البحرين اليوم – خاص
سجّل العام ٢٠١٦م الحصاد الكامل للصراع التاريخي بين آل خليفة والسكان الأصليين في البحرين. مع انقضاء هذا العام اتسع شقّ الانفصال “التام” بين الطرفين، وهو انفصال تأسس على تراكم لافت في “الوعي الثوري” رغم الاستنزاف الأمني وانهيار الأفق السياسي وشدة الحصار العسكري الخليفي على البلد، والذي اختصر العقل الاحتلالي لآل خليفة واندفاعهم الممنهج في إنجاز مشروعهم الحقيقي المتمثل في “إبادة السكان الأصليين” وتخريب كل معالم التاريخ الوطني والوجود الأصيل لهذه البلاد.
في هذا التقرير العام مرور على أهم المحطات والأحداث التي شهدتها الثورة في البحرين خلال العام ٢٠١٦م، مع قراءة تحليلية لأبعاد الأحداث وتداعياتها، إضافة إلى دلالاتها على طبيعة الصراع التاريخي في البلاد، والدروس المستفادة منها وكيفية التأسيس عليها في العام الجديد الذي يُتوقع أن يكون ساحة مكملة للاستهداف الخليفي، إلا أنه سيجد نفسه محاصرا بتراكم إضافي من الصمود الشعبي والحضور الثوري، فضلا عن الخسارة الإقليمية التي ستخلق عجزا جديدا في السلوك العداوني لآل خليفة وتجعله “فارغا” من المعنى وفقدان القدرة على تحقيق الأهداف المراد الوصول إليها.
قادمون يا سترة٢
اختتم البحرانيون العام ٢٠١٦م بنسخة ثانية من الفعالية الثورية التي حملت عنوان “قادمون يا سترة” والتي انطلقت في الأول من يناير من العام الجديد. حرص إئتلاف ١٤ فبراير – الداعي للفعالية – على تحشيد الدعوة لها، وبوسائل مختلفة، وشكل هذا النمط من الإعلان التعبوي جزءا مهما من العمل الثوري وإعادة تشبيك العقل الشعبي في الثورة، وهو ما وفرته التظاهرات الشعبية وبيانات المناطق والعمليات الميدانية التي حملت شعار الفعالية، وكانت جزءا أساسيا من التعبير المسبق عن الموقف الشعبي والشعارات التي يتمسك بها المواطنون. اكتسبت وسائل التحشيد أهميتها مع “عدم الشك” بلجوء الخليفيين إلى تنفيذ سياسات وإجراءات قمعية للحيولة دون التوافد الشعبي نحو منطقة سترة، إلا أن الإعلانات المؤيدة من مختلف المناطق أعطت رسالة واضحة بطبيعة الموقف الشعبي والالتزام العام بدعم الفعالية والتضامن معها. وهو ما انعكس في المقابل بمشاهد الحفاوة التي سجلها أهالي سترة للمواطنين التي توافدوا للمشاركة في الفعالية، حيث فُتحت المنازل، وأُقيمت موائد الغذاء الجماعية، وتم توفير كل مستلزمات الدعم المعنوي واللوجستي للفعالية والمشاركين فيها.
على هذا النحو، طبع المواطنون المشهد الخاص للعام ٢٠١٦م وعلى أرض سترة التي يعتبرها البحرانيون “عاصمة الثورة”. كان الحشد الشعبي في ساحات سترة، والصمود فيها على مدى أكثر من جولة ميدانية؛ متوازيا مع القمع العنيف للقوات الخليفية التي أغرقت المنطقة بالغازات السامة وبأسلحة القمع المختلفة. إلا أن ثبات المواطنين في الساحات نجح في تحقيق واحدة من أهداف الفعالية، وهو التمهيد للذكرى السادسة لثورة ١٤ فبراير، حيث تكررت ذات المشاهد التي حدثت قبل نحو ٦ سنوات، وتذكّر معها الجميع اللحظات الحاسمة للثورة.
تصعيد في وسائل القمع والاضطهاد
حفل العام ٢٠١٦م باستمرار آل خليفة في وسائل القمع التي شهدتها الأعوام السابقة، ولكن الخليفيين أبدوا تكثيفا في الحجم والعدد خلال العام المنصرم. الغازات السامة ظلت تلاحق التظاهرات التي لم تتوقف عن الخروج في مختلف مناطق البحرين، كما أن رصاص الشوزن ظل حاضرا في بعض المحطات التي كان يريد النظام فيها تسجيل إصابات خطيرة في صفوف المتظاهرين والمحتجين بقصد الانتقام ومحاولة توظيف لغة القتل الدموي. كما أن الاعتقالات والاستدعاءات والمداهمات للمنازل والبلدات لم تتوقف طيلة العام المنصرم، وكان واضحا أن كثيرا منها تمت استباقا للفعاليات الشعبية التي يتم الإعلان عنها، كما هو الحال مع استدعاء عدد من الناشطين وآباء الشهداء قبيل فعالية “قادمون يا سترة”.
كان الاختطاف القسري واحدا من الوسائل القمعية والترهيبة التي طبعت القمع الخليفي في العام الماضي. وشكلت حادثة اختطاف السيد علوي السيد حسين في أكتوبر ٢٠١٦م؛ أهم هذه الحالات التي تقاطع فيها عنصر الترهيب مع الابتزاز السياسي لأهالي الدراز. أما الحصار العسكري فكان أخطر وسائل القمع التي نفذها الخليفيون في العام ٢٠١٦م، وتحديدا ضد بلدة الدراز التي ظلت منذ يونيو ٢٠١٦ تعاني من تصعيد متتال في وسائل الحصار الخانق.
اعتصام الدراز وصمود الشيخ عيسى قاسم
يمكن القول بأن شهر يونيو من العام الماضي؛ هو مساحة الاختبار الأخيرة التي تحرك باتجاهها النظام الخليفي. ومن المتوقع أن تكون الأحداث التالية في العام الجديد استمرارا لتداعيات ما حصل ابتداءا من الشهر المذكور، حيث تم إغلاق جمعية الوفاق، والجمعيات الدينية البارزة (جمعية التوعية الإسلامية، جمعية الرسالة الإسلامية)، وجرى اعتقال الحقوقي البارز نبيل رجب الذي سيبقى اسمه وملف استهدافه محورا أساسيا
للحراك الدولي حول ملف البحرين. كل هذه الإجراءات القمعية كانت بمثابة “المقدمة” للإجراء الأكثر خطورة، وهو انتقال آل خليفة إلى “مرحلة جديدة” من استهداف آية الله الشيخ عيسى قاسم، وذلك بعد مراحل سابقة من الاستهداف المعنوي، والاتهامات المباشرة، والتحريض المنظم. على هذا النحو، أعلن النظام إسقاط الجنسية عن الشيخ قاسم، وجرت سلسلة المحاكمات ضده بتهمة تتعلق بأداء فريضة الخمس.
هذا الاستهداف “المتقدم” للشيخ قاسم شكل اختبارا للجميع. بالنسبة للشيخ قاسم، فقد أبدى الرجل التزاما فعليا بمواقفه المعهودة، ولم يقدم تنازلات أو تراجعات خشية من الاعتقال والترحيل القسري. واستمر كذلك في إصدار البيانات المعبرة عن مواقفه في مختلف القضايا، كما أكد على طبيعة الاستهداف ضده باعتباره “استهدافا للوجود والهوية والعقيدة”، وهو بذلك رفض الاعتراف بمحاكمته واعتبر المحكمة غير شرعية، ولم يبد أي لون من ألوان التعاطي معها. كان ذلك الموقف العملي للرؤية التي طالما عبر عنها الشيخ قاسم حيال الأوضاع السياسية المختلفة. وهو بذلك قدّم تحديا جديدا لم يقتصر على الموقف الرسمي، ولكن أيضا بالنسبة للذين ينظرون إليه باعتباره مرجعية سياسية ودينية لهم. فكيف كانت نتائج الاختبار والتحدي؟
شعبيا، لم يدخر المواطنون وسعا في التعبير عن التضامن مع الشيخ قاسم وإعلان النصرة له. لم يتم الاكتفاء بالاعتصام المفتوح حول منزله في بلدة الدراز، ولكن المواطنين أصروا أيضا على التظاهر اليومي في المناطق، وتنظيم تظاهرات مركزية حاشدة في الدراز وغيرها. وكان التصدي الشعبي للهجوم العسكري الخليفي على البلدة في ديسمبر ٢٠١٦م الاختبار الحقيقي للموقف الشعبي، حيث خرج المواطنون بالأكفان ولاحقوا المدرعات الخليفية وأجبروها على التقهقهر والخروج من البلدة. كذلك، وفرت قضية الشيخ قاسم موضوعا أساسيا لتلاق أكبر بين القوى والفصائل السياسية والثورية في البحرين، وبات هناك اشتراكا لافتا في الشعارات والرؤى بين مختلف الجماعات السياسية المؤثرة أو الفاعلة في المشهد السياسي والميداني بالبلاد. إلا أن ذلك لم يتم استثماره، حتى الآن، في خلق الأرضية العملية المشتركة بين هذه الجماعات وتوظيف ذلك لبناء كتلة موحدة تلبي طموح عموم المواطنين في توحيد المعارضة وتشكيل جبهة جامعة لها.
بالنسبة لعلماء الدين، فقد كان موقفهم متفاوتا مع قضية الشيخ قاسم، ففي حين أبدوا – في الإجمال – في أول الأمر تضامنا ميدانيا، وقاموا بقيادة الاعتصام في الدراز، ولبسوا الأكفان لمواجهة أي تهديد باقتحام الاعتصام واعتقال الشيخ قاسم، إلا أن هذا الحضور العلمائي أخذ يتراجع بعد اعتقال أبرز العلماء الذين قادوا الاعتصام واستدعاء عدد آخر منهم. وكان السيد مجيد المشعل – رئيس المجلس العلمائي – أبرز الشخصيات التي قدمت انسجاما بين موقفها المعلن والموقف العملي، وشكّل حضوره الميداني في الاعتصام وقيادته له؛ تتويجا لسيرته الثورية والمبدئية، وهو ما دفع النظام لاستهدافه بشكل خاص، والحكم عليه بأكثر من حكم جائر.
سياسيا، ظهر امتعاض ملموس في الأوساط العامة حيال غياب الموقف العملي للشخصيات السياسية المعارضة في الداخل إزاء قضية الشيخ قاسم واعتصام الدراز. هذا الامتعاض توجه على وجه الخصوص إلى سياسيي جمعية الوفاق في الداخل، والذين ارتأوا أن يكون حذرين في رسم موقفهم في هذا الموضوع. إلا أن الاستياء بين الناس أخذ وتيرة أكثر “وضوحا” بعد حادثة مشاركة قيادات من الجمعية في حفل أقامته السفارة الأمريكية في أحد الفنادق بالمنامة، بمناسبة الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وكان تعليق القيادي في الجمعية، السيد هادي الموسوي، للعلم الأمريكي على صدره؛ الخطوة التي فجرت “أشد” عبارات الاستنكار بين الناس. ولم تنفع التبريرات التي ذكرها بعض سياسيي الوفاق، ومنهم السيد جميل كاظم، في تهدئة الاحتناق، وتبين في نهاية المطاف أن هناك “خطأ” تم ارتكابه ولم يتم التراجع عنه أو تقديم الاعتذار.
منع السفر وسحب الجنسيات.. والانتقام المتواصل من السجناء
منذ شهر يونيو ٢٠١٦م، أخذت سياسة منع سفر النشطاء والإعلاميين تصاعدا من حيث الكم والنوع. وشملت هذه السياسة مختلف الحقوقيين وعددا من الناشطين في المجال الإعلامي والنقابي والقانوني. ورغم التنديدات الدولية، إلا أن هذه السياسة لم تتوقف، وظلت تلاحق الناشطين حتى نهاية العام. عبرت هذه السياسة عن انسداد الطريق في وجه النظام، وعدم رغبته في الحضور المعارض في الخارج، وخاصة في الفعاليات الدولية، كما جاء ذلك بالتلاقي مع النشاط الشعبي المعارض الذي لم يتوقف طيلة العام أو يتم الإجهاز النهائي عليه، فضلا عن النشاط المعارض في الخارج الذي لاحق الحاكم الخليفي حمد عيسى الخليفة أثناء زيارته إلى لندن في شهر مايو ٢٠١٦م. وقد كسب هذا النشاط الاحتجاجي مؤيدين من مختلف دول العالم، واستمرت المنظمات الأممية والحقوقية في إصدار التقارير المؤيدة للحراك الشعبي والرافضة للانتهاكات الخليفية.
أراد النظام تحويل البلاد إلى سجن كبير بعد اكتظاظ السجون بالمعتقلين والمحكومين، وكان منع سفر النشطاء جزءا من هذا المخطط واستكمالا له. المخطط أخذ طابعه العسكري مع استمرار عمل نقاط التفتيش وتنفيذ أكثر من حصار على البلدات، وعلى رأسه حصار الدراز.
وغير بعيد عن ذلك، واصلت المحاكم الخليفية طيلة العام المنصرم في عقد المحاكمات وإصدار الأحكام المغلظة، بما في ذلك تأييد أحكام الإعدام وسحب الجنسية. كذلك، استمرت محنة السجناء، وتكرر العمليات والإجراءات القمعية التي طالت الحريات الأساسية للمعتقلين، بما في ذلك حرية العقيدة والحق في العلاج. وكانت سلسلة الإضرابات التي أعلنها السجناء، وعملية الهروب التي سجلها سجناء جو في الأول من يناير من العام الجديد مؤشرا على إرادة التحدي التي لم تستطع تلك الإجراءات القضاء عليها.
في سياق الانتهاكات والإفلاس الداخلي، قام الخليفيون خلال العام المنصرم برفع وتيرة سحب الجنسية عن عدد من المواطنين والناشطين، وقامت بترحيلهم قسريا إلى بيروت وبغداد وطهران، كما رحل النظام قسرا الناشطة الحقوقية زينب الخواجة إلى الدنمارك بعد سلسلة من الاعتقالات والملاحقات طيلة السنوات الماضية.
في النشاط المعارض خارج البلاد، دخت الجالية البحرانية في العاصمة الألمانية برلين في وسط المعادلة، ونظمت العديد من الفعاليات والندوات واللقاءات، كما نفذت سلسلة من الاعتصامات والبرامج الاحتجاجية وبينها عند سفارتي آل سعود وآل خليفة، وبينها الفعالية الخاصة في ديسمبر 2016 بطبع صور ليزرية على مبنى السفارة الخليفية في برلين.
وبسبب هذا النشاط الصاعد، شنت الصحف الخليفية هجوما منظما على النشطاء البحرانيين في برلين، وحرضوا الحكومات الغربية على ملاحقة النشطاء، وهو ما عكس فاعلية النشاط المعارض في الخارج، وخاصة في أوروبا، وقدرته على محاصرة الخليفيين والتصدي للتضليل وحملات العلاقات العامة في الخارج. وكان نجاح النشطاء البحرانيين في تنفيذ الاعتصام بمدينة زيورخ السويسرية مؤشرا آخر على جدوى هذا النشاط حيث خسر سلمان الخليفية الفوز برئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، وهو نجاح تعاضد في تحقيقه النشاط الحقوقي الواسع الذي قادته منظمة “أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين” و”معهد البحرين للحقوق والديمقراطية”.
وعلى صلة بهذا النشاط الحقوقي البحراني، سجل المفوض السامي لحقوق الإنسان خلال العام الماضي انتقادات واضحة للنظام الخليفي، وبينه الانتقاد الذي وصف فيه المفوض إجراءات القمع الخليفية ب”سحق المعارضة”. وهو ما أثار غيظ الخليفيين، وبينهم وزير الخارجية الخليفي الذي شن هجوما على المفوضية واتهمها بالانحياز.
ولم يتوقف السلوك الاستفزازي على آل خليفة، حيث شارك آل سعود في هذه الحملة ضد النشاط الحقوقي البحراني، وهو ما ظهر مع اعتراض السفير السعودي في الأمم المتحدة بجنيف على مصور وكالة أنباء (البحرين اليوم) أثناء تصويره لاعتراض السفير على كلمة للنائب الكويتي السابق عبد الحميد دشتي.
شهداء العام ٢٠١٦م: عيد الشهداء
لم يخل العام المنصرم من سقوط شهداء جُدد أُضيفوا إلى قائمة شهداء الثورة، فقد قتل الخليفيون الشهيد حسن الحايكي الذي في أغسطس ٢٠١٦م تحت التعذيب داخل السجون الخليفية، كما قُتلت الشهيدة فخرية مسلم في يوليو من العام الماضي بالرصاص الحي بعد اعتراض سيارتها من جانب قوات خليفية كانت ترافق موكبا خليفيا في الشارع الرئيسي المؤدي إلى منطقة سترة. وفي أبريل ٢٠١٦م قتلت القوات الخليفية الشاب علي عبد الغني في بلدة شهركان أثناء ملاحقته.
وفي قائمة شهداء البحرين، انضم الشهيد علي محمود عبدالله إلى القافلة بعد قتله برصاص القوات السعودية في هجوم نفذته على بلدة العوامية في فبراير 2016م. والشهيد من أب بحراني مهجر، ورفض آل سعود تسليم جثمان الشهيد إمعانا في الانتقام من أهالي البلدة المعروفة باحتضانها للحراك المطلبي في القطيف.
جنائز الشهداء كانت ميدانا آخر لإثبات استمرار الثورة، وهو الأمر الذي جرى إظهاره بشكل واسع في الاحتفال السنوي بعيد الشهداء في ١٧ ديسمبر، والذي تواصلت فيها الفعاليات الشعبية والثورية المعتادة تمجيدا للشهداء ووفاءا للأهداف التي استشهدوا من أجلها. تمسك المواطنين وآباء الشهداء بهذه المناسبة، قدّم رسالة إضافية، ومتجددة، بعدم التهاون في حق القصاص من القتلة، كما شكل الاحتفاء الواسع بهذه المناسبة رسالة مباشرة إلى الخليفيين بعدم إمكان التعاطي معهم أو الاعتراف بوجودهم غير الشرعي حيث يحتلفون في اليوم نفسه بما وصفوه ب”عيد الجلوس”، ولاسيما مع إمعان آل خليفة في إظهار حربهم على المواطنين واستهدافهم والاستخاف بوجودهم وحقوقهم وتاريخهم في النضال. وهو ما ظهر هذا العام مع الاحتفال الخليفي بما يُسمى ب”يوم الشهيد” والذي أعلنه حمد الخليفة العام الماضي للاحتفال بالمرتزقة التابعين له والذين قُتلوا خلال العدوان على اليمن الذي تقوده السعودية منذ مارس ٢٠١٥م.
آل سعود وبريطانيا: الحماية الكاملة لآل خليفة
منذ ديسمبر ٢٠١٥م، وحتى نهاية هذا العام، أكد البريطانيون سياستهم المعروفة في حماية آل خليفة، والدفاع عنهم في وجه الانتقادات الدولية، وسجلوا خطوات عديدة تعبر عن الرغبة الأصيلة في حماية الخليفيين من الانهيار، وهي حماية كانت تعني في النتائج العملية الوقوف في وجه الثورة وأهدافها الديمقراطية. أخذ هذا الدور البريطاني مظهره البارز في الجانب الأمني، حيث وفر البريطانيون منظومات وخبرات أمنية لتعقب النشطاء وسلسلة من برامج التدريب للشرطة وللسجون، إلا أن تدشين القاعدة العسكرية البريطانية خلال العام المنصرم كان تتويجا لهذه الإستراتيجية الثابتة تجاه آل خليفة.
وتم التعبير عن هذه الإستراتيجية من جانب الأسرة الحاكمة والحكومة البريطانية على حد سواء. فقد زار ولي عهد بريطانيا تشارلز البحرين في نوفمبر ٢٠١٦م، وسط انتقادات حقوقية واسعة. والتقى تشارلز الخليفيين الذين أظهروا حفاوة “خاصة” للضيف الإنجليزي. وقد افتتح تشارلز خلال زيارته رسميا القاعدة البريطانية، وهو ما يؤكد التقارير التي تثبت علاقة الأسرة المالكة بتجارة الأسلحة وخاصة في الشرق الأوسط والخليج. وفي ديسمبر ٢٠١٦م، زارت رئيس الحكومة البريطانية، تيريزا ماي، البحرين أيضا وحضرت قمة مجلس التعاون الخليجي في المنامة، وكررت ماي أثناء الزيارة الموقف البريطاني الداعم لأمن الخليج، كما زارت القاعدة البريطانية التي زارها أيضا تشارلز.
الحضور البريطاني العسكري إلى الخليج، ومن بوابة البحرين، يختصر الرؤية التي ستبدأ بريطانيا في العمل بها إزاء الوضع العام في الخليج، بما في ذلك كيفية التعامل مع الحركات الشعبية المطالبة بالديمقراطية والتي تواجهها الحكومات بالقمع والاعتقال. كما يختصر هذا الحضور سياسة “النفاق” التي تطغى على الحكومات الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، في تعاملها مع ملف البحرين، بما يعني سقوط كل الرهانات والأوهام التي كانت تراهن عن إحداث تغير “إيجابي” في البحرين من خلال الضغط “الرسمي” الغربي.
وإذا كانت الولايات المتحدة في وضع يشير إلى إحداث أكثر من مراجعة على سياساتها في الشرق الأوسط والخليج، فإن البريطانيين عازمون على ملأ أي فراغ محتمل في حال وقوع “الاستدارة الأمريكية” في عهد الرئيس الجديد دونالد ترامب. وهو ما يعني أن “السوء” الذي يسود أوضاع حقوق الإنسان في البحرين والخليج، وطغيان الأنظمة الخليجية؛ سيتحول إلى ما هو “أسوأ” تحت الرعاية البريطانية.
يرتبط الموقف البريطاني “السلبي” و”المخجل”، بالموقف السعودي من البحرين. خلال العام ٢٠١٦م؛ لم يوفر السعوديون أية وسيلة من وسائل حماية أتباعهم الخليفيين في البحرين، كما أن آل خليفة وضعوا كل ما في أيديهم من “قمع وتبعية” في خدمة الهيمنة السعودية التي لم يعد لها أي حدود في البحرين.
في مقابل ذلك، استمر المواطنون والقوى الثورية المعارضة في تسجيل الموقف “الرافض” للبريطانيين والسعوديين. وفي المناسبات المختلفة التي جرت في العام المنصرم، خرج البحرانيون في تظاهرات رافضة للتدخل البريطاني، واعتبروه احتلالا جديدا للبحرين، وتم إحراق العلم البريطاني تعبيرا عن ذلك. إلا أن السياسيين المعارضين لم يسجلوا موقفا شبيها بذلك، وتم الاكتفاء بانتقادات “عفيفة” ومتقطعة، ونأوا عن تأسيس موقف نقدي مبرمج للسياسة البريطانية في البحرين.
وبشأن آل سعود، حفل العام المنصرم بحضور شعبي وثوري متواصل رافض للنظام السعودي، وخاصة بعد إعدام الشيخ نمر النمر في يناير ٢٠١٦م. وقد حرص البحرانيون، في الداخل والخارج، على إقامة مجالس التأبين وتنظيم التظاهرات الخاصة بالذكرى السنوية الأولى لاستشهاد الشيخ النمر، ورُفعت خلال ذلك الشعارات التي ترى في آل سعود “السبب الأساس” في استمرار الجرائم الخليفية وفي نشر الإرهاب والفتن الطائفية في البحرين والعالم. كما حرص المواطنون على تسجيل التضامن مع الحراك المطلبي في القطيف، ونصرة النشطاء هناك، وبينهم آية الله الشيخ حسين الراضي الذي اعتقله آل سعود في العام 2016 بعد تنديده العلني بجريمة إعدام الشيخ النمر، وخروجه عن الصمت وإعلان رفضه للسياسات السعودية العدوانية في الداخل والخارج.
خلاصات ونتائج ٢٠١٦م
مع بدء عام جديد في البحرين، واستعداد الثورة للاحتفال بعامها السادس، تبقى الصورة واضحة في نجاح البحرانيين “السياسي والأخلاقي” على كل القوات والجيوش الأجنبية التي توالت على البحرين بهدف القضاء على الثورة. ولم تنجح وسائل الإحباط والحروب النفسية وفقدان النصرة الإقليمية والدولية؛ في إجبار البحرانيين على التراجع أو القبول بأنصاف الحلول غير المنصفة، وباتت البحرين آخر نفائس “الربيع العربي” الذي جرى ابتلاعه واختطافه وتحويله إلى مستنقع للانتقام من الخروج على الأنظمة القمعية.
في المقابل، لم يحرز النظام أي انتصار حقيقي في حرب الوجود والهوية، وهو ما دفعه للبحث عن دعم إضافي من الدو
ل الأجنبية، بما في ذلك الكيان الصهيوني الذي عبر مسؤولوه عن دعمهن للنظام، كما كشفت تقارير ومراسلات مسربة عن مد تل أبيب يد العون لآل خليفة في مواجهة الثورة، في حين سارع الخليفيون في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، حيث تم الإعلان خلال العام الماضي عن استضافة النظام لكونغرس الفيفا بمشاركة الوفد الإسرائيلي، كما استضاف النظام قبل نهاية العام وفدا صهيونيا مرتبطا بحركة متطرفة وقام الوفد بالرقص عند باب البحرين وإنشاد كلمات صهيونية.
١- قلة عدد السكان في البحرين لم تؤثر في تحول ثورة ١٤ فبراير إلى نموذج ثوري متجدد بالإبداع والحيوية مع كل عام جديد. وكان الحراك الشعبي في الميادين، رغم وسائل القمع غير المحدودة والابتزاز المحلي والإقليمي والدولي، امتيازا خاصا لهذه الثورة التي انتصرت على “الصراخ في الظلام” وقدمت ما هو أكثر من رفض “الانحناء” رغم الجراح.
٢- ثبات قادة الثورة المعتقلين وفّر مؤونة معنوية وسياسية كبيرة، ليس في استمرار الحراك الشعبي فحسب، ولكن أيضا في تعزيز عناصر القوة وتجاوز عناصر الضعف الطبيعية التي تمر على الحراك المعارض. ولم يفلح النظام الخليفي في التأثير على بقاء الرمزية القيادية للقادة المعتقلين، وباءت بالفشل كلّ وسائله في ذلك، بما في ذلك البرنامج الذي أذاعته قناة العربية السعودية – بالتعاون مع المخابرات الخليفية – تحت اسم (صندوق فبراير) وأظهر عددا من القادة وهو يتحدثون في أحاديث جرى استقطاعها وفبركة محتوياتها. وكان صمود القادة في السجن، وانضمام الشيخ علي سلمان إليهم، واحدا من مصادر القوة في الحراك الشعبي حتى اليوم.
٣- اكتملت معادلة الانفصال بين آل خليفة والبحرانيين خلال العام ٢٠١٦م، واتضح أن الصراع القائم في البلاد هو صراع على “الوجود والهوية” وليس صراعا على مطالب سياسية أو تحسينات في الوضع الحقوقي. وفي هذه المعادلة، تأكدت الرؤية التي ذهبت إلى أن مشروع الخليفيين الحقيقي يتركز على اقتلاع وجود السكان الأصليين، وتخريب هويتهم وتاريخهم الأصيل، في مقابل استزراع وجود وتاريخ مفبرك. وخلال العام المنصرم برزت العديد من المواقف العلنية لآل خليفة تؤكد النزوع التكفيري ضد المواطنين، وبينه التصريح الذي صدر عن وزير الداخلية الخليفي الذي وصف مذهب التشيع ب”الابتداع”.
٤- نجح البحرانيون في الاستمرار بنجاحهم الأول المتمثل في إفشال حرف الثورة إلى دائرة “الثورات المضادة” التي قادتها السعودية. فقد وقف المواطنون في وجه المشروع الطائفي، وعملوا كل ما بوسعهم في سبيل ذلك، كما فعل المعارض البارز إبراهيم شريف ورفاقه مع زيارة المآتم الحسينية خلال موسم عاشوراء ٢٠١٦م. ورغم الاضطهاد الطائفي المتواصل، وتجرؤ أفراد من الخليفيين في التعدي العلني على عقائد المواطنين وأئمتهم، إلا أن ذلك لم يوقع البحرانيين في المستنقع المذهبي واستدراجهم إلى البقع السوداء التي وقعت فيها بقية الثورات العربية.
٥- وظفت الثورة في البحرين خلال العام ٢٠١٦م كل وسائل المقاومة المدنية: التظاهرات، الإضرابات، التحدي الميداني والتصدي الثوري. وأدخل هذا التنوع قدرة حميدة – واستثنائية – في ثورة البحرين على مزج الشعبي بالثوري، والتظاهر السلمي بالمقاومة المشروعة. وهي تركيبة في النضال الشعبي امتازت بالتوازن والدقة والمرونة اللافتة.
٦- أخفق آل سعود في الهيمنة المطلقة على البحرين، كما أنهم فشلوا في استعمال ملف البحرين في الصراع والحروب الإقليمية التي تورطوا فيها. وكانت الهزائم الإقليمية التي مُني بها آل سعود في العام ٢٠١٦م (في العراق، اليمن، سوريا، لبنان، مصر، وغيرها)؛ استكمالا لهزيمتهم المستمرة في البحرين.