في غرفة نوم “الملك”: شياطين الرياض.. وكوابيس دبي
البحرين اليوم – (خاص)
يستطيع ملك البحرين أن يحقق ما يريده إذا ما أراد أن يصرف من ثروته الشخصية الهائلة والتي تتجاوز ٤٠ مليار، كما بمقدوره أن يبني له قصرا جديدا أكبر وأكثر فخامة من قصره الحالي “الصافرية”، الذي بناه له حاكم الإمارات السابق زايد بن نهيان. بين الرياض ودبي؛ تتوزع غرفة نوم الملك حمد عيسى حيث يفقد قوته وتُسلب منه أحلامه. خطوات حمد عيسى في إظهار نفسه قويا تبدو أنها تتلاشى، وأن الجميع بات يعرف أنه مسلوب الإرادة والقدرة على حل مشكلته مع شعب البحرين. فكلما حاول تسويق نفسه كفرد مستقل؛ جاءته تعليمات الرياض وتعليمات أبو ظبي لأنْ يرقص على إيقاع طبولهم.
عمل حمد عيسى منذ توليه السلطة عقب وفاة والده في ١٩٩٩ على أن يظهر نفسه ملكا قويا ومصلحا ديمقراطيا، وبالفعل استطاع أن يقنع الكثيرين أن لديه مشروعا إصلاحيا ديمقراطيا، وأنه سيعمل على جعل البحرين ذات سيادة وطنية ديمقراطية.
خدعة الإصلاح لم تستمر طويلا مع الملك الشاب وقتها، إذ سرعان ما حوّل مسار الإصلاح السياسي المقترح والمتوافق عليه إلى حزمة من المشاريع الوهمية، وعمل بكل جهد على ترسيخ مظاهر السلطوية التنافسية التي تتيح له أن يتحكم في كل مفاصل الدولة وأجهزتها، ولكن بقناع انتخابي ومؤسسات تفتقر للمضمون الديمقراطي.
في بداية الانقلاب الدستوري سنة ٢٠٠٢ اتجهت التفسيرات إلى نظرية “الحرس القديم والحرس الجديد”، لتخفيف وطأة الإنقلاب السياسي الذي صنعت مشاهده المسرحية في الديوان الملكي، وحينما استنفذت هذه النظرية وهجها برزت نظرية أخرى تقوم على ربط معضلة الإصلاح السياسي بما عُرف بجناح الخوالد الرافض للانفتاح السياسي، وتحديدا الانفتاح على الطائفة الشيعية وتمكينها سياسيا. وقتها، سُرِّب “تقرير البندر” كإشارة قوية لنفوذ هذا الجناح في نظام الحكم، وأنه الأقوى حاليا وفي المستقبل.
وسط هذا الجدال، لم تخلُ غرفة نوم الملك من كوابيس دبي وشياطين الرياض، فكلا الدولتين تسعيان لفرض هيمنتها السياسية على دول الإقليم وعلى الدول الصغيرة فيه. فالرياض تحاول ذلك عبر نموذج الحكم العسكري والاستبداد السياسي الجلي، والإمارات تحاول فرض نموذجها الاقتصادي والسيطرة اقتصاديا على شرايين المنطقة المالية.
إذن، لم يكن هناك حرس قديم وآخر جديد، ولم يكن هناك أجنحة متصارعة بين أقطاب الحكم في البحرين، بقدر ما كان المشهد السياسي والاجتماعي في البحرين يُدار من قصور الرياض ويخوت أبوظبي الفاخرة.
الهيمنة السعودية على البحرين لم تنقطع، لكنها كانت في السابق أقل وطأة مما عليه الآن، فمنذ تفجر الأوضاع في ٢٠١١ سلّم حمد عيسى مفاتيح السيادة الوطنية وفقاً لما تقرّره الرياض، ولم يعد باستطاعته أن يخرج عن مسار الرغبة السعودية وتوجهاتها. بدورها، وجدت الرياض في شخصية حمد عيسى بوابة جيدة لتفريغ كل شحناتها الغاضبة تجاه شئون المنطقة، سواء كانت في العراق أو سوريا أو ايران، وكان على النظام في البحرين أن يقوم بالرقص على كل إيقاع طبلة سعودية.
شياطين الرياض التي لم تفارق خطوات “الملك”، تمدّد حضورها إلى أن وصلت إلى غرفة نومه الخاصة. فبعد أشهر من دخول القوات السعودية البحرين في أبريل ٢٠١١؛ قام الملك بتزويج نجله الخامس (خالد حمد مواليد ١٩٨٩) من الأميرة سحاب ابنة الملك السعودي السابق عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود. وعُرف وقتها أن هذا الزواج هو زواج سياسي يكشف عن تبعية الصافرية للرياض. هذا الزواج لم يستمر طويلا، فبعد موت الملك عبدالله في ٢٠١٥ وتغيُّر معالم الخريطة السياسية السعودية وتصفية تركة الملك عبدالله لصالح الملك سلمان بن عبدالعزيز ونجله محمد بن سلمان؛ تسربت أخبار عن انتهاء هذا الزواج، وتم الإعلان عن زواج خالد حمد بابنة عمه محمد عيسى سلمان الخليفة في ٧ يوليو من عام ٢٠١٧ كزوجة ثانية. كان مقدَّرا لهذا الزواج السياسي أن يفشل لا بسبب غرابة أطوار خالد وطباعه الناتجة عن “التعاطي” فحسب، بل لأن الهيمنة السعودية لا تستقيم مع بقاء صلة القرابة مع منْ يعتبرهم ولي العهد السعودي خصماءه حتى وإنْ كانوا من أقربائه.
العلاقة نفسها كانت قد نُسجت أيضا في زواج ناصر حمد، الابن المدلل للملك من ابنة حاكم إمارة دبي راشد بن مكتوم في ٢٠٠٩. إذ بعد أقل من سنة على هذا الزواج؛ تعرضت دبي لأكبر انتكاسة اقتصادية لها منذ صعودها الاقتصادي مطلع ثمانينات القرن الماضي، وكادت هذه الأزمة أن تطيح بكل ناطحات السحاب والمدينة الرقمية، لولا تدخُّل إمارة أبوظبي لحلّ أزمة الديوان، وقتها برز محمد بن زايد كمخلص حقيقي بفعل ثروته الهائلة، وفَرضَ نفسه “الرجل الأول” في الإمارات. قبلها كانت الأنظار تتجه لحاكم دبي ليكون حاكما للإمارات، ولا يعلم أحد إلى أين سيصل هذا الزواج الاقتصادي، خصوصا في ظل تسريب أخبار عن وجود أزمة صامتة بين إمارة أبو ظبي التي يحكمها محمد بن زايد وإمارة دبي التي يحكمها محمد بن راشد آل مكتوم، بسبب محاولة فرض “ابن زايد” سلطته المطلقة على دبي، الأمر الذي أدى إلى هروب العديد من المستثمرين.