بانوراما: كيف هو حال ميادين البحرين وساحاتها.. بعد الحكم الصادر ضد الشيخ عيسى قاسم؟
المنامة – البحرين اليوم
يفضل البحرانيون أن يقولوا كلمتهم الأولى والأخيرة في المكان المحبَّب إليهم: الساحات والميادين. هناك الكثير من الإباء الذي لا تستطيع الكلمات أن تقوله كاملاً، أو بالوضوح الذي يوازى المعنى الذي يفعله الناس على الأرض. لهذا السّبب، فإن الذين يبحثون عن موقف الناس بعد صدور الحكم ضد آية الله الشيخ عيسى قاسم يوم أمس الأحد، ٢١ مايو، سيجدون الإجابة “الوافية” في الصور التي تنطق بكل اللغات، وتُفصح عن كل المعاني التي يُراد إبلاغها.
منذ أمس، وحتى اليوم الاثنين، لم يهدأ الناس، ولم تتوقف الحناجر، والأكفان لا تزال جاهزة على الأكتاف. القمع بالغازات وإسالة الدماء برصاص الشوزن لم يغيّر من الوثوق الذي يُسبِّح باسم قبضات البحرانيين. طرقات الدراز المحاصرة لم تتوقف عن استقبال الأقدام التي تنطلق من موقع الاعتصام المفتوح، والذي يستعصي على أيّ كان أن يجعله “في خبر كان” أو يُقنع المرابطين بفضّه مادام ثمّة “خسّة” مؤكدة لدى آل خليفة بارتكاب الغدر، وهم أصحاب تاريخ أسود في ذلك.
البلدات على عادتها. نويدرات تصرّ على تسجيل احتجاجها الثوري، ولا يُرهقها مواصلة حمْل عبء البدايات الكبرى: ابتداءاً من فجر ١٤ فبراير، وليس انتهاء بذلك اليوم العظيم الذي يُؤرّخ باسم “راية العز”.. حيث لا يزال أبناء “البصيرة” على عهْد إشعال الاشتباك في وجه قوات المرتزقة التي تُحاصر، بعبثية مطلقة، مدخل البلدة دون انقطاع. في العكر والمعامير هناك ما يُشبه “صلاة الصمود” التي لا يملّ الشبان من تأديتها، وبخشوع خاص لا يجيده إلا أولئك الذين هزئوا بـ”الاحتلال”، وجعلوا مرتزقة آخر الزّمان سخريةً أمام الناظرين. أمّا سترة، فحكايتها لا تنتهي. هي عاصمة الثورة، وخزّان الشهداء، ومحراب المقاومين الذين لا يعرفون خذلانا للرفاق والأحبة. سيرةٌ تمتد حوالي هذه البلدات، وتسري إلى العروق والعيون والسماوات وإلى بقية الأخوات الصابرات من بلدات أوال.
لا شيء في كرزكان أو دمستان أو شهركان أو صدد أو المالكية ما يستدعي تغيير الإمضاء على ورقة الرهان على هذا الشعب. والحال في عالي وإسكانها، وبوري وضواحيها، لا يختلف عن الحال في تلك الأضوية الوسطى التي تشعّ من توبلي أو جدعلي أو ما هو أبعد أو أقرب إلى البلاد القديم التي تُخبرنا عن شُعلة لا تنطفيء في شارع التحرير أو شارع ١٤ فبراير أو في “خط النار” الذي يفتح عنفوانه على مثلث الصمود، حيث الثورة والشهادة وما بينهما من بطولات فاضت في كلّ الجهات. من هذه الزّواية؛ لا تخطيء المنامةَ ونعيمها والخيوط المتصلة بها. فهناك عزائم لا تذوب، وأياد لا تصمت عن فرْك الرمال وتحريك الحجارة وإدارة مركز هبوب الرياح.
..وعودة إلى حيث شارع الشهداء، فإنّ لمعةَ مصطفى حمدان تمتدُّ بلا فتور من كرباباد حتّى الدّراز – منبع الضياء ومنزل الأنيس وحبيب العاشقين الأكبر. لا يستريح شابٌّ في كرانة إلا ليأخذ آخر الدور في أبوصيبع والشاخورة، هذين التوأمين اللذين يرسمان كلّ ليلة لوحةً تتطاير منها ألوانٌ تُشبه الفجر الذي يغازل شمساً تستّرت خلف غربال هزيل. النخيل الممتد على شارع ٩ مارس لا يتوقف عن التمدُّد والعلوّ والرسوخ في الأرض: يُحاصر المرتزقة، ويسخر من الأقزام الذين يتساقطون من أوْل اختبار، ويعطي درس الأصالة في أوقات حرب الوجود التي لم تهدأ حتى الساعة.
ذهاباً أو إياباً، قبل ٢١ مايو أو بعده.. ليس ها هنا غير ساحاتٍ للفداء وميادين للمقاومة. لم يتغيّر شيء. بل.. تغيّرت أشياء! تغيّرت بزيادةٍ في الإباء، وصعودٍ في الصمود، ووثوق بالنصر.
أما اعتصام الدراز، فيقول أهلُ النخوة والشهامة بأن الاعتصام اليوم الاثنين، ٢٢ مايو ٢٠١٧م، يدخل يومه السابع والثلاثين بعد الثلاثمائة، وأنّ على الجميع أن يواصل العدَّ والجمْعَ، لأنّ العدِّة لم تنقطع، والزادَ الذي يكفي الجموعَ إلى ما لا نهاية.. لا ينتهي.