هاني العبندي لـ “البحرين اليوم”: الوجهاء الجدد في شرق السعودية تصدوا للأصوات المعارضة للنظام (١-٢)
البحرين اليوم – (خاص)
يسرد لنا الصحافي هاني العبندي جزءً من حراك الساحة في القطيف والأحساء شرق السعودية، ويحاول في هذه المقابلة التي خص بها “البحرين اليوم” أن يبين مفاصل التشابه والاختلاف بين الماضي والحاضر في الحركة السياسية والاجتماعية في هاتين المنطقتين، اللتين تعتبران هدفاً لآل سعود، ويرى العبندي أن ثمة قسما من المجتمع القطيفي والأحسائي، كبعض ما يسمى بالوجهاء و الاقطاعيين (حسب وصفه)؛ قد لعب دورا في تخدير وإخماد أي حركة مناوئة للنظام، لكنه يؤكد أن عدد الثابتين في مقارعة آل سعود ليسوا قلة، وأن الشباب الواعي يذهب لأبعد مما تراه النخب، حيث يصف الحالة النخبوية بأنها “بيد المتسلقين من الإقطاعيين الذين يسعون فقط إلى كسب ود السلطة بغض النظر عن أي ضرر وبين الوجهاء الجدد الذين وقعوا فيما كانوا ينتقدونه يوما ماً”.
في الجزء الأول من المقابلة، يبين لنا هاني العبندي سيرورة القطيف والأحساء من زاويته، وهذا نص المقابلة:
* في البداية، نود الإطلالة على الخارطة السياسية في القطيف والأحساء، كيف يمكن أن تتحدث من وجهة نظرك عن التقسيمات والجماعات المختلفة هناك؟
– فيما يخص الحديث عن الخريطة السياسية في القطيف والأحساء، ينبغي القول إن للشيعة دورا سباقا في تشكيل وفي الانخراط ضمن التنظميات والحركات السياسية السرية، بما في ذلك الدينية والسياسية، وأيضا البعثية والشيوعية والناصرية، وذلك لوجود بيئة سياسية مُحفزة على تشكلها، إلا أن المشهد المعاصر لا يبدو بهذه الصورة، وذلك يعود إلى طبيعة التغييرات الاجتماعية والسياسية المحلية والإقليمية والدولية، هذا إذا ما أضفنا إلى أن الساحة الاجتماعية خلال هذه الفترة الزمنية تحتوي على عناصر مُحفزة على تشكيل أصوات معارضة تنادي بتحقيق مطالب مُتعددة، بدءا من تحسين الخدمات العامة المتردية بسبب الفساد المالي، إلى حق المُشاركة السياسية وتشكيل نظام حكم مُغاير عما هو عليه اليوم، وكذلك ارتفاع مستوى القمع الأمني الذي هو جزء من الطبيعة الوحشية في العائلة الحاكمة “آل سعود”، يُضاف إلى ذلك التقدم العلمي الذي أفرز تقدّما تقنيا في مجال الإتصال والإعلام الذي أفرد منبرا حرا بعيداً عن سيطرة النظام على وسائل إعلامه وصحافته، وضعف تأثير الخطاب الديني بعد ما كان مسيطراً عبر المنبر.
الشيخ حسن الصفار: تبدّل المواقف
* في الأحداث التاريخية والشخصيات اللافتة لهذه الخريطة، ما الذي يمكن أن نتوقف عنده على وجه الخصوص؟
– جزء من تلك الأصوات التي أشرت إليها كانت صاحبة تجربة سياسية منذ مطلع السبعينات، والتي تشكلت ملامحها بشكل جلي إبان الإنتفاضة الأولى في 25 نوفمبر 1979 وذلك أثناء إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام التي يحيها الشيعة في كل عام. ومن أبرز تلك الأصوات السياسية في تلك الحقبة الزمنية؛ كان الشيخ حسن موسى الصفار، الذي برز عبر خطابه الديني الثوري، وكتاباته التي كانت تنتقد دموية النظام السعودي واستخدامه للأسلحة النارية والطائرات المروحية التي مزقت مثلاً أحشاء الشهيدة فاطمة الغريب من أهالي صفوى حينما كانت بالقرب من أحد نوافد منزلها، وكان أطفالها يُحيطون بها من كل جانب في مشهد تعجز عن وصفه من شدة وقعه على صغارها، كما ينقل المُقربون من عائلة الشهيدة. إلا أن الشيخ الصفار لم يستمر على ذات المسار، بل يمكن القول أن تبدُّل المواقف بين فترة زمنية وأخرى تكاد تكون صفة تلازمه، فخطابه الديني خلال بداية الإنتفاضة الثانية 2011 يختلف عن ما هو عليه الآن كلياً، ولا أقصد هنا صمته عن جرائم النظام، بل عن الإنتقال من موقف إلى موقف آخر متناقض، ولعل هذا ما يُفسر ممارسة “الاستفزاز الأمني” للشيخ الصفار من قبل بعض أفراد الجيش الإلكتروني عبر الشبكة الاجتماعية ” تويتر” وذلك بين فترة وأخرى، نظراً لعدم الرضا الكامل عن مواقفه.
الوجهاء الجدد: مناوأة المعارضة
* برأيك، كيف كان تأثير أو دور طبقة الوجهاء أو النخب الاجتماعية والإقطاعية في مسار الأحداث في المنطقة الشرقية؟ ولاسيما وأن هناك تاريخيا ذلك التعاطي المتبادل بين هذه الطبقة والتركيبة الحاكمة في السعودية؟
– دعني هنا أضع للسادة القراء جانبا من التقسيمات الاجتماعية في القطيف والأحساء، وخصوصا بالنسبة للوجهاء والإقطاعيين، فقد لعب كل منهما دورا في تخدير وإخماد أية حركة مناوئة للنظام. يُنقل تاريخياً أن الشيخ موسى بو خمسين – الذي يُعد مجتهداً – ومع عدد من الوجهاء كانوا قد ساهموا في منع مقاومة جنود “آل سعود”، مما دفع النظام حينها في عقد اتفاق معهم ينص على “ضمان حق ممارسة الحرية الدينية والمحافظة على الأمن والعدل، مقابل الولاء له”.
أما في القطيف فبعد إرسال عبد الرحمن سويلم (المتحدث الرسمي باسم آل سعود) إلى القطيف للتفاوض على دخولها سلماً؛ كان الأمر مُختلفاً كلياً، حيث كان الإنقسام في الرأي السياسي بارزاً بين الدعوة إلى المقاومة والتسليم حقناً للدماء، حتى حسم الأمر الشيخ علي عبد الكريم الخنيزي، مما أدى إلى استكمال الاحتلال في 15 مايو 1913 .
وفي وقتنا الحالي؛ أصبح لدينا وجهاء جُدد بعد أن كانوا معارضين سياسين بارزين. حينما نُراجع الخطاب الثقافي أو الديني للمعارضين القدامى سوف نجد مساحة من التشابه لخطاب الوجهاء القُدامى، حيث كانوا يُعارضون أي حركة معارضة سياسية تحررية، ويصبغون على أي شخص تهما مثل التهور والجهل وإلقاء النفس في التهلكة، بل والوقوف مع النظام ضدهم. وهذا ما يفعله تماماً المعارضين القدامى، ليتحولوا إلى وجهاء جدد كما أسماهم الدكتور حمزة الحسن في كتابه “الوجهاء الجدد” . ومن خلال متابعة المواقع الأخبارية القطيفية، مثلا، يمكن من خلالها معرفة التقسيمات السياسية الاجتماعية هناك، فنجد موقع “راصد” الأخباري السابق؛ هو الموقع الأول الذي أحدث تموجات كبيرة اجتماعية وسياسية وإعلامية كبيرة في حينها، ولم تكن الأسماء التي تقف خلفه معروفة، إلا أن السياسية التحريرية كانت كفيلة في تعرية أصحاب التوجه حتى آخر يوم من التوقف عن التحرير والنشر، لتحل محلها شبكة “جهينة” الأخبارية، وتحمل ذات المنهج التحريري، إلا أنها بصفة رسمية وأسماء مُعلنة. هذا التشابه بين الموقعين الإلكترونيينلم يأت من فراغ، بل هو تعبير عن ولادة الوجهاء الجدد. وفي الطرف الآخر؛ موقع شبكة القطيف الأخبارية التي تُمثل الإقطاعيين، والتي طالما ما تروج إلى مشاريع ولي العهد محمد بن سلمان.
* في هذا السياق، أين هم المعارضون أو أصحاب التوجهات المختلفة؟
– المؤسف أن أغلب الجماعات السياسية المُعارضة – على اختلاف توجهاتها ومعتقداتها الفكرية – من كُتاب ونشطاء وحقوقيين؛ يقبعون في سجون النظام، والبعض الآخر توارى عن الأنظار حتى يضمن استمرار العمل ضمن الظروف المرحلة الحالية، بينما تمكّن البعض الآخر من الخروج من البلاد بسلام بعد معاناة من المطاردة أو بعد تاريخ طويل من الاعتقالات، كما هو الحال مع علي الدبيسي، الذي تعرض للاعتقال المتكرر والتعذيب الممنهج والذي يرأس حاليا “المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان” والمقيم في ألمانيا، وكذلك المحامي طه الحاجي الذي نجى من الاعتقال بعد استدعاء أمني للمثول في أحد مراكز الشرطة في الأحساء ليستقر به الحال في ألمانيا. إن الساحة الاجتماعية في القطيف والأحساء اليوم هي بيد المتسلقين من الاقطاعيين الذين يسعون فقط إلى كسب ود السلطة، بغض النظر عن أي ضرر وبين الوجهاء الجدد الذين وقعوا فيما كانوا ينتقدونه يوما ماً.
* ما المنطق أو الذريعة التي يستند عليها بعض علماء الدين في المنطقة الشرقية لاختيار أسلوب المهادنة؟
– في البدء لابد من التأكيد على أن هناك عددا ليس بالقليل من رجال الدين الثابتين على المبادئ والقيم، بعضهم في سجون النظام مثل الشيخ محمد الحبيب، والشيخ جعفر آل صويلح، والشيخ حسين الراضي، والقائمة تطول. بعضهم صدر بحقه أحكام بالسجن لسنوات ِطوال، والبعض الآخر حُكم عليه بالإعدام، وبسبب القمع المتصاعد – لاسيما مع وصول محمد بن سلمان لمنصب ولاية العهد – أصبح الصمت من قبل رجال الدين المعارضين للنظام هو سيد الموقف، إلا أن فئة منهم وعبر خطاب ديني تبريري هزيل ينظرون إلى المهادنة على أنها أفضل الحلول، بينما يستمر النظام في التنكيل بأهل القطيف والأحساء.
العوامية: هدوء.. ومداهمات
* برزت بلدة العوامية في القطيف بشكل أساسي في مختلف المراحل. وكان استهدافها العسكري في وقت سابق من العام الجاري أمرا مروعا. كيف هو حال العوامية هذه الأيام؟ وما الوضع الإنساني فيها من حيث الأمن والاقتصاد؟
ـ لم تعد بلدة العوامية كما في سابق عهدها منذ اعتقال الشيخ نمر النمر، الذي نُفّذ فيه حكم الإعدام ظلماً ليرتقي شهيداً، وهو الذي طالما تمنى الشهادة، إلا أن الوضع الإنساني ازداد سوءا بشكل تدريجي، لاسيما خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث كانت السلطات تداهم أهالي البلدة، وذنبهم الوحيد أن أبناءهم رفعوا الصوت عالياً بالقول “لا للظلم”، ليكون مصير المئات من الشباب تحت الاستهداف الأمني الممنهج من الاعتقال، والتعذيب، وإدارجهم في قوائم وزارة الداخلية، والتحريض الإعلامي، وصولا إلى الإغتيالات في الشوارع كما حصل للشهيد مرسي الربح حينما باغتته فرقة مدنية مسلحة في يونيو 2013، وكذلك القتل المتعمد داخل المنازل كما حصل للشهيد علي أحمد الفرج الذي استشهد في فبراير 2014، والقتل في طريق المزارع، حيث توجهت مجموعة عسكرية بعتادها الكامل إلى منطقة الرامس من أجل مداهمة مرزعة، إلا أنه تم اغتيال مقداد محمد النمر ومحمد طاهر النمر أثناء تواجدهما في الطريق.
وفيما يخص الوضع الأمني والاقتصادي؛ فلا يزال كما هو عليه، حيث تم تخريب وتعطيل الحياة الاقتصادية ما يقارب 3 أشهر، إضافة إلى استهداف العشرات من المنشآت التجارية الأهلية، مما تكبد أصاحبها خسائر مادية ضخمة، إضافة إلى استهداف السيارات والمنازل، والأمر يتعدى تحويل بلدة العوامية إلى ساحة حرب في فترة سابقة، عبر استخدام العديد من الأسلحة بحجة محاربة ” الإرهاب”، فالسلطة قتلت الكثيرين، رغم أنهم كانوا خارج محيط حي المسورة التاريخي الذي كان هدفا معلنا للعملية العسكرية التي نُفذت ضد العوامية في مايو 2017، مما يؤكد بطلان ما تدعيه وزارة الداخلية وأنه كذب محض. نعم الوضع الآن أكثر هدوءا، ولكن لا يوجد أمان، وذلك بسبب استمرار مسلسل مداهمات منازل عوائل الشهداء والمطاردين وسرقة الأموال وتخريب محتويات المنازل بشكل ممنهج، ويكاد لا يخلو منزل في العوامية من التخريب وسرقة الأموال والمقتنيات الثمنية.