اختراق جسد “الملك”: من حقنا أن نحكم أنفسنا
البحرين اليوم – (خاص)
في الذكرى السابعة لميلاد ثورة ١٤ فبراير ٢٠١١ ظهرت عدة خطابات سياسية تحاول مقاربة الوضع الحقوقي ومواجهة تداعيات الانتهاكات. ويمكن رصد أربعة خطابات سياسية عبرت عن نفسها في صيغ مختلفة.
– الخطاب الأول: أطلقته بعض قوى الممانعة، وهو خطاب يرسخ الحراك السلمي في الثورة واستمراريته، إلا أنه في الوقت نفسه يفتح نافذة أخرى يطلق عليها نافذة المقاومة دفاعا عن النفس، وهذا ما ظهر في بيانات حركة (حق)، على سبيل المثال، التي رأت في خيار المقاومة خيارا مفتوحا في حالة استمرار الانتهاكات على حالها وبقاء النظام مستهترا بكل حقوق الإنسان.
– الخطاب الثاني: أطلقته جمعية “الوفاق” عبر خطاب متلفز جاء فيه أن “الوفاق” في صدد الإعلان عن مشروع سياسي أو وثيقة سياسية جديدة لم تفصح عن تفاصيلها، وهل هي رؤية إستراتيجية جديدة أم تكتيك خطابي تتجاوز به ضغوط المشهد السياسي المعقد.
– الخطاب الثالث: وهو الخطاب الذي أطلقه عبدالله السيد الغريفي قبل شهر تقريبا، وحاول فيه مقاربة الواقع من خلال درء الخسارة المتوقعة والعمل على إيقاف ما يجرى وصولا لمصالحة أو مبادرة حوار على أرضية “لا غالب ولا مغلوب”.
ـ الخطاب الرابع: وهو الخطاب الذي طرح نفسه منذ عامين تقريبا، والذي يدعو أساسا إلى الإعلان عن هزيمة القوى المعارضة ودخولها في سلك طاعة النظام، والقبول بأي تسويات ممكنة على أساس أن الخسارة المزعومة التي أحدثتها الثورة فاقت المتوقع وتجاوزت الإمكانيات المتاحة في المقاومة.
بعيدا عن مجادلة هذه الخطابات وتداعياتها وسط الرأي العام البحراني، وكيف تفاعل معها ردا وقبولا أو تجاوزا واستنكارا؛ فإن الخيط الجامع لها لا يبرز في مضمونها أو طرق معالجتها. فالمشكلة الأساسية وسط تداخل هذه الخطابات هو كيف ترى هذه الخطابات واقع الانتهاكات الحقوقية وإلى أي مستوى هي قادرة على التعاطي معها.
التقارير الحقوقية التي صدرت خلال العام الماضي (٢٠١٧) تشير إلى ارتفاع كبير في حدة الانتهاكات الحقوقية، ووصلها لدرجات غير مسبوقة في تاريخ البحرين. فعلى سبيل المثال، شهد العام المنصرم صدور أكثر من ١٤ حكم إعدام، كما ارتفع عدد أحكام إسقاط الجنسية لأكثر من ٥٠٠ حالة، فضلا عن استمرار عمليات التعذيب الوحشي وإطلاق يد جهاز الأمن الوطني في ممارسة ما يحلو له من ممارسات.
في كل الأحوال، هناك علاقة وطيدة بين ارتفاع حدة الانتهاكات وبين صلابة المقاومة المضادة لأنظمة القمع أو نظام الحكم. فهذه الانتهاكات لا تصل لمستوياتها العالية ما لم تكن درجة المقاومة عالية ومربكة للنظام الحاكم بل ومخيفة له، مما يجعله يبحث في طرق القضاء عليها عبر فتح خزينة أفكاره وإستراتيجياته التي لن يكون من محتوياتها التفاوض أو الحوار أو العقلانية في التعامل. فتلك الخزينة مملؤة أساسا بأدوات القهر والإكراه والعسف.
من المهم إعادة التذكير دوما بأن أساس الأزمة في البحرين هو مسألة إعطاء الناس حقهم في اختيار حكومتهم وحاكمهم. فهذه البدهية الحقوقية هي ما تشكل صلب التأزم بين الشعب في البحرين والنظام الخلفيي الذي وطأ أرض البحرين في ١٧٨٣م بواسطة الغزو وقتل من يقاوم الغزاة.
لسبب أو لآخر تأخرت المطالبة بهذا الحق الطبيعي، وظهرت على السطح مطالبات أخرى هي في حقيقتها نتائج وتداعيات لمصادرة الحق الطبيعي في اختيار الناس لشكل حكومتهم، فبدلا من إعادة التذكير بهذا الأساس السياسي؛ تظهر مطالبات حقوقية أقل مستوى، لكنها أكثر ألما لكونها تمس المستوى الأول من هرم الحقوق الإنسانية، وأعني بها مطالبات وقف القتل خارج القانون، ووقف التعذيب الممنهج والاعتقال التعسفي وغيرها من المطالب الحقوقية التي تلتصق بحق الحياة نفسه.
على ضوء هذا يمكن إعادة تفسير همجية النظام الخليفي في مسألة التوغل بأكثر من المتوقع في الانتهاكات الحقوقية، إذ تسبب كثرة الانتهاكات وملامستها حق الحياة صرف النظر عن الجذر الأصلي للانتهاكات وهو الاستبداد السياسي، ومصادرة حق الناس في تشكيل حكومتهم التي يمكنهم محاسبتها وإقالتها أو حقهم في الحصول على سلطة قضائية مستقلة قادرة على وقف تجاوزات الحكومة إن هي فعلت ذلك.