعل الاخوان المسلمين في مصر، عندما تحالفوا مع بقايا العسكر من حكم آل مبارك، وحتى مع الكيان الصهيوني. متى كانت السلطات الدكتاتورية أو القبلية لها مبادئ أو صداقة مع تنظيم الاخوان؟!
إن تشخيص العدو والصديق الحقيقيين في أي صراع أو حراك شعبي، وخاصة عنما يتعلق الموضوع بمرحلة خطيرة وفاصلة، هو من أهم ركائز النجاح. إن قوى الموالاة التي ركبت ظهر الأسد (كما يرونه في السلطة) حسبت أنها في مأمن، ولكنها أشاحت بوجهها عن عن حقيقة أن السقوط من ظهر الأسد يعني أنها ستصبح فريسة سهلة للأسد نفسه. إن خسائر ما يسمى بالموالاة، وبموقفهم المنحاز كليا للسلطة، لا يقتصر على ما ذُكر، بل يشمل فقدان، وحتى تعارض، القوى الأكبر من الشارع المعارض وحتى الموالي منه.
الخطأ الثاني و الذي يوازي الخطأ الأول؛ هو عدم الأخذ برأي الشارع، والتفرد بالقرار الحزبي البعيد عن الجماهير. هذ الخطأ أدى إلى انتفاضة يونيو في مصر. في البحرين أدى هذا السبب إما إلى عزوف الشارع (الموالي) عن السياسة، أو اختيار المستقلين في انتخابات 2014 بدلا عنهم.
ولحسن حظ هذا الجيل، ومع سهولة التواصل بين الناس، فإن أي حركة أو حزب ليس له قاعدة شعبية قوية؛ لا يستطيع أن يتقدم من دون مغازلة مصالح الناس. كما أن الجماهير تتعلم بسرعة من التجارب التي تخوضها مع أي حركة سياسية. فمثلا، فإن عمل الإخوان النشط في الحياة الاجتماعية في مصر خلال عقود عدة من الزمن؛ لم يشفع لهم أخطاء مرحلة قصيرة لا تتجاوز العام.
في وجهة نظري، فإن الشارع (الموالي) في البحرين لا يقل وعيا لمصالحة، ومدى مصداقية منْ حاول قيادته، عكس ما يتصور الكثيرون. قد يجادل البعض أننا لا نرى مواقف مهمة مغايرة، أو ظهور قيادات جديدة حتى الآن من هذا الشارع، إلا أن الانتقادات الكثيرة والعلنية ضد القيادات التقليدية، وتفتّت هذه الكتل؛ له دلالة تشير إلى أن هكذا تغيير ليس مستبعدا. إن الشارع (الموالي) لا شك أنه يرى الآثار المدمرة والمضرة للمشاريع التي تقوم بها سلطة آل خليفة، وخاصة في ملف التجنيس والإسكان وسياسات إفلاس الدولة.
إن بروز ظاهرة مثل النائب أسامة مهنا التميمي، وهجرة بعض العوائل إلى قطر؛ كلها تدلل على نفور الشارع (الموالي) من آل خليفة، ومن قيادات الفاتح و الفزعة.
هل بدأ يصبح الشارع (الموالي) تدريجيا غير موالي؟
إنّ أي تغيير في الوضع السياسي في البحرين في أي اتجاه لا بد، وأن ينتج عنه قيادات جديدة للشارع (الموالي) يمتلك بعض المصداقية، ويعبر عن إرادة هذا الشارع. لابد لهكذا قيادات جديدة من القدرة على تجاوز الماضي، وتكوين مفاهيم تتأسس على الشراكة الوطنية والسلم الأهلي بدل التنازع و الأنانية. هذا هو المأمول.
إن التعويل على القوى الإقليمية كما فعل بعض المعارضين في العراق؛ لن ينتج عنه سوى خراب البلد، وفي ذلك خسارة الجميع، أو انتهاء المستقبل السياسي للقيادات المتطرفة منهم كليا داخل البلد.