خالد أحمد الخليفة: دبلوماسية الرقص على اللحن الصهيو – سعودي
البحرين اليوم – (خاص)
ادعى وزير الخارجية الخليفي، خالد أحمد، بأن ما وصفه بـ”الإرهاب” تراجع في البحرين بعد “مقاطعة” الدول الأربع، السعودية والإمارات والبحرين ومصر، لدولة قطر في يونيو من العام الماضي.
وفي حوار منشور اليوم الأحد ٢٧ مايو ٢٠١٨ في صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، ادعى الوزير الخليفي بأن “التواصل مع الإرهابيين في البحرين توقف، لأنهم لا يأتون بشكل مباشر، وإذا كان لديهم تواصل مع الخارج فهو عن طريق إيران”.
وكان لافتا أن خالد أحمد دعا الولايات المتحدة إلى التعامل “بحزم ووضوح مع انفتاح الدوحة على طهران بوجود قاعدة عسكرية أميركية” في قطر.
طوال أكثر من ٣٠ عاما قضاها محمد مبارك الخليفة، وزيرا للخارجية في حكومة آل خليفة في البحرين؛ كان فيها رغم كل الظروف “هادئا” في تصريحاته، وقادرا على أن يهضم العمل الدبلوماسي التقليدي ويتقن عمله. نسجل هذه الملاحظة بمعزل عن طبيعة النظام الذي ينضوي تحته، وإقرارا بقاعدة أن النظام الشرير لا يفرز إلا شرا، وإن اختلفت درجات من عضو لآخر في هذه العائلة. قد يجد البعض في الطبيعة “الشخصية” لمحمد مبارك مستندا لإثبات النظرية التي تقول بأنه كان ذا توجهات “إصلاحية”، ولو بالمقارنة مع سلوك آل خليفة الذي استولى على الحكم منذ أكثر من ٢٥٠ عاما بعد أن تم احتلال البحرين عبر معارك ضارية خاضها آل خليفة مع السكان الأصليين في العام ١٧٨٣ كما يؤكد ذلك الباحث الخيري في كتابه “قلائد النحرين”.
نتيجة الفوضى في العلاقات الدولية والنزعات العسكرية المدمرة؛ تطور الدرس الدبلوماسي كثيرا، ونتج مفهوم جديد في العلاقات الدبلوماسية يُسمى مفهوم “دبلوماسية المحالفات” ( Alliance Diplomacy) والمقصود بها ذلك النشاط الدبلوماسي الذي يكرس لإنشاء تحالفات عسكرية أو تكتلات سياسية. التكتلات السياسية أصبحت أداة لزيادة النفوذ السياسي للمجموعات الدولية والدول القوية في المجتمع الدولي. ولما للتحالفات العسكرية والتكتلات السياسية من أهمية لأمن الدولة ونفوذها؛ فلقد حظيت باهتمام خاص في المجال الدبلوماسي يفوق الاهتمامات الأخرى.
في العام ٢٠٠٥ أجري أول تغيير في منصب وزارة الخارجية في البحرين، وتم تعيين خالد أحمد الخليفة وزيرا للخارجية، وكان خالد أحمد قد تقلد منصب السفير في بريطانيا منذ ٢٠٠١ حتى تعينيه وزيرا للخارجية. الجميع يعرف أن ملف الخلاف الحدودي مع قطر، والذي اشتعل منذ العام ١٩٩٥ وحتى العام ٢٠٠٠م كان بيد خالد أحمد، ولم يكن يبدى فيه أي قدر من اللياقة الدبلوماسية، حيث انتهت الأمور إلى التحاكم للمحكمة الدولية، ولو لا خبرة حسين البحارنة، وزير الدولة وقتها، في إدارة الملف القانوني لما ربحت البحرين أي نقطة خلاف مع قطر.
منذ أن شاعت ظاهرة حسابات (تويتر) على الشبكة العنكبوتية؛ فتح خالد أحمد حسابا شخصيا له، كجزء من أنشطة وزارة الخارجية للتواصل المباشر مع الناس. ويُقدَّر عدد متابعيه حاليا بأكثر من نصف مليون متابع.
ويبدو أن هوسه بـ(توتير) جعله يفقد أصول اللياقة الدبلوماسية، وينخرط في محاكاة الواقع الافتراضي بقضه وقضيضه. زاد من هوس خالد أحمد تعيين صديقه عادل الجبير وزيرا للخارجية السعودية في أبريل ٢٠٠٥ خلفا لـ”الداهية” السعودي سعود الفصيل، حيث تعود علاقة الجبير بخالد أحمد إلى فترة بقائهما في الولايات المتحدة الأمريكية. عندما تولى الجبير حقيبة الخارجية السعودية وضع لنفسه ثلاث مناطق رئيسية يتحرك فيها تنفيذا لنظرية الأخطبوط الدبلوماسي السعودي، فعمل جاهدا على الإدلاء بتصريحات نارية وغير مقبولة دبلوماسيا فيما يخص كل من إيران وحزب الله وسوريا.
الوزير الآخر الذي سيشكل “طامة” أخرى لسلك الخارجيات الخليجية؛ هو أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات، والذي تنحدر أصوله من منطقة عوض الإيرانية، وتم تعينه في هذا المنصب في ٢٠٠٨م، وتكرر تعيينه في المنصب نفسه في العام ٢٠١٦م.
شكل هذا الثلاثي طفرة في الدبلوماسية الخليجية، والنزول بها لمستويات هابطة من التصريحات العدائية غير المألوفة في الخطاب الدبلوماسي، حيث يتم الاعتماد على إصدار خطابات وتصريحات مثيرة للغرابة، بل وأحيانا مثيرة للشفقة.
بالإضافة إلى اعتمادهم الكلي على غرابة التصريحات، فهذا الثلاثي يعتمد على منصة (توتير) أيضا للترويج لبعض الأفكار والتصريحات العدائية، ويُعد الجبير متفوقا على نظرائه الباقين، حيث يتابعه أكثر من مليوني متابع، مقارنة مع نصف مليون لكل من خالد أحمد وأنور قرقاش. ورغم طابع الثراء الذي يظهر على هؤلاء الوزراء إلا أن أصولهم العائلية تعتبر ثانوية مقارنة مع الأصول العائلية لحكام دولهم، فحتى خالد أحمد الذي ينتمي لعائلة آل خليفة، فإن رتبته تعتبر من الدرجة الثانية داخل تصنيفات العائلة، أما الجبير فهو من عائلة تجارية عادية، في حين أن قرقاش فأصوله إيرانية معروفة وواضحة.
دبلوماسية محور الشر
الجامع المشترك بين وزراء الخارجية الثلاثة هو انخراطهم في تأسيس “نظرية” دبلوماسية جديدة، يمكن تسميتها بدبلوماسية “الرقص”، نسبةً إلى قدرتهم الفائقة على الرقص الإعلامي وعلى اللعب بالمفردات والمفاهيم والتعامل مع القضايا الدبلوماسية ذات الحساسية السياسية الخطيرة، وبأسلوب راقص على اللحن السعودي دائما.
وفي الحقيقة؛ فإن شفرة الخطابات الصحافية والتصريحات المثيرة تعود جمعيها إلى حزمة الأهداف السعودية الخارجية، وهي التي تحدد درجة العزف والسلم الموسيقي الخاص لكل وزير خارجية من الوزراء الثلاثة. لذلك لا يجد خالد أحمد غضاضة في التدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول التي تراها السعودية مستهدفة سياسيا، مثل ايران واليمن وسوريا ولبنان، وقطر مؤخرا.
خلاصة ما يمكن قوله إن محور الشر الجديد في المنطقة قائم على تحالفات وتكتلات سياسية تجمع أنظمة الخليج بكل من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الامريكية، وأن لهذا التكتل حزمة من الأهداف السياسية المتمثلة في:
- منع ومواجهة أي مسار ديمقراطي تقوده الجماعات السياسية في الأنظمة الخليجية، وبالأخص القوى الإسلامية أيا كان انتماؤها، سنية كانت أو شيعية.
- الإسراع في إنجاز عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني وإتمام ما يعرف بصفقة القرن.
- محاربة محور المقاومة في المنطقة وشيطنته على كافة المستويات.
- اللعب بمفهوم الإرهاب الدولي وتوظيفه داخليا وخارجيا لفرض الحصار السياسي والاقتصادي على المجموعات المقاومة.
- ضمان التمدد وفرض الهيمنة السعودية / الإماراتية على أكبر مساحة ممكنة من العالم العربي والإسلامي.
والذي يظهر عند مقارنة هذا النمط الدبلوماسي الراقص مع دبلوماسية الكيان الصهيوني أننا نجد تشابها كبيرا في الصيغ السياسية والأهداف والمقاربات، الأمر الذي يدلل على أن التطبيع السياسي الذي تقوده السعودية مع الكيان الصهيوني عبر بوابة البحرين؛ لا يقتصر على التطبيع السياسي فقط، بل إن سلوكيات الدول أصبحت متقاربة في محور واحد هو محور المصالح الصهيونية في المنطقة عبر انتهاج إستراتيجية الكذبة الكبرى، والتي تعني تحريف أو تشويه المادة الإعلامية من أجل التلاعب بالرأي العام الموجه نحوه الدعاية.