لماذا يمتنع أمين عام "الوفاق" عن المشاركة في انتخابات 2014
يصعب على حكومة البحرين والغرب اقناع “الوفاق” (كبرى جمعيات المعارضة) بالمشاركة في الانتخابات النيابية المرتقبة قبل نهاية العام الجاري، لأسباب عدة. قائد المقاطعة هذه المرة أمين عام الوفاق ذاته الشيخ علي سلمان، الموصوف بالاعتدال، والذي قد يكون كفَر بإمكان قدرة “النظام الدستوري” القائم على إصلاح ذاته بذاته، وهي النظرية التي اختبرها سلمان بين 2006- 2010، في مجلس نيابي كان هو عضوا فيه، ولم يتمكن من تحقيق أي منجز حقيقي، لا بخصوص الإطاحة بالوزير المتشدد أحمد عطية الله، ولا بإحداث تغيير دستوري هش اقتُرح في نهاية عمر المجلس النيابي السابق، وهو التعديل الذي أُقرت بعض بنوده في مايو 2012، بعيد نحو عام من حدث 14 فبراير 2011 المدوي. (أنظر: البحرين: تعديلات دستورية هشة.. لا تجد صدى محليا او دوليا)
الجانب الأهم، في وجهة نظري، فيما يتعلق بالشيخ علي سلمان يتعلق بمقولات ومطالب أطلقها في 2011، تتلخص في التحول نحو المملكة الدستورية، بما هي حكومة منتخبة يتم تشكيلها من خلال البرلمان المنتخب، الأمر الذي يعني الإطاحة، أو وضع خطة عمل متفق عليها (جدول زمني/ تزمين الإصلاح)، من أجل الإطاحة بهيكلة الحكم الراهن، الذي تحتكره العائلة الخليفية الحاكمة، ويلعب فيه مجلس الشورى المعين دور المعطل لمجلس النواب المنتخب.
لم تكن مقولات سلمان تلك محسوبة على ما يوصف بالمجموعات الثورية في المعارضة، كي يمكن له بسهولة التخلي عنها، وهذه نقطة مركزية، أزعم أن كثيرين في الحكومة والغرب وفي الوفاق ذاتها لا يدركونها. فلم يُطلِق مطلب المملكة الدستورية الأستاذ عبدالوهاب حسين أو الأستاذ حسن مشيمع أو الدكتور سعيد الشهابي أو عبدالهادي الخواجه، هؤلاء كانوا أبعد من ذلك، وتحدثوا عن الغاء النظام الملكي والتحول نحو الجمهورية.
في 16 فبراير 2011، أي بعد نحو 24 ساعة من بدأ الاعتصام في دوار اللؤلؤة، عقدت المعارضة مؤتمرا صحافيا، شارك فيه سلمان وشريكه زعيم “وعد” إبراهيم شريف، وأعلن سلمان مطلب الحكومة المنتخبة، التي هي أصلا بند من بنود النظام الأساسي للوفاق، المعدل في 2008.
لقد تحولت مقولة المملكة الدستورية مطلبا رسميا للجمعيات المعارضة بشكل معلن، قبل نحو ثلاثة أسابيع من إعلان تحالف الجمهورية (7 مارس 2011). وقد تبلور المطلب الجمهوري، الذي لم نعد نسمعه كثيرا الآن، كصيغة أكثر وضوحا لمطلب “الشعب يريد اسقاط النظام” الذي رفع في دوار اللؤلؤة، ذلك أن المطالبة بالإسقاط لم تكن تطرح بديلا واضحا، أقصد لم تكن الإجابة واضحة قبل إعلان الجمهورية: ماذا بعد الإسقاط؟، وإن كانت فكرة “تقرير المصير” التي يرفعها الداعون للمطلب الاسقاطي تفتح الباب أمام صيغة الجمهورية أو أي صيغة أخرى تستبعد العائلة الحاكمة من سدة القرار.
في 2002 تبنى الشيخ علي سلمان فكرة المشاركة في المجلس النيابي. كان بإمكانه طرح مبررات كثيرة، منها أنّ ما يسميه البعض “خطأ التصويت بالإيجاب على الميثاق” لم يكن من صنعه، وأن الداعين للمقاطعة يريدون البناء على خطأ قاموا به للقيام بخطأ آخر.
حينها، كان الشيخ علي أكثر قدرة على التحلل من أي قضية مثيرة للجدل كان اتخذها قادة معارضين، كانوا يتصدون للعمل اليومي في 2001، وأبرزهم الشيخ عبدالأمير الجمري، والأستاذين حسين ومشيمع.
حاليا، سواء تم التنظير إلى مطلب الحكومة المنتخبة كخطة كانت أعدتها “الوفاق” من أجل إطلاقها قبل أن يفاجئها الربيع العربي، كما يقول بعض الوفاقيين، أو نظر إلى الحكومة المنتخبة على أنه مطلب منطقي وفقا للآمال التي بشر بها الربيع العربي في 2011، أو اعتُبر أقل من المنشود، كما يعتقد دعاة الاسقاط، أو اعتبر مغاليا، كما يعتقد البعض في داخل الوفاق وخارجها، فإن يصعب على أمين عام الوفاق التبرؤ من هكذا مطلب، بعد كل هذا العنف الرسمي غير المسبوق، والتضحيات الشعبية الكبيرة. وبالنسبة لشخصية معتزة بنفسها كالشيخ علي، (وتواضعها جم دون شك)، لا يمكنه بسهولة قبول المشاركة، ودفق ماء وجهه أمام جمهوره في قبال وعود حكومية سبق تجربتها، ويصعب الثقة بها.
الأسباب الأخرى التي تُصعّب الدفع بمقولات المشاركة هو هشاشة تموضع الداعين إليها داخل المنظومة الوفاقية، التي تضم مراكز قوى داخل الجمعية وخارجها لا يتبوأ فيها دعاة المشاركة مواقع مركزية. ففي 2006 كان الشيخ علي ندا للأستاذين حسين ومشيمع، حاليا لا توجد رؤوس قادرة على رفع الصوت بالمشاركة، وإذا فعلت فإنها تقوم بذلك همسا، أو من وراء حجاب، إلا ما ندر.
هذا لا يعني أن احتمالات انشقاق هؤلاء غير متوافرة، لكن لعل سيناريو انزواء الداعين للمشاركة أكثر ترجيحا، إلا إذا مضت السلطات في برنامج أكثر جدية لاستقطاب وفاقيي المشاركة.
يمكن الإشارة إلى عناصر أخرى، لعله يتوجب على أمين عام “الوفاق” مطالعتها وهو يمضي في قراره الحاسم بعدم المشاركة، من بينها الموقف الغربي، الذي قد نفرد له نقاشا آخر، لكن لعل أكبر ما يساعد الشيخ علي على المضي في برنامجه هو ذهنية الآلة الأمنية الخليفية، التي تصر على اختيار منهج العضلات في حل مشكل سياسي معقد.