العائلة الفاشلة في البحرين: صناعة الجهلة.. وتمكين المرتزقة
البحرين اليوم – (خاص)
تابع المواطنون – أو العدد القليل منهم – الجلسة الأخيرة لمجلس النواب في البحرين التي خصصها لإلقاء خطابات الكراهية والتحريض ضد الشيعة. ومن بوابة الهجوم على إيران. وكان المجلس – الذي تقاطعه المعارضة وينتمي كل أعضائه لموالاة الحكومة – قد خصّص جلسة يوم الثلاثاء ١٤ نوفمبر ٢٠١٧ لمناقشة حريق انبوب النفط قرب بلدة بوري، وسط البلاد. وسرعان ما تحولت الجلسة إلى استعراض “باهت” لقدرات “البلاغة الغبية” للنواب، وانقلب “البرلمان” إلى “حفلة زار” ذكّرت البحرانيين بحفلات الزار التي كانت تستمر في الانعقاد فترة فرض أحكام الطوارئ في ٢٠١١م، وقد استعمل المواطنون على الدوام ما يدور في “البرلمان” مادةً لإنتاج العديد من النكات على أعضائه الذين تبارزوا في إظهار جهلهم وتبعيتهم العمياء للنظام.
من بين هؤلاء، كان “النائب” حمد الدوسري الذي قرأ بيانا مُستعارا من وزارة الداخلية، ثم سرعان من وقعَ في الإسفاف والجهل بالتاريخ والعقيدة، وقادَه “التبرُّز” بالولاء الغبي إلى أن يعود إلى جذره “التاريخي الطاريء” على البحرين، وأن يُمارس ما يُسمّيه عالم النفس الشهير سجموند فرويد بـ”الإسقاط”. فادعى الدوسري بأن التدخلات الإيرانية في البحرين تعود إلى أكثر من ١٥٠ عاما، “منذ تأسيس ولاية الفقيه”، بحسب قوله. سارع المدونون الساخرون إلى تذكير “النائب” بأن عمر الثورة الإسلامية في إيران و”نظام ولاية الفقيه”؛ لا يتجاوز ٣٨ عاما. في حين أن “١٥٠ عاما” التي أشار إليها؛ هي تاريخ قدوم قبيلة الدواسر إلى البحرين، واحتلالها لقرية البديع والزلاق، وسيطرتهم – بالتعاون مع عائلة آل خليفة – على أغلب سفن الغوص، وما تخلل ذلك من اضطهاد الغواصين الشيعة وقتها.
غفل “النائب” الدوسري، وهو تحت تأثير “سكرة الهزّ والتطبيل”؛ عن علاقة عائلته المزدوجة، وخيانتهم حتى لولي نعمتهم الحاكم عيسى بن علي ونجله حمد بن عيسى عندما تحالفوا مع عبد العزيز بن سعود لقلب نظام الحكم في البحرين، واستمعوا كثييرا لنصائحه بالتمرد على القوانين الموحدة، وعلى قوانين إلغاء الاضطهاد السياسي والضرائبي المفروض على الشيعة، فكانت قبيلة الدواسر من أشد المعارضين لتوحيد القانون على جميع أفراد الشعب آنذاك، وعارضت بضراوة القبيلة دفع الضرائب، حالها حال بقية المواطنين.
لن نخوض، الآن، في هجمات أفراد بعض قبيلته على القرى، وقتلهم العديد من المواطنين، ولن نفتح تاريخ مصادرتهم لسفن الغوص والصيد التابعة لبعض أهالي القرى. فذلك سجل سيأتي الزمن لفتحه مفصّلا، وإعادة الاعتبار للمظلومين والشهداء من أبناء هذه البلاد.
نعود إلى عمالة قبليته لابن سعود، حيث التقى بهم في الدمام قبل تأسيسها، وطلب منهم الاعتراض على مساواة الشيعة بالآخرين، وفي حالة عدم الموافقة فإن عليهم أن يغادروا البحرين، على أن يتعهد ابن سعود بتوفير مكان إقامتهم في الدمام، لإعدادهم للهجوم لاحقا على البحرين، واستلام الحكم فيها، بدلا من آل خليفة.
وشاءت الأقدار أن يكون ابن سعود مرتبطا ببريطانيا أكثر من ارتباطه بالدواسر، فخضع لتوجيهات بريطانيا في المنطقة، وترك قبيلة الدواسر يعانون الجوع والبرد والعراء في سواحل الدمام، حتى ضجّ أفراد الدواسر، وطلبوا الصفح والرحمة للعودة إلى البحرين.
سيقول “النائب” الدوسري إن ذلك مجرد تهجّم وافتراء عليه، وكذب وتزوير لسجل قبيلته الطارئة على البحرين. ولكن الوثائق خير حكَم وميزان هنا. الأرشيف البريطاني وثّق كل حركات الدواسر والأعمال التي قامت بها في البحرين منذ قدومهم أرض البحرين في ١٨٤٧، وكيف أن الحاكم عيسى بن علي سهّل أمور الغوص عليهم، ورفع عنهم الضرائب التي كانت تُؤخذ على سفن الغوص الأخرى، وكيف تم توطينهم في البديع والزلاق.
هذا التاريخ الممتد منذ ١٧٠ و١٥٠ سنة هو سجل ضخم وكافٍ لأن ينقش مفهوما اجتماعيا جديدا اسمه: “العائلة الفاشلة” بدلا من الدولة الفاشلة. فعائلة آل خليفة التي استوطنت واحتلت البحرين في ١٧٨٣ فشلت فشلا ذريعا في تأسيس دولة حديثة تقوم على مفاهيم المواطنية، وارتضت أن تكون عائلة حاكمة تدير مغانم كثيرة وخيرات مسلوبة من أهلها. هذا الفشل امتد أيضا إلى اختيار الحلفاء، مثل الدواسر والنعيم وغيرهم. وأقصى ما يتم النجاح فيه هو صناعة الجهلة وتمكين المرتزقة كأسلوب وخيار وحيد تتقنه العائلة الحاكمة، وعلى النحو الذي يتجلى في حفلات الزار والغباء المدوّية تحت سقف برلمان “المجانين” اليوم.