حسمت محكمة عليا بريطانية قرارَ النظر في القضية المرفوعة ضد نجل حاكم البحرين هذا اليوم الثلثاء 7 اكتوبر 2014، وبت القضاء قراره في كون المدعو ناصر بن حمد ليس مشمولاً في قانون الحصانة الذي يتمتع به الحكّام والرؤساء. وبهذا القرار، وبحسب ما يؤكد خبراء القانون، فإن الباب بات مفتوحاً على مصراعيه لرفع قضية ضد المدعو ناصر بن حمد لتورطه مباشرة في تعذيب الرموز.
جهودٌ مضنية بُذلت خلال السنتين الفائتيتن، إلى أن تكللت بهذا الإنجاز التاريخي. العوائق والتحديات كثيرة، بما فيها التحديات القانونية والسياسية والأمنية، إلا أن حقيقة هذه العوائق والتحديات تكمن في الإرادة، والتي بها يمكن تحديد خيارات الهزيمة أو الانتصار، ومن خلالها يُتاح أن يتبدد الخوف، أو يظلّ معشعشاً في نفوس المترددين. إنّ قضية الجلاّد ناصر أثبتت أنه بالإرادة يمكن أن تُذيل الصعاب، وأن تُسحق العوائق، ومهما كانت منيعة وشديدة.
هذا الانتصار سيكون بداية لمشوار طويل. مع صدور الحكم بدأ طريق مليء بالمخاضات العسيرة والجولات التي ستكون بحاجة لمزيدٍ من الإصرار والعزيمة لملاحقة المتورطين بتعذيب الرموز وقادة الثورة وخيرة أبناء البحرين.
بعد خلع محكمة عليا بريطانية لدرع الحصانة الدبلوماسية عن نجل الحاكم الخليفي؛ سوف يُفتح مباشرة ملف التحقيق الثاني، والذي سينظر في كون المدعو “ناصر بن حمد” متورطا في التعذيب، وذلك ما أفادت المحامية “سو ويلمان”. ما يعني أن الجولة القادمة ستكون أكثر أهمية، وذلك لأن نجاحها ربما يكون نافذاً في عموم أوربا.
إذن، بدأت مرحلة حصاد الخليفيين لما اقترفوه من جرائم وانتهاكات، وبات المدعو ناصر بن حمد شبيهاً ب”عاهرة” مصابة بمرض الإيدز.
في المقابل، وإنْ مُنِحَ الجلاد ناصر حصانة خاصة من حكومة كاميرون (كما فعلت الحكومة البريطانية لوزيرة الخارجية الإسرائيلية بعد إدانتها في القضاء البريطاني) فإنّ ذلك لن يُغطي صورته البشعة التي ظهرت على حقيقتها في كونه مجرما وجلادا. وبعد اليوم، فإن المطالبين بتسليم ناصر للعدالة ليس البحرانيين وحدهم؛ بل إن الرأي العام البريطاني خصوصاً والأوربي عموماً، سيكون ساخطاً عليه وعلى منْ يلتقيه ويفتح الأبواب له.
سيتخبط الخليفيون، وسيشتاطون غضباً، وسيظهر الإرباك في إعلامهم، كما سيتدخل الخليجيون من أجل الضغط على الحكومة البريطانية لمنح المدعو ناصر بن حمد حصانة خاصة. ولكن، مهما عملوا، وخطّطوا، وحرّكوا أموالهم وعيونهم وزبانيتهم؛ فإنهم لن يغطوا عوراتهم، ولن يمحوا عارهم. وسوف تأتي الملاحقة تباعاً على قائمة المطلوبين للعدالة، ومهما طال الزّمن.
الخلفية:
قبل أكثر من سنتين من اليوم تولدت الفكرة، وكانت بدايتها عبارة عن احتجاج رافض لتمثيل المدعو ناصر بن حمد للبحرين في الأولمبياد التي عُقدت في لندن يونيو2012، خاصة بعد أن أولت الصحافة البريطانية اهتماماً ملحوظاً بالقضية، وظهرت ازدواجية المعايير المعتمدة لدى الحكومة فيها، حيث منعت لندن ممثل المنتخب السوري من دخول أراضيها (رغم عدم وجود ما يثبت تورّطه في أي قضية انتهاكات ضد حقوق الإنسان)، بينما سمحت بتمثيل المدعو ناصر بن حمد للبحرين ورحّبت به، رغم الأدلة الدامغة التي تؤكد وقوفه وراء تعذيب الرياضيين، واعتقالهم، وإشرافه الشخصي على تعذيب الرموز المعتقلين.
الإرادة وكسر حاجز الخوف والتردد، والنوايا الصادقة، والتضامن الحقيقي مع ما لاقاه الرموز من ويلات التعذيب البشع؛ دفع بأحد الضحايا – الذي عَرّفَته المحكمة البريطانية فيما بعد ب(ف.ف) – للتقدم بالطعن في تجاهل الحكومة البريطانية لرسالةٍ تقدمت بها منظمة أوربية ألمانية تطالب بمنع المدعو ناصر بن حمد من تمثيل البحرين وزيارة بريطانيا كونه متورطا بقضايا التعذيب، والتي رفضت فيها النيابة العامة البريطانية الطلب بحجة أن ناصر مشمول في قانون الحصانة الدبلوماسية.
في 26 أكتوبر 2012 تقدّم (ف.ف) برفع القضية، لم يكن من السهل أبداً المخاطرة بخوض هذا الباب، لما له من تبعاتٍ وخيمة قد تطال المتقدّم بالطلب في بريطانيا أو غيرها، كما أن خسارة القضية أو رفضها أساساً في المحكمة؛ هو ما كان مرجحاً، وذلك نتيجة التحالف البريطاني الخليفي الذي يمتد لقرابة المائتي عام. إضافة إلى أسبابٍ أخرى تطرّقتُ لبعضها في المقال السابق (محاكمة الجلاد ناصر النتائج والآثار).
خطوات مستقبلية:
ردود الفعل الخليفية لن تقف عند حدود معينة، كما أن الطموح البحراني الصادق لن يتوقف مسيره، ومهما كانت التضحيات والتحديات.
ورغم أنّ أدوات الصراع غير متكافأة بالمقياس المادي، إلا أن دوائر الهيمنة السياسية والأمنية – ومهما تحصّنت – فإن ثغراتها كثيرة، كما الأدوات الشعبية والثورية المنظمة – ومهما اعتراها الضعف وضاق بها الخناق والحصار – فإن منطقها يفرض نفسه. والحقيقة عادةً تُظهر نفسها بنفسها، ولو بعد حين. وبعد هذا الإنجاز التاريخي الكبير، سوف يتضاعف العمل، وسيكبر التحدي، وستتوسع رقعة الملاحقة المتبادلة بين الضحايا والجلادين.
ومن المرجح أن تتوجه الأنظار بعد المدعو ناصر بن حمد إلى وزير الداخلية الخليفية، وذلك لمسؤوليته القانونية والأخلاقية عن جرائم لا حصر لها ولا عدّ.
سوف تتسارع تداعيات قضية ناصر في سباقٍ مع الزمن، وستمرّ بسلسلةٍ من التجاذبات بين ردود الفعل الخليفية والتحضيرات التي يقوم بها النشطاء في عموم أوربا، والتي سيُكشَف عن بعض حلقاتها مع الأيام القادمة.
الرسالة لكل العاملين المخلصين من النشطاء ومختلف التيارات، وبالخصوص المتواجدين في أوربا، بأن يضعوا هدف ملاحقة المطلوبين للعدالة على سلّم الأولويات، وأن يشحذوا الهمم في هذا المضمار، والذي ربما يكون أكثر فاعلية من الميادين الأخرى التي يشتغل عليها منْ هم خارج البحرين.
ومهما كانت الأخطار محدقة بمنْ يختار أن يخوض غمار الصراع مع الخليفيين، فإنها لن تبلغ قطرة من دم شهيد، وأن الذي يزيد هؤلاء الطغاة استكباراً وقوة هو شعور الضحايا بالضعف والخوف، وهي الحالة التي طلّقتها وأسقطتها ثورة الرابع عشر من فبراير، وقد غادرها كثيرٌ من المتصدين وأبناء الشعب في الداخل والخارج.
ليكن ثمن ملاحقة المواطنين في داخل البحرين؛ هو ملاحقة للجلادين في خارجها، ولتتحول الإنتهاكات اليومية التي يمارسها المجرمون بحق شعبنا إلى لائحة اتهامات تطاردهم أين ما حلّوا.
إنّ نجاح الجهود المخلصة التي تكلّلت بخلع الحصانة عن المدعو ناصر هي بداية مشوار لمطاردة كل الذين شاركوا في تسوية المساجد بالتراب، وأوغلوا في دماء البحرانيين، واستباحوا حرمات المواطنين، وعذّبوا علماء الدين، وشيّدوا بنيانهم على دمائنا بدعم من قوى الإحتلال، ولم يراعوا فينا إلاً ولا ذمة.
كل الشكر للضحية (ف.ف) ولمنْ عمِل في الخفاء بإخلاص وصدق بدافع الإنسانية، والضمير الحي، وإنّ لهذه الجهود المباركة ثمرةً في قادم الأيام، ويكفي أنها تُدِخل السرور على قلوب الفاقدات وأسر الشهداء وعوائل المعتقلين، وتحفّز هممَ الثوار والعاملين، وتغيظ العملاء والحاقدين، وتفشل شركات العلاقات العامة وأبواق الكذابين، وتفضح المثبّطين والمتسلقين، وتعزّز المفاصلة مع الطغاة والمحتلين.