يمكن القول أن محاكمة الجلاد ناصر بن حمد تُعتبر من أكثر القضايا حساسية على جميع الأصعدة السياسية والأمنية وحتى الاقتصادية. وهي كذلك عصارة لجهود حقوقية وقانونية وسياسية وثورية أيضا. أنْ تنظر محكمة بريطانيا تحديدا في شخص الجلاد ناصر تنطوي على حساسيّة خاصة، وهي تكمن في عدة نقاط:
– أولا: أن المحكمة هي في أكبر الدول الراعية والحاضنة والداعمة للخليفين، بل والمؤسِّسة للحكم الخليفي بشهادة الطرفين وبحسب ما تقول وثائقهما،. فلندن هي عاصمة عالمية في مختلف المجالات التاريخية والسياسية والإعلامية والإقتصادية والسياحية، وهي مرتع للمشيخة الخليجية، والمكان المفضّل لاستجمام التجار وذوي الكروش المتخمة. وقبل هذا وذاك، فإن لندن مقر رئيس لصنع السياسات العالمية، ومركز قرار مهم على صعيد العالم. بكلمة واحدة؛ فإنّ محاكمة الجلاد ناصر في لندن تعني محاكمته في كل العالم.
– ثانياً: يكفي قبول محكمة بريطانية النظر في قضية الجلاد ناصر بن حمد دليلاً آخر على وجود التعذيب في البحرين، وأنّ النظام الخليفي برمته يتحمّل مسؤولية مباشرة عن هذه السياسة، وأنّ أبناء الديكتاتور يشرفون مباشرة على التعذيب، وهو ما يسترعي صرخة من العالم الحر ضد التعذيب في البحرين.
– ثالثاً: الجلاد ناصر هو نجل رأس السلطة الخليفية، ومحاكمته – في حقيقتها – محاكمة لأبيه، وهي قضية تُبدد أحلام الديكتاتور حمد في إعادة الهيبة إلى شخصه وحكمه وقبيلته، وتُظهر عدم صلاحية هذه العصابة في تولي شؤون الحكم في البحرين.
– رابعا: تكمن الحساسية في محاكمة الجلاد ناصر في بريطانيا كذلك كون الأخير تربطه علاقة نسب وقرابة وتحالف مع القبائل الخليجية الحاكمة، والتي تستثمر في بريطانيا بمليارات الدولارات، وتربطها مصالح استراتيجية مع الإنجليز، ما يعني أن محاكمة أحد أعضاء هذه العصابات سيعكس تهديدا للاستثمار الذي يُستبعَد أن تضحي به بريطانيا أو تسمح بخروجه من أراضيها على حساب قضايا إنسانية.
– خامساً: محاكمة الجلاد ناصر هي كذلك محاكمة للسياسة البريطانية التي ترعى الأنظمة الديكتاتورية وتوفر لها الدعم الكامل، في الوقت الذي تتغني فيه بالديمقراطية والشعارات البراقة لحقوق الإنسان. وتفتح المحاكمة ملفات الدور الإنجليزي في البحرين منذ منتصف الستينات، حين اُستقِدم آيان هندرسون الذي أسس جهاز المخابرات الخليفي، وهندس سياسة التعذيب التي أصبحت أداة أساسية للحكم منذ ذلك اليوم، وبمعرفة ودراية تامة من قِبل الحليف البريطاني الذي يبرّر الهفوات والجرائم الخليفية ويشيد بما يسميه بالخطوات الإيجابية في طريق “الإصلاح”.
في مطلع الشهر القادم، سيُفتح ملف الجلاد ناصر بن حمد مجدداً، إلا أنه لن يمثل أمام المحكمة مقيداً بالأصفاد كما يُفْعَل بأبناء البحرين نساءً وأطفالاً وشيوخاً وشبابا. وستتركز المرافعات قبل الحكم فيما إذا كان ناصر بن حمد سيكون مشمولا في قانون الحصانة الدبلوماسية الذي يتمتع به الملوك والرؤساء أم لا، وفي حال كان مشمولاً بهذا القانون فسيُطوى الملف طي السجل. وبمعزل عن ذلك، فإنّ المحكمة في حد ذاتها ستكون حدثاً مؤلماً ومزعجاً على الخليفيين دون شك، وسيبقى ملف التعذيب مفتوحاً في الأروقة والأمكنة الأخرى حتى ينتصف الضحايا من الجلاد. أما في حال قررت المحكمة أن المدعو ناصر بن حمد غير مشمول في قانون الحصانة فذلك يعني إمكانية منع الجلاد من زيارة بريطانيا.
أيّاً تكن النتيجة من المحكمة؛ فإن نجاح النشطاء في إقناع المحكمة البريطانية النظر في قضية الجلاد ناصر بن حمد يشكل حافزا لكل النشطاء البحرانين – الذين اضطرتهم الظروف القمعية للهجرة إلى أوربا تحديداً – في أن يحذو حذو النشاط الذي تطور في بريطانيا لملاحقة المعذبين والمجرمين.
وكما يطُارد أبناء البحرين وتستباح منازلهم وقراهم، فإن على النشطاء الرد بالمثل، ومطاردة الجلادين والقتلة، وإنّ الحركة والعمل الدؤوب واستمرار المحاولات لا بد وأن يُشكل عزلة على الخليفين ويحاصرهم ويحرج حلفاءهم وداعميهم؛ ذلك لأن شكل الصراع في خارج الحدود يختلف في أسلوبه وآليته عن داخل البحرين. وقد نجح النشطاء فيما مضى في حملات عدة، كان أبرزها إيقاف شحنة الغازات التي كانت كوريا بصدد بيعها للخليفيين والتي قُدّرت بأكثر من مليون وستمائة ألف عبوة.