أشواط المعركة القضائية ضد ناصر بن حمد
الخبرة الكبيرة المتراكمة لدى المعارضة البحرينية مكنتها من انتزاع حكم تاريخي ضد ناصر بن حمد، يفتح الطريق لخطوة أخرى ضده في المحاكم البريطانية أو الأوروبية بتهمة ممارسة التعذيب. بل يمكن القول إن النجل الرابع للملك يدفع ثمن إخفاق المجهودات السابقة التي قام بها المعارضون في محاولاتهم الحثيثة لإنصاف الضحايا من خلال القضاء، في البحرين وخارجها.
لقد بدأ الجهد المعارض بملاحقة المتهمين بقضايا التعذيب منذ العام 1997، بحملة في المحاكم البريطانية ضد الضابط البريطاني السابق إيان هندرسون، بتهم تعذيب معارضين منذ مجيئه إلى البحرين في العام 1966 وترأسه الجهاز الأمني، بما في ذلك الفترة التي أعقبت حل البرلمان (صيف 1975)، وسريان قانون ومحاكم أمن الدولة سيئة الصيت. وترافق الجهد المعارض حينها مع انتفاضة التسعينات المطالبة بعودة العمل بدستور دولة البحرين (1973).
وبناء على الشكوى ضد هندرسون، قامت الشرطة البريطانية بإجراء تحقيقات واسعة، وأرسلت وفود تحقيق إلى دول عدة، من بينها الدنمارك ونيوزيلندا والبحرين، وشملت التحقيقات العديد من ضحايا الجهاز الأمني العنيف، في القلعة، حيث مقر وزارة الداخلية، لكن الشرطة البريطانية أغلقت الملف في العام 2006، لأنه لا يمكن إنجاز محاكمة هادفة. وفيما يبدو أن ذلك يعود إلى كبر سن ومرض المتهم هندرسون، كما يُفهم من الرسالة التي تلقاها د. سعيد الشهابي، أحد أبرز القائمين على الحملة، من الشرطة البريطانية.
تلك الخبرات وغيرها تم استثمارها في القضية ضد الابن المدلل للملك، وبفضلها إلى جانب العمل الاحترافي من قبل القائمين على القضية التي رُفعت في صيف 2012، فقد تحقق نجاح باهر في 7 أكتوبر بإقرار المحكمة المليكة الجنائية العليا في لندن أن ناصر لا يتمتع بحصانة دبلوماسية تحول دون التحقيق معه من قبل الادعاء العام وإحالته إلى القضاء.
يمكن أن أشير أيضا إلى خبرة التعامل مع القضاء البحريني، والجهد الذي بذلته لجنة الشهداء ضحايا التعذيب، التي تأسست في 2001، ومحاولات القانونيين التقدم بطلبات لمحاكمة العقيد السابق في جهاز الأمن عادل فليفل، وهي القضايا التي لم تقبلها محاكم المنامة بسبب ما قيل عن تحصين المعذبين، وفق قانون 56 لسنة 2002.
لقد أفضى الشوط الطويل من الصراع مع النظام الخليفي إلى تبلور عدة أفكار للكيفية التي يتوجب بها ملاحقة المسئولين الأمنيين والسياسيين المتهمين بممارسة التعذيب أو الإشراف عليه، ولعله يمكن الإشارة إلى رأيين:
الرأي الأول، يرى الاتجاه صوب القضاء الدولي في لاهاي، ومحكمة الجنايات الدولية. وقد اتجهت المحامية اللبنانية مي الخنساء والمحامي الكويتي عبدالحميد دشتي إلى هذا المسلك، الذي اصطدم بكون البحرين ليست طرفا في هذه المحكمة، ولم توقع على نظامها الأساسي، فيما القوى الغربية المتسيدة للمشهد الدولي تعد حليفة لحكومة آل خليفة، وستقف في مجلس الأمن ضد أي قرار مفترض لإحالة قضايا التعذيب الموثقة إلى محكمة لاهاي.
الراي الثاني، يرجح اللجوء إلى القضاء القُطْري، في أوروبا تحديدا، وقد تبلور هذا الرأي في لندن، على نحو أكثر بروزا منذ العام 2010، حين بدأ الناشطون المعارضون التفكير جديا في رفع قضايا ضد المتهمين بتعذيب عدد من المعارضين، اعتقلوا في صيف 2010. وحين جاءت اعتصامات 2011، وما تلاها من عمليات تعذيب ممنهجة وموثقة، كانت الفكرة جاهزة لرفع قضايا في محاكم بريطانية ضد شخصيات رئيسية في النظام، وأعضاء في العائلة الخليفية الحاكمة.
إذا، لم يكن اللجوء إلى محاكم لندن اعتباطيا، أو وليد الصدفة، إنما جاء نتيجة خبرات متراكمة في التعامل مع القضاء المحلي والبريطاني والدولي. ومن دون شك، فقد شكل اللجوء إلى محاكم المنامة ومحكمة لاهاي حجة دامغة ترجح أهمية اختبار فرضة اللجوء إلى القضاء القُطري.
حاليا، تبدو هذه الفكرة واعدة، بيد أن المرحلة المقبلة من محاكمة ناصر بن حمد، تحتاج إلى مزيد من الاحترافية والتخصصية، ولعل الخبرات المتراكة لدى الفريق القانوني للمعارضة كفيل بأن يفك العقد المتوقعة في طريق شاق وصعب، وصولا إلى إنصاف الضحايا، ووضع الجلاد خلف القضبان.