هل المعارضة البحرينية في لندن متشددة؟
يرى جزء من الرأي العام البحريني إن جهد معارضي الخارج مهم وحيوي لدعم واستمرار زخم الفعاليات المعارضة ضد سلطات المنامة، بيد أنه من الواجب الاعتراف أيضا أن كثيرا ما توصف المعارضة البحرينية في لندن على أنها متشددة، غير واقعية، بعيدة عن الشارع، ترفع شعارات غير عملية، وتزايد على ناشطي الداخل، في حين يفترض بمعارضي الخارج، خصوصا في العاصمة البريطانية (لندن)، أن يخفضوا صوتهم، حتى لا أقول أن يصمتوا، لأن معارضي الداخل أكثر قربا من الحدث، أكثر دراية بتفاصيله، أقرب إلى معاناة الشارع، وبالتالي الأقدر على وصف المشكل، واجتراح الحلول.
مثل هذه التوصيفات يطلقها ناشطون معروفون أحيانا، كما تجد مثل هذا الرأي لدى بعض جمهور الرأي العام، وبالتالي قد يصح القول إن الصورة المتخيلة عن معارضي الخارج تشوبها بعض السلبية، وأحيانا الكثير من السلبية.
حسنا، سأحاول أن أبدي بعض الملاحظات على هذه الصورة، بغرض الوصول إلى نتيجة في نهاية المطاف، مركزا على معارضة لندن تحديدا، التي تمثل أبرز معارضة للنظام الخليفي في الخارج.
أولا، المعارضة في لندن معارضات وليست معارضة واحدة، ويتواجد في عاصمة الضباب طيف متنوع من الناشطين، بعضهم ينتمي إلى تيار تحالف الجمهورية بقيادة د. سعيد الشهابي، وآخرين ينتمون إلى جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، مثل النائب السابق علي الأسود، والنائبين السابقين الشقيقين جواد وجلال فيروز، إضافة إلى ناشطين يعبرون عن تيار العمل الإسلامي (أمل)، مثل الصحافي جواد عبدالوهاب، ويمكن أن أضيف كل من قاسم الهاشمي وعبدالرؤوف الشايب، وكلاهما يرفع شعار اسقاط النظام، والعديد من الناشطين المستقلين في مجالات وتخصصات مختلفة.
ثانيا، الخطاب الذي يتبناه تيار تحالف الجمهورية يعد امتدادا لخطاب الأستاذين عبدالوهاب حسين وحسن مشيمع، وليس خطابا “خارجيا”، أو لا وجود له على الأرض. فالدعوة لإسقاط النظام، سواء كنا نجدها مطلبا منطقيا أم لا، فإنها رُفعت في دوار اللؤلؤة ومازالت ترفع في البحرين من طرف تيار الوفاء وحركة حق وائتلاف 14 فبراير. إذا فإن خطاب لندن “الجمهوري” خطاب داخلي بامتياز، سواء كنا ندعمه أو نرفضه.
كما يعبر خطاب الوفاقيين في لندن عن مقولات كبرى جمعيات المعارضة في مقرها في الزنج، ولمن يود أن يُفسر نشاط أي من الوفاقيين في الخارج بأنه منبت أو مستقل عن مقولات ومرتكزات ومسارات الداخل، فعليه أن يعيد النظر في ذلك، من دون أن يعني ذلك أن هؤلاء ناطقين رسميين باسمها، في كل الأحوال، بالضرورة، ذلك أنه حتى أعضاء الوفاق في الداخل ليسوا ناطقين باسمها، رسميا، لكنهم يعبرون دون شك عن رؤاها.
وإذا صح أن خطاب الوفاق معتدل في نظر البعض، فإنه في داخل البحرين وخارجها، وليس فقط في الداخل، وينطبق ذلك على خطاب تحالف الجمهورية، فبغض النظر عمن يعتبر رؤى هذا التيار متشددة، أو إنها رؤى ثورية وتنسجم مع تطلعات الشارع، وطبيعة المرحلة، كما يقول أصحابها، فإنها مقولات ومطالب تعبر عن نهج موجود في المنامة والعديد من مدن وقرى البحرين، بنسب متفاوتة، ولا يوجد لدى د. الشهابي وعباس العمران وعلي مشيمع، وغيرهم من ممثلي تيار تحالف الجمهورية خطاب منفصل عن آراء وتوجهات قادة التيار المعتقلين في السجون.
الخلاصة التي أود الوصول إليها، بأنه قد يصح القول أحيانا إن خطاب هذه المعارضة أو تلك متشدد أو معتدل، فعّال أو محدود التأثير، منفعل أو مبادر، كما أنه يصح القول أنه خطاب يحتاج على الدوام إلى مراجعة وتأصيل، واختبار الفرص، وتطوير الآليات، وتعزيز الحضور في مواقع التأثير المختلفة، والتواضع للجماهير، أما النظر إلى خطاب الخارج باعتباره منفصل عن الداخل فلا ريب أن تلك قراءة غير موضوعية، وأحيانا مسيّسة، وفي بعض الحالات قد تكون ذات دوافع غير بريئة.
بطبيعة الحال، هذا لا يمنع، بل لعله يتوجب، توجيه النقد للمطالبين بإصلاح النظام وبإسقاطه، في الخارج كما الداخل، فبرامج هؤلاء مليئة بالإخفاقات كما النجاحات، بيد أن اعتبار هؤلاء وكأنهم في واد مختلف عن قاداتهم وقواعدهم الداخلية، فأمر لا يتفق وواقع الحال.
أما تقييم نشاط معارضة لندن، ومدى فاعليتها، فلذلك وقفة أخرى، لكني سمعت مرة أن المعارضة البحرينية في لندن قد تكون من أكثر المعارضات العربية حيوية!