“الدلاعة السياسة” كما يظهرها ناصر حمد
البحرين اليوم – (خاص)
تحيل المعاجم كلمة “دليع” إلى دلَّعَ يُدلِّع، تدليعاً، فهو مُدَلِّع، والمفعول مُدَلَّع. فدلَّعَ الأب ابنَه، أي استرخى في تربيته وتأديبه. والتعريف المبسط للدلال أو التدليع هو التعامل مع المدلل بدرجة مفرطة أو سخيفة من التساهل والاهتمام الزائد غير المبرر.
عند محاولة استنطاق سلوكيات ناصر حمد الخليفة – نجل الحاكم الخليفي – سنجد أن هناك شبه إجماع على أنه يمثل نموذجا قويا للدلع الزائد والتساهل في التربية التي تربى عليها. فالجميع يعرف أن طلبات ناصر حمد مستجابة حتما من قبل والده حمد، حتى ولو كان ذلك على حساب الناس الآخرين، أو خزينة الدولة، بل حتى على حساب أخوته، بمن فيهم أخوه الأكبر سلمان، ولي العهد الخليفي. مناسبة هذا الكلام ليست لشرح طرق التربية التي تربى عليها ناصر حمد وأخوته، وليس الحديث هنا عن الحوادث التي تؤيد توصيف ناصر حمد بأنه “دلوعة بابا”، بالتعبير المصري، فالمناسبة التي يُقال فيها هذا الكلام هو محاولة ناصر الأخيرة للظهور بمظهر “السياسي”، بعد أن استنفذ ظهوره باعتباره “معجزة” عصره، والبطل الخارق في كل ألعاب القوى والرياضة.
لتنذكر أن ناصر حمد ومنذ أن أولاه أبوه عناية خاصة بعد وفاة شقيقه فيصل في يناير ٢٠٠٦م؛ تزايدت حدة الدلع الذي يظهره وما يحظى به من عناية من جانب والده، ونتيجة لذلك الدلع الكبير أصبح ناصر يرى في نفسه شخصيات خارقة متعددة، اجتمعت كلها فيه! فهو قدوة الشباب، وهو أكبر الشعراء، وهو الرجل الحديدي، وهو السبّاح الماهر، وهو العسكري المقدام.. إلى غيرها من الشخصيات التي قلّ أن يجتمع نصفها في أكبر شخصية تاريخية، لكنها وبحكم الدلال والغنج والتدليع تجتمع في شخصية واحدة، هي شخصية “نصوّر” المعجزة.
ناصر.. ومحمد فلامرزي
قبل حوالي الشهر؛ أثارت وسائل التواصل الاجتماعي قصة بائع الأسماك الذي عرف بمحمد فلامرزي، وتحدث بعض نواب البرلمان الخليفي عن قصته، حيث طالب عادل العسومي رئيس الوزراء بالتدخل الشخصي لحل مسألته، وهذا أول خيط سنمسكه في مسألة “الدليع ناصر”. فقصة محمد فلامرزي هي واحدة من مئات القصص التي يعاني منها الشباب البحراني، سواء في قطاع العمل الحر أو في البحث عن عمل، أو غيرها من القضايا المعيشية التي يعاني منها أبناء الشعب كافة، والتي سببها الأول والأخير الاستفراد في توزيع الثروات الوطنية من قبل سدنة الديوان الملكي من جهة، ومن جهة أخرى تسخير موازنة الدولة لشهوات ورغبات وهويات الأبناء المدليين للحاكم حمد عيسى.
بعد شهر من إثارة القصة ومطالبة العسومي رئيس الوزراء بالتدخل؛ ظهر الدليع ناصر حمد في مقطع مع فلامرزي وهو يقدِّم له عدة عروض، من بينها استخراج سجلات تجارية له ومنحه مكانا لبيع أسماكه في متاجر “اللؤلؤ” ماركت! والملفت هنا أن ناصر يدعي أن كل ذلك كان عبارة عن هدية من والده حمد عيسى إلى فلامرزي، ولكن الواقع أن ذلك كان محاولة واضحة للاستحواذ على الرأي العام، والظهور بمظهر “سياسي” جديد يُضاف إلى المظاهر الأخرى التي ظهر بها ناصر سابقا. فكل المشاهد والحوادث التي يظهر بها ناصر حمد هي في النهاية مظاهر بذخ مالي، وشراء ذمم من خلال الأموال العامة وخزينة الدولة التي يستولي عليها الديوان الملكي في الأساس.
المتابعون لنشاط ناصر حمد يرون في ذلك دعاية سياسية سمجة، ومحاولة لـ”تطهير” صورة والده بعد أن أصبحت صورته سيئة للغاية، وفي الحضيض، خصوصا بعد مواقف وزير الخارجية الخليفي في قضية فلسطين والاعتراف بالكيان الصهيوني وحقه في الدفاع عن نفسه. وكان “المشير”، القائد العام لما يُسمى بقوة الدفاع، قد سعى لـ”تطهير” صورة حمد عيسى بعد صدور أحكام في محكمة عسكرية بالإعدام على ستة مواطنين على خلفية قضية وهمية لم تحدث أساسا، وهي التخطيط لاغتيال “المشير”.
أما الواقع؛ فإن سلوكيات ناصر حمد تعتبر نموذجا لما يمكن تعريفه بـ”الدلاعة السياسية” والتي هي عبارة عن الاستثمار في معاناة الناس رغبةً في الظهور والتوظيف السياسي، ومن خلال الأموال العامة والتساهل المريب في التربية.