الشخصية التدميرية: تحليل في خطاب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان
البحرين اليوم – (خاص)
تلقت الأوساط الغربية، وقبلها العربية، تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حول “الإسلام المعتدل” بارتياح كبير، ليس تصديقا لكلامه أو اطمئنانا للمسار الذي سوف يسير عليه، ولكن هناك أمورا أخرى كانت وراء هذا التعاطي “الإيجابي”.
فقد اعتبرت تلك التصريحات بمثابة رفع الغطاء السياسي بالكامل عن قوى التطرف الديني أولا، وتحجيم القوة الدينية التي تشكل العصب الثاني في الدولة السعودية. في كل الأحوال، فإن تصريحات ولي العهد السعودي كانت تناقض نفسها بنفسها، وتعتمد أسلوب “التضليل” باستخدام الوهج الإعلامي الذي يضخ آل سعود الملايين من أجله.
حديث ابن سلمان عن بدايات التطرف ونشؤ الفكر التكفيري وحصره له ابتداءا في سنة ١٩٧٩م؛ يكشف عن حجم المغالطة الذي يحاول تمريرها الشّاب الذي لم يُعرَف عنه شيء قبل أن يقفز إلى قاب قوس أو أدنى من العرش السعودي. فكتب التاريخ السعودي التي كُتبت قبل ولادة ابن سلمان (مواليد ١٩٨٥) تؤكد النزعة التدميرية التي حملها أسلافه، كما تحتوي تلك الكتب على طبيعة الحروب العسكرية والمسار التكفيري الذي حمله المحاربون من جماعة محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب، مؤسس الفكر الوهابي. وإذا كان محمد بن سلمان يحاول بطريقة ما أن يُظهر نفسه مفكرا ومؤرخا – بفضل العتاد الإعلامي والسطوة الغاشمة – فلن يكون باستطاعته ذلك إلا بعد أن يصادر كل وثائق التاريخ من جهة، وأن يولي وجهه شطر “الجيش الضخم” من الدعاة التفكيرين الذين لا يزالون يحظون برعاية رسمية من الدولة السعودية، ويشكلون حتى اليوم القوة الناعمة للسعودية في جميع دول العالم.
شخصية بن سلمان المضطربة
المراقبون يشككون في مصداقية هذه التصريحات والأغراض التي تنطوي عليها، فهي ليست المرة الأولى التي يظهر فيها ولي العهد السعودي بتصريحات نارية وصاخبة، وكان أولها إعلانه الحرب على اليمن بعد شهرين من تولي أبيه سدة المُلك في السعودية. وكان ابن سلمان قد أطلق قبل مدة تصريحات نارية أخرى تخص إيران، زاعماً أنه بصدد نقل الحرب إلى الساحة الإيرانية، لأن السعودية لا يمكنها أن تتعامل مع دولة تمهد لظهور “المهدي”، بحسب تعبيره. وتصريحه بخصوص كبح القوى الدينية غير المعتدلة ومحاربتها، تأتي في السياق نفسه. فالغرض الأساسي من هذه التصريحات هو الظهور بمظهر “الرجل القوي” و”المنقذ الوحيد” في السعودية. وهو محق في ذلك بعض الشيء، إلا أن المواضيع التي هو بصدد الإنتهاء منها؛ هي أكبر منه بطبيعتها أولا، وأكبر من حجمه السياسي ثانيا.
توحش الآلة السياسية
“الإسلام الوهابي” الذي تأسست عليه الدولة السعودية منذ القرن الثامن عشر؛ توسّع وتخضم بصورة لم يفوق احتياجات الدولة السعودية، وأصبح هذا “الإسلام” المتطرف قوة تدميرية تكفيرية لا تتردد في تكفير الدولة السعودية نفسها. وهنا يمكن التقاط إحدى معالم شخصية ولي العهد السعودي، وهي تمثله لشخصية مؤسس الدولة السعودية الثالثة، عبدالعزيز بن سعود، الذي واجه حركة “الإخوان” الوهابية في عشرينات القرن الماضي بعد أن استخدمهم في حروبه المتواصلة، واستطاع من خلالهم، ومن خلال قوتهم وبشطهم الديني والاجتماعي؛ من السيطرة على الرياض والأحساء والحجاز، ثم انقلب عليهم عندما كانوا يجبرونه على التمدُّد خارج حدود السعودية المعروفة، في الوقت الذي يعرف أن تلك الانتصارات العسكرية قد حدثت بالفعل نتيجة قوة الإرهاب لدى حركة “الإخوان”؛ إلا أن العنصر الفاعل والأساسي هو الرغبة البريطانية في تنصبيه ملكا على المنطقة، مع ضمان الممالك المجاورة.
ما يحدث اليوم بعد “داعش” هو عينه الذي كان يحدث بين عبدالعزيز بن سعود و”الإخوان” آنذاك، مع اختلاف في الشخوص وتطابق في الموقف والأيديولوجيا. فهناك قدر كبير من التوحُّش يجمع الجلاد والضحية في علاقة الدولة السعودية وخزانها البشري من التكفيريين والإسلام الوهابي. فكلاهما متوحش بطبعه، وكلاهما يسعى لأن تكون قبضته هي القابضة على ثروات الأرض ومقدرات الأمة.