رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان علي الدبيسي لـ “البحرين اليوم”: محمد بن سلمان أنشأ جهازاً قمعياً زاد الوضع سوءً
البحرين اليوم – (خاص)
يفتح رئيس المنظمة الأوروبية السعودية علي الدبيسي عددا من النوافذ الحية التي تطل على يوميات الوضع في السعودية، ويحكي لنا عن كيفية ازدياد الوضع السيء لحقوق الإنسان كلما ازدادت صلاحيات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ويتطرق لحيثية “النشاط الحقوقي” ويبين تموضعها في سلسلة الأنشطة الأخرى، كالنشاط الإعلامي والسياسي، ليتحدث بكل صراحه وهو الحقوقي بأنه لا ينبغي إعطاء نشاط حقوق الإنسان حجما أكبر من حجمه أو تعويلاً أكثر من قدرته.
في هذه المقابلة، يلفت الدبيسي إلى أن شهادة الشيخ نمر النمر أعطت منحاً آخراً في الإلهام، وغذت بشكل كبير عزيمة النشطاء على مختلف حقولهم، وهذا نص المقابلة:
. اغتالت الأجهزة الأمنية السعودية -قبل أسابيع- الشاب عبدالله القلاف قبل أيام، ما يدل على أن النهج الأمني سارٍ من دون تراخي ضد الناس، هل لك أن توضح لنا الصورة في أرض الحرمين عموما والقطيف والإحساء خصوصا في ما يتعلق باستهداف الناشطين؟
من المهم أن نتذكر على الدوام، حينما نسمع عن انتهاكات وجرائم ترتكبها الأجهزة الحكومية في السعودية، إنها تشكل فقط عينة جزئية من ممارسات واسعة، إذ يمتنع أكثر الضحايا وذويهم عن الحديث العلني، بل ولربما يكتمونها حتى عن مقربين منهم، نتيجة لممارسات الترهيب التي تمرست عليها السعودية وأحكمتها على مدى عقود، والتي مازال أمامها متسع للاستمرارية بذات النهج، نظراً لعدم وجود سلطة لقانون مستقل من شأنه أن يحمي الناس ويشجعهم على الوقوف في وجه أجهزة الحكومة البوليسية. أما بخصوص الشاب عبدالله القلاف، فهو واحد من شباب كثيرون من هذا المجتمع، وجدوا أنفسهم من جهة محاصرون من قبل الحكومة تحت سياط القهر والإذلال وامتهان الكرامة، عبر قوائم مطلوبين أو تعذيب في السجون أو ذبح بالسيوف أو مداهمات للبيوت بأساليب إجرامية، ومن جهة أخرى وجدوا شخصيات من مجتمعهم تعين الظالم عليهم وتقرب رقابهم للسيف وأجسادهم للتعذيب، فهم ضحايا لمطحنة الاستبداد.
إجمالا يعيش الشعب في السعودية مرحلة صعبة، من غير المستبعد أنها الأكثر بطشاً في تاريخه، وهذا المقدار من البطش، تقول المعطيات عنه، إنه مرشح للزيادة ونشهد بشكل مستمر تصاعده، فهناك اليوم جهوزية وتركيز متقدمين فيما يتعلق بالقمع في السعودية، فقد أنشأ محمد بن سلمان في 21 يوليو 2017 جهاز رئاسة أمن الدولة، وذلك ضمن تغييرات قام بها، ويضم الجهاز 5 هيئات، بينها المديرية العامة للمباحث وقوات الأمن الخاصة وقوات الطوارئ الخاصة، ما يجعل من هذا الجهاز هو الأكثر فتكاً بأمن الشعب وحريته، وقد أثبتت الأشهر القليلة الماضية مدى خطر هذا الجهاز، ودوره الترهيبي، إذ زادت التهديدات والاعتقالات والتعذيب.
وبخصوص القطيف، فإن الترهيب آخذ بالتوسع، ومن المستبعد وفق المعطيات الحالية أن تتعقلن الحكومة تجاهها، لأن القطيف ببساطة دخلت ضمن ملفات الاستثمار السياسي لدى الدولة، وهي ورقة مربحة لها داخليا وإقليميا ودوليا، وديمومة إبرازها كمدينة مضطربة أمنياً خيار من المستبعد أن تفكر الحكومة بتغييره حاليا. أما الأحساء ففي الوقت الحالي أيضا لا تخلوا قوائم الاعتقالات الحديثة من أهلها، ومنهم من يسكن مدن خارج الأحساء كالدمام، وهناك منهم خلف القضبان ومنهم من يتهدده سيف الإعدام مثل مجموعة الكفاءات المتهمين بالتجسس لإيران.
. في يناير 2016 أعدمت السلطة السعودية أكثر من أربعين مواطناً، لم تُعرف ظروف محاكماتهم، وكثير منهم لأسباب تتعلق بالرأي السياسي، من ذلك الوقت والذي عرف بـ “الإعدام الكبير”، ظهرت مشكلة احتجاز الجثامين، ما الدافع الذي يجعل السلطة تحتجز الجثامين، وما تفاعل أهاليهم بشأن احتجازهم وهم متوفون؟ وهل هناك تحريك للقضية في أروقة دولية؟
لم تكن هذه الممارسة مفاجئة لمن كان يتتبع خط القمع التصاعدي منذ 2011، فعلى مدى سبع سنوات لوحظ تزايد منسوب الشراسة والوحشية، وقبل أن تبدأ الحكومة البدء الفعلي لعمليات الاستيلاء على الجثامين، كانت تماطل في تسليم جثامين بعض الشهداء في مناسبات سابقة، وكانت على وشك عدم تسليم بعضهم.
كان لدى الحكومة رغبة بأن ترى مستوى كبير من الخضوع لدى المجتمع، وبودها أن تروي عطش استكبارها عبر رؤية مجتمع ذليل، لكنها وجدت منسوبا من المنعة والكرامة لم يرق لها، خصوصا مع نشاط عدد من الشخصيات التي ألهمت حراك المجتمع و غذته، فكان في ظني الهدف من هذا التنكيل بالأهالي والمجتمع -عبر احتجاز الجثامين- هو التركيع وكسر العزائم، ونظرا للشخصية السادية التي يمتاز بها المجرمون في السلك القمعي في السعودية، فإن هذه الخطوة تهدف أيضا للإمعان في تعذيب الأهالي والتشفي بمعاناتهم وانتقاما من صمودهم. ولاشك، فإن عدم تسليم الجثامين يترك نفسيات الأهالي -لفترات طويلة قد تمتد لسنين- في عذاب وآلام وعدم استقرار.
أما الأهالي فقد بذلوا في حدود الممكن، مساع واضحة لاستعادة الجثامين، ويُلحظ ذلك مع الحالات الأولى بالتحديد، ولكن في السعودية ومع بلد مختطف لمجموعة من المستبدين، يتحكمون بكل مفاصل البلاد، ويدوسون القوانين المحلية والدولية تحت أرجلهم، يحتاج الأهالي لمساندة اجتماعية واسعة لاستعادة الجثامين. أما بخصوص التحركات الخارجية، فهي في المجمل غير كافية، وبحسب علمي سيتم خلال مدة قريبة رفع شكوى عبر آليات الأمم المتحدة حول استيلاء الحكومة على الجثامين ورفضها إرجاعهم لذويهم.
. أين يقف اليوم الحراك الحقوقي في السعودية، وهل الناشطون في الخارج قادرين على إحداث تغيير الصورة المجملة بملايين الدولارات في الدول الغربية؟
الحراك الحقوقي هو مفردة من جملة الحراك المدني في السعودية، لذلك في ظني نحن بحاجة لأن ننظر لمجمل الكتلة المدنية إذا ما أردنا قراءة الحراك الحقوقي في البلاد، وعليه فإنه بشكل عام، قامت السعودية بعمليات قاسية لاستئصال المجتمع المدني برمته، وفي ظني فإن السلطة تمكنت -بنسبة ما- من إجهاض بعض قواه، ولكنه مازال ينبض ويتكيف ويتجدد، وهناك رغبات ومبادرات مستمرة لممارسة أدوار مدنية، سواء من قبل أناس يعيشون داخل البلاد أو خارجها.
وعودا على العمل أو الحراك الحقوقي، فإنه لا ينبغي أن يتم تحميله فوق مداه وطاقته، إذ إن له حدوده في عملية المساهمة بالإصلاح والتغيير في جميع بلدان الاستبداد، حيث يمكن لدوره أن يتقلص أو يتمدد، وفقاً لمجمل مستوى الحيوية التي يكون عليها الحراك المدني، بأجنحته المتعددة، بمعنى: النهوض في الجانب الإعلامي والسياسي والثقافي والفكري والأدبي والاقتصادي وغيرهم، يعضد الجوانب الحقوقي، والضعف في كل أو بعض هذه الجوانب، سيضعفه أيضا، فهو لا يصفق لوحده. نعم، أفهم إنه ولأسباب متعددة، تم إسباغ هالة على العمل الحقوقي، وأقتطع له حيز واضح من تفكيرنا وآمالنا، ونسجت عنه تصورات غير واقعية، وعليه فإن إعادة التوازن لنظرتنا للعمل الحقوقي أمر مطلوب وصحي.
. هل تعتقد أن تمكن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من السلطة، سيجعل الملف الحقوقي في شبه الجزيرة العربية أكثر سوءً من سابقه؟
عملياً، فإن نسبة تمكن محمد بن سلمان من السلطة، نسبة عالية ومشهودة، وأكدت الصلاحيات الواسعة التي استولى عليها، إنه شخص عدائي لحقوق الإنسان، وكلما اتسعت صلاحياته وأمتد أيام حكمه، كلما ساءت أحوال الحقوق والحريات، وفقد الناس الأمان وتملكتهم الرهبة والخوف والقلق. وفي ظني أن السؤال المؤرق الذي نعايشه، كيف يمكن أن نعيش هذه اللحظة.. وكيف يمكن تمرير هذه الأيام السوداء تحت حكم محمد بن سلمان بأقل ضرر ممكن على الناس وعلى حرياتهم وحياتهم ولقمة عيشهم.
. ما هي أبرز الانتهاكات من قبل السلطة السعودية في عام 2017؟
في تقديري داخليا جرائمها في العوامية والتي مازالت مستمرة بأساليب متنوعة، وذبحها لبعض الأبرياء تحت مقاصل القضاء، وكذلك تصعيدها من مستوى التعذيب في سجون المباحث لدرجات سادية. وخارجيا جرائمها في اليمن، والتي تعد في اللحظة الراهنة العدوان الأبرز على مستوى العالم الذي تشنه دولة على أخرى.
. هل هناك أرقام -ولو تقريبية- عن عدد المعتقلين السياسيين في السجون السعودية؟
من ناحية المجتمع المدني، حاليا لا توجد إحصاءات، ولكن توجد تقديرات، وفي ظني مبالغة. أما من ناحية الحكومة، فتوجد إحصائية محدثة في موقع (نافذة) للسجناء في سجن المباحث السعودية، لكننا لا نعتمدها بطبيعة الحال، طبعا هؤلاء تهمهم مختلفة، بعضهم متهم بالإرهاب وبعضهم بتغريدات وآراء، ولكن الحكومة تقدمهم على الدوام في إعلامها الرسمي كإرهابيين، والحال إن ذلك تضليل، فكثير من المعتقلين هم معتقلو رأي ومتظاهرون ومدافعون عن حقوق الإنسان وبعضهم أطفال.
. أين هي الآن قضية إغتيال الشيخ النمر من الوجدان الشعبي ومن الحراك الحقوقي؟
في ظني إنها في قطب الوجدان الشعبي لدى الكثير من الجماعات والمؤسسات والأفراد، لكن لا يعني هذا انسجام الجميع معها، وهذا أمر طبيعي. فبعد شهادته دخل الشيخ رحمة الله عليه في خانة الملهمين وصناع النهضة بشكل غير قابل للتلاشي، وبات قبلة معنوية تغذي الجيل الحالي والأجيال اللاحقة، وفي ظني أن الحكومة حققت له أمنيته، وخدمت أهدافه، والمهم أيضا أنها سرعت من إيصال رسالته لطالبي الكرامة من الشعوب المستضعفة بشكل لم يكن ليتحقق لو بقي في السجن، ووسعت نطاق تأثيره الجغرافي من كونه يشغل حيزا جغرافيا في بعض أرجاء الجزيرة العربية فقط، إلى شخصية أوسع من ذلك، وعلامة شاخصة على دموية الحكومة السعودية واستخدامها لأجهزة العدالة كالقانون والقضاء في سفك الحقوق، لهذا كله مازلنا نلحظ وبشكل مستمر الأرق الذي يسببه لها حتى بعد دخولنا في السنة الثالثة من ذكرى شهادته، ومازالت تستحضره في إعلامها بشكل يسبب لها المزيد من الضرر ويضعها في صورة المتلهف للتبرير ولكن كلما بررت كلما ألحق ذلك بصورتها المزيد من الضرر، وخلاصة المشهد بين الحكومة الظالمة والشهيد النمر.. انتصر وخسرت.