عسيري والشمطاء: هل لازال “القاتل المارق” فخر العرب؟
البحرين اليوم – (خاص)
لأكثر من سبب، لابد من العروج إلى سوسن الشاعر – المستشارة الشمطاء في وزارة الإعلام بالبحرين – ونحن نقف أمام هيبة الموت الذي أُعلن رسميا فجر السبت (20 أكتوبر 2018م) بحق الصحافي جمال خاشقجي.
في الأسبوع الأول من حادثة خاشقجي، سارعت الشاعر – التي وصلت إلى أوج مرحلتها في إفراز نهاياتها المرتقبة – إلى التحريض على الحقوقيين المعتقلين عبدالهادي الخواجة ونبيل رجب، وقالت بأنهما يمثلان نسخة لملف خاشقجي. وفي حين رأى المعارض البارز سعيد الشهابي بأن هذه المقاربة كانت “تهديدا” للنشطاء بأنه يكون مصيرهم مشابها لمصير “خاشقجي”، فإن هناك من رأى أن كلام الشاعر ينبع – بالدرجة الأولى – من الإنفلات الهابط الذي وصلت إليه جموع البلطجية الموالين للخليفيين والسعوديين، وهي جموع – يا سبحان الله – تضم أصنافا وخليطا من الكتّاب والإعلاميين والشعراء والجهلة والأمميين والقتلة الميدانيين.
إلا أنّ استرجاع الشاعر واستذكارها في قضية خاشقجي سيكون له طعمه الخاص، وذلك بعد إعلان آل سعود الإقرار بوقوع الجريمة، وبعد إنكار مستميت ومليء بالصفاقة. هذا الإقرار “غير المكتمل” ترافق مع أوامر ملكية صدرت فجر السبت – كعادة الأوامر الملكية – قضت بإقالة قيادات عسكرية وأمنية كبرى في السعودية، وبينها نائب رئيس الاستخبارات السعودي، أحمد عسيري. وهي إقالة حرّكت ذاكرة النشطاء البحرانيين على وجه، وفي أكثر من اتجاه.
من جهة من الجهات، اعتبر نشطاء إقالة عسيري “شهادة” لصالح نشطاء بريطانيين وبحرانيين لاحقوه في لندن العام الماضي، ورموه بالبيض الفاسد، احتجاجاً على الحرب السعودية على اليمن، حيث كان عسيري حينها الناطق باسم التحالف السعودي ضد اليمن. أثناء الاحتجاج الذي شكّل علامة إضافية فارقة في الاحتجاج الذي يقوده ويشارك فيه النشطاء البحرانيون؛ وجّه عسيري علامة “قبيحة” بإصبعه إلى النشطاء، في تعبير أثار اشمئزاز الكثيرين.
لم يكن عسيرا تقديم تفسير كامل لإصبع عسيري الوقحة، حيث كان محاصرا بوصفه “مجرم حرب” من قبل النشطاء، ولأنه في خارج “ساحته”، فقد لجأ إلى ما تيسّر له لمواجهة النشطاء، فلوّح بإصبعه الوضيعة. إلا أن سوسن الشاعر، وانسجاماً مع هذه الوضاعة، وجدت في عسيري شيئاً آخر.
ضمن الحملة الرسمية التي شُنت آنذاك على النشطاء البحرانيين بسبب ملاحقتهم لعسيري – حيث وصفهم النظام الخليفي بسبب هذا الاحتجاج بـ”الإرهاب” – نشرت الشاعر شريط فيديو مجّدت فيه عسيري، وعبرت عن التضامن معه، وقالت بأنه يمثل “مجد العرب وعزّها”، في حين وجهت إلى النشطاء كلاماً يشبه المعاني الساقطة التي تقاطرت من إصبع عسيري.
من اليسير للشاعر اليوم أن تتجاوز هذه الورطة وبعد أن قدّم آل سعود عسيري “كبش فداء”. فكما هو حال كل الطبالة والذباب الإلكترونية وبلطجية الشوارع والمرتزقة.. فإنه من السّهل أن تُقلب صفحة، وتُفتح صفحة جديدة، بأمر “ولي النعمة”، وكأن شيئا لم يكن.
حين مجّدت الشاعر بعسيري، كان الأخير معنياً مباشرة بالحرب الأبشع التي تقودها السعودية، في اليمن. وهي لم تجد في هذه الحرب (الجريمة الأكبر في العالم منذ عقود) غير أنها “بطولة” تبعث على “الفخر”. وستظل الشاعر، من غير شك، تحمل هذه المشاعر وحتى بعد أن أُطيح بعسيري في ملف جريمة مقتل خاشقجي، وهي ستواصل الشعور بفائض الاعتزاز بالقتلة، لأن هذه المشاعر لا ترتبط بشخص عسيري، لتزول بزواله، بل هي مشاعر تمجيد مرتبطة بالقتلة الآباء، أو القتلة المؤسسين. هؤلاء حينما يرحلون سترحل معهم مشاعر الشاعر بلا عودة، إلا أن الأرجح أن رحيل الشاعر – على طريقة عسيري أو أسوأ ربما – ستكون أسرع من رحيل القتلة المارقين؟