الباحث نوار قسومة لـ(البحرين اليوم): بريطانيا تأوي معارضين لحلفائها لمراقبتهم أو استخدامهم.. وأمريكا اللاعب الأكبر في السعودية (١-٢)
البحرين اليوم – (خاص)
يسلط الباحث السياسي في جامعة لانكاستر بلندن نوار قسومة الضوء على بعض أجزاء التداخل الاستخباراتي الغربي في الأنظمة العربية، ويؤكد في مقابلة خص بها البحرين اليوم” أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قدّم “الكثير” للإدارة الأمريكية لتثبيث سلطته في “مملكة النفط”، ونوه على أن التقارب الخليجي الإسرائيلي جاء “لنيل رضا أمريكا بأعلى مستوى”، ومن الممكن أن يزيد في حماية هذه “الدول الريعية”.
ولفت قسومة إلى أن بريطانيا تؤوي معارضين لدول حليفة لها، إما لمراقبتهم أو لاستخدامهم في حال التمكن، على حدّ قوله.
وفيما يلي نص الجزء الأول من المقابلة:
بريطانيا تأوي معارضين لدول حليفة لاستخدامهم أو لمراقبتهم
* في البداية، حدثنا عن طبيعة عمل الاستخبارات الدولية في رسم الإستراتيجيات الكبرى بشكل عام، وفي المنطقة العربية بشكل خاص؟
– الاستخبارات هي محرك السياسات الداخلية والخارجية في أي دولة كبرى أو صغرى، وهي أيضاً عين النخب الحاكمة التي ترى بها وأذنها التي تسمع بها. ولهذا نجد أن اختيار ضباط أجهزة المخابرات في كل دول العالم يتم من العائلات النافذة والأكثر ولاءاً للنظام السياسي.
لا أريد أن أدخل في متاهة الأسماء؛ لكن يمكنني القول أن بعض عملاء المخابرات الغربية وعملاء إسرائيل يعملون في أعلى مراكز القرار الخليجي والعربي كمستشارين، وبعضهم يدير عجلة الماكينة الإعلامية في صحف ومحطات تتبع لدول الخليج. مخابرات الدول الكبرى وإسرائيل نشطة وفعالة في بلادنا، لكن وبشكل خاص في الخليج. يمكن القول أن دور المخابرات البريطانية هو الأخطر، فهي بالتأكيد من أسّس أغلب هذه الدول وتحالف مع النخب الحاكمة فيها.
بريطانيا واستخباراتها تدعم الأنظمة الحاكمة بالخليج، وتستضيف في نفس الوقت معارضين لهذه الأنظمة، إما لاستخدامهم كورقة في المستقبل أو لمراقبة تحركاتهم عن قرب وإحباط مساعيهم.
ربما كمثال عن قوة هذه المخابرات يمكن أن نقول أن السيدة جيهان السادات والسيدة سوزان مبارك مواطنتان بريطانيتان، أي أنه في لحظة من اللحظات كان الرئيس ونائبه في أكبر بلد عربي متزوجين من مواطنتين بريطانيتين! لا أعتقد أن هذه صدفة على أي حال، والقائمة طويلة.
أما عن استخبارات الدول العربية فبعضها يعمل كرديف لمخابرات الدول العظمى وتعتمد بشكل رئيسي على المعلومات القادمة من الأجهزة “الصديقة” وبعضها ضعيفة مخترقة وعاجزة.
السعودية.. المأزق والتبعية
* من الذي يرسم الدور السعودي في المنطقة، هل هو الأمريكي بشكل خالص؟ أم هناك أطراف أخرى لها أثرها الكبير على الرياض مثل بريطانيا وإسرائيل؟
– أجد من الصعوبة التمييز بين إسرائيل والولايات المتحدة. هل أميركا هي منْ يحمي إسرائيل أم أن إسرائيل هي منْ يتحكم بالقرار الأميركي عبر النفوذ السياسي والمالي والإعلامي الهائل للجالية اليهودية في أميركا؟ أعتقد أن الاحتمال الثاني هو الأقرب للحقيقة، والأنظمة العربية تشاركني هذا الرأي، وبالتالي فـ “رضا أميركا في رضا إسرائيل”. ولهذا، فإن السعودية وبعض دول الخليج تعتقد أن الوسيلة الأفضل لضمان الحماية الأميركية هي في التقارب مع إسرائيل.
اللاعب البريطاني له تأثير في السعودية، والفرنسي يؤثر أيضاً ولو بشكل بسيط، لكن اللاعب الأهم في المملكة هو الأمريكي، وشاهدنا مؤخراً كيف تم شراء ولاية عهد الأمير محمد بن سلمان بمئات المليارات التي منحها العاهل السعودي لترامب علناً وسراً.
ولي العهد يقوم فعلياً بمهام الملك، لكن حتى الآن لم يتم تعيين ولي لولي العهد بعد عزل محمد بن نايف. السؤال هنا منْ سيكون ولياً للعهد بعد وفاة الملك الحالي، لأن هذا سيعطي إشارة إلى تراتبية وشكل الحكم في السعودية في المستقبل. أعتقد.. بانتظار محمد بن سلمان مرحلة صعبة جداً بعد وفاة والده لتثبيت حكمه وسلطته.
جوهر المشكلة السعودية مع اليمن
* وكيف تقرأ التوتر المتصاعد بين إيران والسعودية ومن خلال بوابة اليمن، والذي أخذ طورا جديدا من التهديدات السعودية ذات “اللون العسكري”؟
– من مصلحة أميركا استمرار الصراع الإيراني- السعودي لاستنزاف مليارات الخليج بصفقات أسلحة لا تجدي نفعاً حتى في الصراع مع قوات “الحوثي” في اليمن. السعودية فشلت منذ صعود نجم محمد بن سلمان بكل معاركها السياسية والعسكرية في سوريا والعراق واليمن… وفشلت حتى في حصارها للنظام القطري، وهذا كسر هيبة السعودية ومكانتها وهي دخلت في متاهات لا تعرف كيفية الخروج منها بأقل الخسائر.
المشكلة بين اليمن والسعودية قديمة بعمر المملكة. فآل سعود يعتبرون اليمن “الموحد” عدواً وخطراً وجودياً لأنه البلد الوحيد الذي يشكل خطراً ديموغرافياً عليها ويتجاوزها بعدد السكان. ولا بد لاستقرار وأمن السعودية من تقسيم وتفتيت اليمن. المسألة في اليمن لا يجب حصرها بصراع سعودي إيراني، فقط وهذا ما أتمنى من بعض اليمنيين إدراكه. بعد سقوط الدولة العثمانية واستقلال اليمن تحت حكم الزيديين؛ دخلت السعودية في حرب مع اليمن وخسرت فيها الأخيرة رغم الدعم البريطاني لها منطقة عسير الغنية بالنفط، وخسرت أيضاً نجران وجازان. الصراع الآخر المهم كان حرب اليمن في ستينيات القرن الماضي، وهنا السعودية دعمت الزيديين ضد الجنوبيين المدعومين من مصر وعبد الناصر، وانتهت الحرب كما نعرف بالشكل الذي أرادته السعودية وذلك بتقسيم اليمن إلى يمن جنوبي ويمن شمالي. وبقيت السعودية تعرقل كل محاولات التوحيد. وبعد الوحدة؛ عادت لتدعم قبائل الجنوب السنية ضد نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح وتحثهم على الانفصال. والآن تحارب الزيديين “الحوثيين” الذين تحالفت معهم ضد عبد الناصر وتقول أنهم عملاء لإيران.
لذلك يمكننا تلخيص السياسة السعودية في اليمن على أنها سياسة تخريب وتقسيم وإضعاف بسبب وجود قلق دائم عند النخبة السعودية الحاكمة من يمن موحد كبير يمكن في يوم من الأيام أن يطالب بالأراضي المقتطعة في نجران وعسير وجازان.
أمريكا مددت داعش للتخريب ورسم حدود وتقسيم المنطقة
* يُلاحظ أن أزمات المنطقة تكاد تكون متوالدة بشكل لافت ومثير للشك. هل هناك تعمد في تمطيط أزمات المنطقة العربية؟ لماذا؟
– الصراعات الطائفية والعرقية بشكل عام صراعات طويلة الأمد. في نفس الوقت هناك تعمد أميركي لإطالة الأزمات واستنزاف المنطقة لمصلحة إسرائيل. وقد تابعنا كيف عمدت أميركا لترك “داعش” تتمدد لتخريب ما يمكن تخريبه ولمحاولة رسم حدود جديدة والدخول بأجندات تقسيم للمنطقة. ولم يتسارع التدخل الأميركي لمواجهة “داعش” إلا بعد الدخول الروسي القوي إلى سوريا. وتابعنا أيضاً مغامرة مسعود البرزاني وسعيه لفصل كوردستان العراق التي تم إحباطها بسرعة قياسية لسوء حظ إسرائيل والسعودية، ولحسن حظ العراق وجيرانه، لأن هذا الأمر لو نجح لأدخل المنطقة في مستنقع دموي جديد سيدفع فيه الأكراد الثمن الأكبر قتلاً وتشريداً. فكرة حرب عرقية بين الكورد من جهة والعرب والأتراك والإيرانيين من جهة أخرى؛ فكرة جهنمية لحرق المنطقة، وتشابه في خطورتها الصراع الحالي الذي نعيشه بين السنة والشيعة.