ناصر حمد.. محارب بعقل دجاجة
البحرين اليوم – (خاص)
قد لا يخطيء المرء حين القول إن الخلفية التي تخفيها الصورة الإعلامية لناصر حمد الخليفة، نجل الحاكم الخليفي في البحرين؛ هي ذاتها المجاز الذي يتحدث عن “عقل الدجاجة” التي تقاتل بسبب كلّ شيء، وتثير الزوابع، والأتربة، وتبعثر كلّ الأشياء، ومن أجل لا شيء.
مجاز “عقل الدجاجة” يُستعمل للإشارة إلى السلوك العبثي التي تقوم بها الدجاجة أثناء تقلبيها للأرض وللغداء المقدَّم لها، ويشير بالأخص إلى خاصية تفكير الدجاج عموما، وهي: الإقتتال على كل شيء من أجل لا شيء. هذا التفكير الطفولي يصبح تفكيرا انتحاريا عندما ينتقل إلى عقول أشخاص يُفترض بهم إدارة “الدولة” وحماية شؤونها. كم سيكون حجم الكارثة إذا أُنيطت إدارة الدول لأشخاص لا يتجاوز تفكيرهم تفكير الدجاجة أساسا؟ وما الثقافة التي سوف يسعون لنشرها وترسيخها تحت عنوان “هوية الدولة” التي يستولون قهرا على إداراتها؟
نصور المعجزة
في بدايات أمره ظهر ناصر حمد على أنها الشخص الأقوى دائما، وهو بطل كلّ القصص والحكايات التي يشارك فيها، أيا كان مستواه الفعلي. وهو شعور يستمدُّه من مكانة وضع عائلته السياسي التي تعتقد أنها العائلة الأقوى دائما. ظهر ناصر على أنه “شاعر” نبطي “ملهم ومتفوق” على شعراء عصره النبطيين، علما بأن الشعر النبطي لا سوق حقيقية له في البحرين لكونه يعبر عن ثقافة خاصة، وهي أقرب إلى الثقافة البدوية التي لا ينتمي إليها أغلبية شعب البحرين. ومع ذلك؛ سعى ناصر كثيرا لأن يكون هو “الشاعر الأول” في مجاله، ودعا نفسَه إلى أمسيات شعرية متعددة من أجل الترويج لبضاعته على أنها “ثقافة وطنية” من جهة، وبأنه المتفوق الأوحد فيها، من جهة أخرى. من ذلك مثلا أمسية “شعراء المليون” في جامعة البحرين في عامي ٢٠٠٧ و٢٠٠٨م.
في العام ٢٠٠٦م، تخرّج ناصر من أكاديمية ” ساندرهيرست العسكرية الملكية” في بريطانيا، وهي أكاديمية مخصّصة لتخريج الضباط من العوائل العسكرية والعوائل الحاكمة. رغم ذلك، فـ”معجزة” ناصر حمد لا تُقاس بالرُّتب العسكرية المعترَف بها أكاديميا وعسكريا، إذ كانت خمس سنوات كافية لأن يرتقي في العام ٢٠١١م إلى درجة عقيد، وأن يتم تعينه قائدا للحرس الملكي. بعدها بفترة وجيزة؛ نال ناصر ترقية أخرى من والده، فأصبح عميدا، وذلك بعد أن حضر “حفل استعراض” بإحدى صحارى اليمن المقفرة، ضمن حرب اليمن التي تشنها السعودية على تلك البلاد. والأرجح أن ناصر استغلّ علاقته بحاكم أبوظبي، محمد بن زايد، في الاستفادة من خدمات شركة “بلاك واتر” التي تم طردها من بغداد، وانتقلت ملكيتها إلى ابن زايد في العاصمة الإماراتية.
في الوقت نفسه، سوقت ماكينة الإعلام الرسمي – وبإهدار فاضح لميزانية الدولة – لناصر حمد على أنه “المثل الأعلى والقدوة للشباب” في البحرين، واستغل ترأسه لهيئة الشباب والرياضة وبعض الاتحادات الرياضية؛ لكي يظهر باعتباره رياضيا وفارسا يماثل في فروسيته فروسية عنترة أو أمروء القيس. نحن نتحدث، هنا، عن البطل “دائما”، وصاحب المركز الأول في سباق الدراجات، وسباقات الخيول، وفي سباقات الترايثلون، وفي سباق التحمل في مهرجان ويندسور الملكي، وفي الشعر، وفي العسكرية والإستراتيجيا العسكرية، وفي كل مجال يخطر على بال أحد، أو لا يخطر على البال أيضا! المؤسف، بالفعل، أن لكل سباق من هذه السباقات يتم تخصص ميزانية تتراوح بين ١١.٥ مليون جنيه استرليني(حوالي ١٦.٦ مليون دولار)، و١٣،٧ مليون جنيه استرليني (حوالي ١٩.٢ مليون دولار).
ولكن، الملايين التي صُرفت من خزينة الدولة لم تسعفه كثيرا، بل ارتدت آثارها في الاتجاه المعاكس، وصار شائعا بين المواطنين إطلاق لقب “المعجزة” على ناصر من باب السخرية، لأنه من غير المعقول أن يكون لدى شخص واحد كل هذه المهارات، وأن يكون محتكرا للقدرة التي تجعله دائما في المركز الأول، وبشكل لم يحدث في مسار التاريخ البشري، إلا أن يكون “معجزة إلهية”. والمثير للسخرية بالفعل هنا؛ أن هذا اللقب الذي صدر تعبيرا عن الاستهزاء من من أدائه المتواضع؛ تبناه ناصر ووضعه ليكون لقبا رسميا له في صفحة الإنستغرام الرسمية الخاصة به. وكتب يقول عن نفسه إن “المعجزة” لقب لم اختاره لنفسي بل الناس اختارته لي واعترف به رسمياً”. وفي حسابه على تطبيق إنستغرام أضاف في خانة التعريف “الله يقدرني على أن أبذل حياتي وجهدي لعبادته ثم لخدمتكم وأن أحول المستحيل للممكن”، وذلك في واحد من “أبجح” مظاهر السخرية التي يمكن تخيّلها بالنسبة لـ”أمير مراهق”، ارتبط اسمه بالتعذيب، والفساد المالي.
في كل هذه “السيرة” السريعة، نجد صعودا مصحوباً بالبعثرة والغبار والصراع “على كل شيء”، ولكن لا نتيجة وازنة يحصل عليها هذا الصبي سوى مزيد من السخرية وأطنان من الاستهزاء العابر للحدود. إنها سيرة المحارب بعقل الدجاجة!