سفير عمارة يعقوبيان: لماذا سحب فواز بيان السفارة الخليفية في لندن؟
البحرين اليوم – (خاص)
عشية إعلان المحكمة الجنائية الكبرى الخليفية في البحرين عن الحكم على الرمز الحقوقي نبيل رجب بالسجن خمس سنوات، على خلفية تغريدات كتبها رفض فيها إعلان السعودية شنّ حربها القذرة على اليمن؛ أصدرت سفارة النظام الخليفي في لندن بيانا سرعان ما هرعت إلى سحبه من موقع السفارة، وحُذف البيان من حساب (تويتر) الخاص بالسفارة وأعضائها. فهل كان البيان الذي كُتب قبل نشره بعدة أيام، مخجلا وفضيحة غفل عنها الراعي الرسمي لموقع السفارة؟ أم أن البيان كان غلطة إضافية لسلوك طالما رافق تحركات السفير فواز الخليفة، ليكون نقطة سوداء أخرى تُضاف إلى سجله المفعم بالإخفاق؟
هذه الحادثة وحوادث أخرى ومواقف مخجلة صدرت عن سفارة النظام الخليفي وعن سفيره فواز الخليفية؛ تعيدنا برهة من الزمن لإعادة قراءة رواية علاء الأسوني “عمارة يعقوبيان”. تقع متعة الرواية في كشفها العلني عن الطبقات النفسية لفئات متعددة من المجتمع، والجامع في أغلب شخصيات الرواية هو النزعة الانتهازية والتسلق الكاذب، والعالم السري القذر الذي تعيشه تلك الشخصيات، وهي شخصيات نافذة ومؤثرة سياسيا واجتماعيا. الرواية وإنْ اختارت سير سردها عمارة مبنية، لكنها تعكس الدولة والمجتمع أيضا.
برؤية إسقاطية، يمكن هنا اعتبار العمارة تعبيرا رمزيا عن الدولة العربية الفاشلة، وبالتالي فإن سفراء الدول العربية يراعون في عملها فعل التغطية للجرائم والانتهازية التي عليها حكام تلك الدول. ليس هذا وحسب، بل إن دور السفراء يتجاوز فعل التغطية ليصل لمرحلة التحريف والدجل أيضا، ودعوة الآخرين للانخراط في الانحرافات التي تراعها دولهم كما هو حال الشاذ جنسيا، والذي يسعى لغواية الآخرين ودفعهم للشذوذ أيضا.
بدون مقدمات، كان البيان المسحوب بيانا منزوع الدسم، ولم يكن بيانا سياسيا مطلقا، بل كان بيانا أمنيا لا يختلف في لهجته وكلماته عن بيانات وزارة الداخلية والنيابة العامة الخليفية في البحرين، والقارئ للبيان المسحوب يفطن بسهولة أنه تلخيص مبستر للائحة الدعوى التي قدمتها النيابة العامة في محكمة نبيل رجب.
يقول البيان: “إن البحرين لا تسجن الناس بسبب آرائهم السياسية، وأنه بإمكان أي شخص أن يمارس حقه في الرأي ونشره وفقا للقانون (…) وأن نبيل رجب خالف القانون بنشره أخبارا غير صادقة”، وغيرها من التهم التي ساقتها النيابة العامة، ثم يضيف البيان بأن رجب “حصل على كافة ضمانات المحاكمة العادلة ومن ضمنها حق الاسئنتاف”. أما تهمة نشر الأخبار الكاذبة؛ فهي أسخف ما يمكن قوله، فتغريدات نبيل رجب حول حرب اليمن كانت عبارة عن إعلان موقف حقوقي وإنساني، واستباقا لكل الجرائم التي ارتكبتها السعودية وحلفاؤها في حربهم ضد اليمن. ولكن لنمضي سريعا على سيرة السفير الخليفي واختلاقه للأخبار الكاذبة لكي يقنع نفسه بالقانون الذي يدافع عنه، ويدعو الآخرين لقبوله كما هي تفاصيل راوي عمارة يعقوبيان.
في حادثة مشابهة أوقع فواز نفسه في الخراب عندما نشر إعلانا مجانيا عن نشاط سفارته في لندن، وعرض فيه إنجازاته التي كان من ضمنها كذبه على منظمة العفو الدولية، وأنه عقد معهم اتفاقا بعدم نشر المنظمة أي تقارير عن البحرين قبل فبراير ٢٠١٧. كذبة فواز لم تبرح صحيفة (الوطن) المحلية، التي نشرتها يومها، حيث أصدرت منظمة العفو الدولية بيانا خاصا ردت فيه على ما ورد على لسان فواز، وبيّنت كذبه وأنه يختلق الأخبار. فهل تقدم النيابةُ السفير فواز للمحاكمة بتهمة اختلاق أخبار كاذبة؟ وهل يليق بسفير دولة تحترم نفسها أن يكذب على أكبر منظمة حقوقية في العالم، ويتقول عليها ما لم تقله؟
لن نتوقف كثيرا حول تلك التفاصيل، ولكن لنقف قليلا مع جملة: “له حق الاستئناف”، وهي العبارة نفسها التي استخدمها سفير المملكة المتحدة للشرق الأوسط البيرت، وكأن هناك توافقا بين الاثنين في محاولة خداع الرأي العام، ومطالبات المجتمع الدولي واعتماده محكمة نبيل رجب دليل إدانة على خرق حكومة النظام الخليفي في البحرين كلّ منظومة حقوق الإنسان، وبالأخص مجال الحريات العامة.
لقد حاول البيان الصادر من سفارة النظام أن يغوي بيانات المنظمات الدولية والتغطيات الصحيفة الهائلة لمحكمة نبيل رجب، والتي تدل على جهود سابقة قام بها الفريق المدافع عن نبيل رجب، ولم يكن السفير مطلعا تماما على حدود ردة الفعل، ولم يتوقعها، لذلك تمت كتابة البيان الأمني مسبقا لكي يُحدث مغالطة وتغطية على الأفعال القضائية الشاذة، لكنه فوجئ بأنه لم يُحسن التصرف، وأن بيان عمارته يُعتبر فضحية بامتياز، فسارع إلى سحبه والتبرؤ من بيانه الذي لا يقل شذوذا عن شذوذ الحكم وقضائه.
المفاجأة التي لم يتوقعها السفير وزعماؤه في البحرين أن نبيل رجب رفض حكم المحكمة، وعبر على لسان محاميه بأنه لا يرغب في استئناف الحكم الصادر ضده، وهذا بحد ذاته مثّل نكسة أخرى وضربة أفقدت النظام القضائي تماسكه، فما بُني على باطل يبقي باطلا، وأن أساس المحكمة باطل، لأنه يحاكم الرأي والمواقف الحقوقية الإنسانية. ومن جهة أخرى، فالمحكمة مبنية على كيد سياسي لا ينفع معها العمل القانوني، بل تحتاج إلى ردة فعل سياسية أيضا، وهذا ما فعله نبيل رجب في رفضه لفكرة استئناف الحكم.