تدمير مملكة الصمت والموت: أفق الحل في البحرين
البحرين اليوم – (خاص)
تستعد القوى السياسية المعارضة في البحرين للدخول في عامها السابع منذ انطلاق ثورة ١٤ فبراير ٢٠١١، رغم انتهاء موجة “الربيع العربي” في أغلب الدول العربية التي ثارت مجتمعاتها على أنظمتها التسلطية رغبةً في التحرر وبناء الدولة الحديثة وإنهاء حالات التسلط السياسي والديكتاتورية. ومنذ البداية، يجب الاعتراف بإن بقاء القوى السياسية والثورية المعارضة البحرانية في المشهد السياسي والميداني؛ يعطي دلالة قوية على استقلالية الربيع البحراني من جهة، وتأصُّل المطالب أو الأهداف السياسية والاجتماعية من جهة أخرى.
بعد سبع سنوات تزداد المحنة على المؤمنين بعدالة قضيتهم، ويزيد النظام من قمعه وبشطه، ويكاد يتفق أغلب المراقبين على أن العام الفائت (٢٠١٧) مثّلَ أقسى مرحلة فعلية مرت بها الثورة في البحرين، إذ شهد هذا العام تطورات مهمة ومعقدة، منها عودة صلاحيات جهاز الأمن الوطني التي سُحبت منه شكليا وقانونيا بعد تقرير لجنة تقصى الحقائق (بسيوني)، إلا أن تلك الصلاحيات عادت وبشكل أقوى وبميزانية أوسع، وبالتالي كان جهاز الأمن الوطني يسرح ويمرح كما كان في فترة فرض الأحكام العرفية، وكانت نتائج ذلك فظاعات كبيرة لم تشهدها البحرين خلال السنوات الست الماضية. ترافق هذا الغطاء الأمني المعطى لجهاز الامن الوطني مع “عودة قذرة” للحكم العسكري ودفائنه الانتقامية، فتم تعديل “الدستور” ليسمح للقضاء العسكري بمقاضاة المدنيين تحت حجة الإرهاب وغيرها.
بطبيعة الحال لا يشكل منهج القمع جديدا على الساحة البحرانية، إلا أن جدول المهام التي كانت على عاتق العسكر والاستخبارات كانت واسعة، فأُخليت الساحة من كل القيادات السياسية والنشطاء، ومن كل المؤسسات الفاعلة، سواء كانت مدنية أو سياسية، كما عُطلت كل وسائل الإعلام المستقلة، كما في إغلاق صحيفة “الوسط”، أو فرض تدابير صارمة على وسائل الاتصال الاجتماعية، فإضافة للخوف والرعب أصبحت البحرين “مملكة” توصم بمملكة الصمت والموت.
الحدث الذي يلي القمع والإرهاب هو إفلاس الدولة وقيامهم بفرض جبايات غير منطقية على المواطنين، مقابل ضمان تدفق سيولة الأموال للعائلة الحاكمة وتمتُّع أفرادها بكافة الامتيازات الاقتصادية، وتحويل مدخراتهم إلى الخارج، في الوقت الذي يُنذر الوضع الاقتصادي بالإفلاس الحقيقي لمعظم أفراد الطبقة الوسطى والطبقة الفقيرة التي تشكل أكثر من ثلث المواطنين.
في الوضع الإقليمي والخارجي؛ لم تكن الأوضاع مؤاتية كثيرا للثورة في البحرين، حيث تحولت البحرين بفعل بيع السيادة إلى “دكان” من دكاكين دولة الإمارات المنتشرة في العالم العربي، وأصبح وضع البحرين الداخلي يدار بمعرفة وموافقة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، بعد أن كان في يد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. عملية البيع والشراء تمت بموافقة أمريكية واضحة أقرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مؤتمر الرياض (مايو ٢٠١٧) مقابل صفقات أسلحة بعشرات المليارات.
هذه التحديات تمثل واجهة الاستقبال الجديد للثورة في عامها السابع، وهي كما يبدو تحديات خطيرة، ومن المهم أن تكون محل عناية قوى المعارضة، بتقديم مواقف سياسية واضحة في شأنها، إلى جانب خطوات عملية تقلل من الآثار التدميرية لتك التحديات.
التقديرات التي تجمعت خلال الفترة السابقة؛ تؤكد على ضرورة أن تكون هناك مساحة واسعة من التكامل بين قوى المعارضة، وأن تضع نصب أعينها المسألة الوطنية قبل المسألة الحزبية، بل إن عليها أن تتقن فنون الاستماع الجيد لرسائل النظام الرئيسية، والتي تؤكد على أن الاستهداف لن يستثني أحدا. فالجميع بات في مرامى الاستهداف السياسي.
إن المهمة الوطنية الملقاة على عاتق القوى السياسية المعارضة تتمثل في ثلاث مستويات أساسية، هي:
– المستوى الأول: تقريب وتوحيد رؤية القوى المعارضة ووضع إستراتيجيات واضحة للعمل السياسي.
– المستوى الثاني: تدمير أطر “مملكة الصمت والموت” ومنع بناء جدار الخوف من جديد.
– المستوى الثالث: السعي الحثيث لإعادة الاعتبار السياسي لقضية شعب البحرين وتلافي الإنجراف في المسارات الجانبية الأخرى.
قد تكون هذه المهام عمومية جدا، لكنها تمثل تطلعات الشعب الموجوع في الداخل والذي يتطلع إلى غد مشرق.. تطلعات شعب يواجه الموت يوميا بأحكام الإعدام العسكرية والقضاء المنحرف أخلاقيا.