رويترز: مساحة المناورة محدودة أمام البحرين في مسعى الإصلاح الاقتصادي
البحرین الیوم – وکالات
في بداية كل عطلة أسبوعية في البحرين تزدحم شوارع العاصمة بالسيارات السعودية والكويتية وتمتليء ردهات الفنادق بالزائرين الباحثين عن الحانات والمطاعم وغيرها من وسائل الترفيه الليلية.
ويعني تطبيق ضريبة مبيعات جديدة هذا العام أن الحكومة ستحقق دخلا من بيع كل كأس نبيذ أو تدخين أرجيلة لكن هذا لا يكفي لسد عجز هائل في مالية المملكة وتحقيق الاستغناء عن جارتيها الأكثر ثراء.
في العام الماضي هبت السعودية مع الكويت والإمارات لنجدة البحرين عندما أدى طول فترة انخفاض أسعار النفط إلى ارتفاع الدين العام إلى ما يقرب من 93 في المئة من الناتج الاقتصادي السنوي.
وعمل تعهد الدول الثلاث بتقديم عشرة مليارات دولار وكذلك ضم البحرين إلى مؤشرات جيه.بي مورجان للأسواق الناشئة على تحويل السندات البحرينية من رهان خاسر إلى أداة استثمار يقبل عليها المستثمرون.
وارتفع سعر سندات البحرين التي تستحق في عام 2028 بمقدار الثلث من أدنى مستوياته على الإطلاق في يونيو حزيران الماضي عندما بدا أن البلاد توشك على العجز عن سداد التزاماتها.
غير أن هذا المنحى الصعودي قد يرتد إلى الاتجاه العكسي إذا لم تعالج المنامة تجاوزات الإنفاق.
ومع بلوغ العجز الإجمالي في العام الماضي ما يعادل 11.7 في المئة من الناتج الاقتصادي السنوي، وفق تقدير لصندوق النقد الدولي، ستحتاج البحرين لتطبيق سلسلة من الضرائب الجديدة وتخفيضات الإنفاق للقضاء على عجز الموازنة بحلول عام 2022 وهو الهدف الذي تحدد في إطار خطة الإنقاذ.
غير أن حكام البلاد الذين ينتمون للمذهب السني يخشون أن تغذي إجراءات التقشف توترات طائفية بين الأغلبية الشيعية وأن تعمل الضرائب والرسوم وتخفيضات الإنفاق على تحجيم النمو.
وبدلا من ذلك ركزت الحكومة أنظارها على محاولة تنمية الاقتصاد المحلي لزيادة الإيرادات وتحقيق التوازن.
وأعلنت الحكومة عن مبادرات كمصادر للإيرادات مستقبلا منها الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا المالية وكشف كبير في مجال النفط والغاز والترويج للبحرين كمركز للشركات الأجنبية الراغبة في الاستفادة من السوق السعودية الأكبر حجما.
لكن هذه المبادرات لا تعتبر كافية لسد العجز بحلول 2022. فقد قال صندوق النقد الدولي هذا الشهر إنه يتوقع أن ينمو الاقتصاد بنحو 1.8 في المئة هذا العام بما يماثل النمو في العام الماضي وقال إن من الضروري بذل جهود إضافية للإصلاح.
وقال تريفور كولينان محلل التصنيفات السيادية في ستاندرد آند بورز “ما زلنا نعتقد أن العجز سيظل قائما في نهاية الفترة”.
وتصنف ستاندرد آند بورز الدين البحريني ضمن الديون عالية المخاطر شأنها في ذلك شأن وكالات التصنيف الرئيسية الأخرى.
وقالت وزارة المالية والاقتصاد الوطني البحرينية إن البرنامج المالي للبلاد في سبيله لتحقيق ميزانية متوازنة في 2022.
ووصفت الوزارة في بيان الخطة بأنها شاملة وذات مصداقية تحقق البلاد بها تقدما كبيرا من خلال مزيج من تخفيضات الإنتاج وتدابير زيادة الإيرادات.
* النفط والغاز
ساعد انتعاش سعر النفط وفرض ضرائب جديدة وتخفيض الدعم على استهلاك المياه والكهرباء في تقليص العجز البحريني من مستوى قياسي بلغ 18.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2015.
وفي إطار خطة الإنقاذ من الحلفاء الخليجيين وافقت البحرين على تطبيق ضريبة قيمة مضافة بنسبة خمسة في المئة بالإضافة إلى تخفيضات أخرى في الدعم وطرح خطة للتقاعد المبكر على العاملين في الدولة.
غير أن الحكومة استبعدت فرض ضرائب على الدخل أو أرباح الشركات لأسباب منها الاستمرار في جذب الاستثمارات إلى منطقة لا تفرض فيها مثل هذه الضرائب.
كما تحترس الحكومة من تاريخ الاحتجاج السياسي الطويل في البلاد. ففي عام 2011 أخمدت البحرين انتفاضة بمساعدة السعودية التي تخشى أن يشجع هذا الاضطراب على ارتفاع الأصوات المعارضة بين سكانها والأقلية الشيعية.
وقد دفع هبوط سعر النفط دول الخليج كلها بما فيها السعودية لإعادة النظر في برامج الرفاه السخية وزيادة الجهود لتنويع الموارد الاقتصادية.
وقد اكتشفت البحرين التي لا تملك ثروة نفطية ضخمة مثل جيرانها حقلا كبيرا للنفط والغاز قبالة ساحلها الغربي في العام الماضي وتجري مباحثات مع شركات نفط أمريكية لتطويره.
وربما يصبح هذا الكشف مصدرا مهما للدخل لكن من المستبعد أن تتبلور فوائده قريبا وذلك لأن تحويل التقديرات إلى احتياطيات عملية مكلفة وطويلة.
وقال ناصر السعيدي الاقتصادي المقيم في دبي “هذا الأمر يستغرق من أربع إلى خمس سنوات على الأقل. ولذا فإذا كنت ستحقق إيرادات فلن يحدث ذلك على الفور وعليك أن تواجه التكيف مع عجز مالي كبير وعجز كبير في الميزانية”.
* الرهان على التكنولوجيا المالية
في الوقت نفسه تحاول البحرين تسويق نفسها كمركز للتكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي العام الماضي افتتحت “خليج البحرين للتكنولوجيا المالية” وهو عبارة عن منصة تدعمها الحكومة تتيح لشركات التكنولوجيا مساحات مكتبية وإمكانيات للتواصل وكذلك تطبيقا على الهاتف المحمول من أجل التعاون.
وقال خالد سعد الرئيس التنفيذي لخليج البحرين إن المبادرة ستتيح “مساهمة كبيرة” للبحرين لكنه قال إن من السابق لأوانه تحديد قيمة هذه المساهمة.
وقال سعد إن المركز اجتذب حتى الآن 36 شركة 60 في المئة منها شركات دولية للعمل في تكنولوجيات مثل العملات الرقمية والمدفوعات القائمة على تكنولوجيا سلاسل الكتل.
ولم تأخذ ستاندرد آند بوزر في حساباتها أي مساهمة من مبادرة التكنولوجيا المالية وذلك في تقديراتها للنمو الاقتصادي في البحرين.
وقال السعيدي “ما هي القيمة الإضافية التي ستحصل عليها من التكنولوجيا المالية؟ هل ستضيف واحدا أو اثنين في المئة إلى الناتج المحلي الإجمالي؟ لا أعتقد ذلك. فهي ليست من المجالات المولدة للوظائف”.
وستفتتح شركة أمازون لخدمات الشبكة العنكبوتية، وهي أكبر شركة في العالم للحوسبة السحابية، مركزا إقليميا للبيانات في البحرين هذا العام.
وقد امتنعت الشركة عن الكشف عن عدد من ستوظفهم للعمل في المركز. غير أن زوبن شاجبار رئيس القطاع العام للشركة في الشرق الأوسط قال إن استعداد الحكومة للتركيز على التحول الرقمي كان عاملا في قرار أمازون إقامة المركز هناك.
وقال شاجبار “تحدثت البحرين بالتفصيل عن رغبتها في الاستفادة من التكنولوجيا لإعادة تعريف اقتصادنا”.
وتعد الاستفادة من قرب البحرين الجغرافي من السعودية جزءا من أدواتها الاقتصادية منذ أن افتتح في 1986 جسر يربطها بالمنطقة الشرقية في السعودية حيث يوجد مقر شركة أرامكو العملاقة.
وفي يناير كانون الثاني بلغ عدد من دخلوا البحرين عن طريق الجسر نحو 1.1 مليون شخص اجتذب الكثيرين منهم قوانينها الأكثر تسهيلا فيما يتعلق بتناول المشروبات الكحولية والتعارف. فهذه المشروبات تباع في البحرين على النقيض من السعودية والكويت اللتين تحظرانها.
كما تتمركز بعض الشركات الدولية التي تريد دخول السوق السعودية في البحرين حيث تكاليف التشغيل أرخص. وفي الآونة الأخيرة عملت شركتا مولر اندستريز للتصنيع ومونديليز الشركة الثانية في العالم في مجال صناعة الحلوى على توسيع وجودهما في البحرين.
غير أن مكانة البحرين كمعبر إلى السعودية قد تتراجع في ضوء وتيرة التغير السريعة في المملكة المحافظة في وقت تسعى فيها لتخفيف القيود الاجتماعية وإنشاء صناعتي الترفيه والسياحة. كما أن السعودية تطور قطاع الصناعات التحويلية الخاص بها.
وقال السعيدي “كان ذلك منطقيا قبل أربع أو خمس سنوات. لكنه غير منطقي الآن لأن السعودي انفتحت”.