جريمة نبيل رجب الكبرى: البحرين تحت طائلة البند الرابع
قضى نبيل رجب الشهرين الأخيرين متنقلا في دول أوروبا، مركزا جهوده خصوصا على الدول الاسكندنافية (الدنمارك، النرويج، السويد، فنلندنا) للتعريف بأحوال البحرين السياسية والأمنية. وقد أثمرت تلك الجهود المضنية أن ترفع كل من الدنمارك، آيسلندا، إيرلندا، والنرويج لهجهتا في انتقاد السلطات البحرينية، وأن تقدم مداخلاتها، في اجتماعات جنيف الأخيرة (سبتمبر 2014)، تحت البند الرابع من مجلس حقوق الإنسان، فيما وجهت واشنطن انتقاداتها إلى سلوك المنامة تحت البند العاشر.
ويُنظر إلى الدول التي يتم إدراجها تحت البند الرابع باعتبارها الأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان عالميا، والتي عادة ما تعيش أوضاع أشبه بالحروب الداخلية، ويستشري فيها العنف، فيما يختص البند العاشر بالدول التي تكون فيها سجلات حقوق الإنسان سيئة، كما هي أحوال معظم الدول العربية.
صحيح إن كلا البندين يدخلان تحت الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان، الذي لا أسنان له، ويلي تبني وضع أي دولة تحت البند الرابع شوط طويل كي يتحول إلى إجراء أممي فعّال، بيد أن زيادة نبرة النقد وتعاليها ضد الحكومة الخليفية أمر يصيب القصر الملكي في الصخير بأكثر من الضيق والاستياء.
ولعلّنا نتذكر الألم التي شعرت به السلطات الخليفية حين صنّف الرئيس الأميركي باراك أوباما الوضع البحريني، كما العراقي والسوري، يعيش توترا طائفيا، وذلك في كلمته التي ألقاها في الأمم المتحدة في سبتمبر من العام الماضي (2013).
يتبني الحقوقي المرموق رجب مدخلا مختلفا في تعريفه بالحدث البحريني، إذ يركز على تحويل القضية البحرينية إلى قضية داخلية لكل دولة يزورها. مثلا، في الدنمارك التي استُقبل فيها رجب على مستوى رفيع، فقد تمكّن الناشط المعروف من تحريك الماكنة البرلمانية والإعلامية والحقوقية في كوبنهاجن للتفاعل مع عبدالهادي الخواجه الناشط الحقوقي البحريني، والذي يحمل الجنسية الدنماركية، ويقضي حكما بالسجن مدى الحياة في سجن جو، سيء الصيت، وكانت حياته تواجه خطرا محدقا لولا توقفه عن الإضراب عن الطعام بعد 30 يوما من إعلانه الإضراب، وقد تمكن الخواجه من خلال إضرابه الجريء من زيادة وتيرة الضغوط على البحرين، وتأكيدها دولة معادية لحقوق الإنسان وحرية التعبير.
وجاء اعتقال الخواجه البنت (مريم)، وهي دنماركية أيضا، في مطار البحرين الدولي، في نهاية أغسطس الماضي، ليزيد من تفاعل الدنماركيين مع بيت الخواجه. وتنتظر مريم محاكمة غير عادلة في حال عادت إلى وطنها البحرين بعد مغادرتها الجزيرة الصغيرة، إثر اعتقالها نحو عشرة أيّام بتهم مسيّسة، وتم الافراج عنها بناء على ضغوط دولية ساهم فيها رجب مساهمة مهمة.
ويمكن أن أضيف اسم زينب الخواجة أيضا، البحرينية الدنماركية، والتي اعتقلت مرات عدة، وواجهت قسوة غياب أبيها في السجن، وأختها الصغرى مريم خارج الوطن.
كل ذلك شكّل مادة خام متماسكة كي يتحدث رجب والفريق المتحالف معه (أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين (ADHRB) برئاسة حسين عبدالله، ومعهد البحرين للحقوق والديمقراطية (BIRD)، وأبرز وجوهه سيد أحمد الوداعي)، بلغة غير مترددة في اعتبار الجهات السياسية والأمنية في البحرين تفعل عكس ما تقول في مجال العدالة والمساواة والإصلاح السياسي.
ويعد حسين عبدالله أبرز الحقوقيين البحرينيين الداعين إلى تفعيل قوة الناخب الغربي في الضغط على حكوماته الديمقراطية، لتحسين الأوضاع الحقوقية في البحرين والدول الخليجية والدفع بمشاركة المواطنين في القرار السياسي. فيما يبرز اسم الوداعي كناشط مجتهد يسعى إلى تشكيل نواة لوبي بريطاني (حقوقي، اعلامي، برلماني) يساند المطلب الديمقراطي في جزر البحرين، ذات الاشعاع الخاص على الاقليم الخليجي الاستراتيجي.
ورغم أن النرويج لا تحتضن جالية بحرينية مؤثرة، ولا يوجد بين مواطنيها من هو معتقل في سجون المنامة التي تغص بالآلاف من الأبرياء، فإن تفاعلها مع نبيل رجب ونشاطه ينبع من كون مركز البحرين لحقوق الانسان الذي يرأسه رجب قد فاز بجائزة “رافتو” لحقوق الإنسان للعام 2013، والتي تمنحها المنظمة النرويجية للجهات الحقوقية.
وحدها استكهولم صمّت آذانها عن صرخة رجب المدوية، إذ ظلت تتعامل مع معتقل الضمير الشيخ محمد حبيب المقداد، الذي يحمل الجنسية السويدية، وكأنه سجين جنائي، لا يحتاج منافحة حقوقية وسياسية. ويرجّح أن صفقات السلاح السويدية مع السعودية ودول الخليج الأخرى عامل مؤثر في موقف السويد السلبي من القضية الحقوقية البحرينية الفاقعة.
من جانبها، تبنت سويسرا، في يونيو الماضي، بيانا وقعت عليه 47 دولة تندد بالبحرين، وتطالبها بتنفيذ 176 توصية أصدرها مجلس حقوق الإنسان في العام الماضي، وإلغاء العقوبات المتعقلة بحرية التعبير على الانترنت بما في ذلك تهم الإساءة للمؤسسات الرسمية، وهي التهمة التي بسببها اعتقل رجب مطلع الشهر الجاري.
إن ما يميّز رجب ليس لغته الصارمة فحسب، وإنما اشتغاله بقضايا البلد الكبرى والجوهرية، وأعني بذلك الديمقراطية في شكلها الدستوري وبعدها القيمي، وليس الانشغال برصد الانتهاكات فقط، التي هي أمر مهم وحيوي، لكنها تفقد الكثير من قيمتها إذا لم توضع في سياقها الأوسع لمشكل البحرين المتمثل في طغيان أسرة واحدة على القرار والثروة.
لذا، مخطئ من يظن أن رجب لم يتوقع اعتقاله بمجرد وصوله إلى وطنه البحرين، ذلك أنه حتى الفرد الذي لا يتابع اليوميات الحقوقية والسياسية والأمنية المتردية في المنامة يستطيع أن يقرر أن السلطات الخليفية اعتادت اتخاذ الإجراءات السلبية المؤدية إلى زيادة وتيرة الاحتقان في الجزيرة الصغيرة، فما بالكم بالناشط الدولي الذي يدرك أكثر من غيره أي نظام يُصارع، وأي وجع يسببه لآلة النظام، وأي ضربة موجعة يوجهها لجهود حفلات العلاقات العامة، راميا بأموالها في البحر.
لقد عاد رجب إلى بلاده المنهكة، ليقدّم أمثولة في النضال قلّ نظيرها، وليؤكد من جديد إيمانه الراسخ بأن النشاط الدولي لا يغني وليس بديلا عن العمل الداخلي الذي هو الأساس للتغيير، وإن حاجز الخوف كُسر، وان حبل الظلم قصير، ومسيرة الخلاص انطلقت ولن تتوقف حتى تصل إلى غاياتها في ترسيخ العدالة والمساواة.