إيمان شمس الدين لـ”البحرين اليوم”: الثورة رشّدت الخطاب السياسي.. والتمسك بالوطن هو الخيار الوحيد (١-٢)
البحرين اليوم – (خاص)
تؤكد الكاتبة الكويتية إيمان شمس الدين أن “الوعي في البحرين ارتفعت وتيرته، وأن الثورة رشّدت الخطاب السياسي، وأوصلته للنضج”.
وأضافت في مقابلة مع (البحرين اليوم) أن “من أهم ملامح الوعي (في البحرين) هو بقاء بذل الدم إلى الآن في سبيل تحقيق المطالب”. وقالت وهي تشير إلى طبيعة المشهد الخاص في البحرين “إننا وجدنا بعض الشباب يتقدمون حتى على النخب في بداية الثورة، لا تقدُّما مكانيا بل رتبيا في الفهم”، وهو ما اعتبرته مؤشرا على تقدُّم “في وعي المطالب، والتخطيط للحراك، واستخدام لآخر التقنيات التكنولوجيا في نقل الحدث ومواكبته ورصده”.
ودعت الكاتبة إلى أن يكون التعاطي اليوم مع “شباب ثورة ٢٠١١” مبنيا على “الند الثقافي والسياسي من جهة، والشريك في المصير من جهة أخرى، والاحتواء التام من جهة ثالثة”.
يذكر أن الكاتبة لها علاقة وثيقة بالشأن البحراني، وشاركت في العديد من المشاريع الثقافية في البلاد.
وفيما يلي نصّ الجزء الأول من المقابلة:
* إذا بدأنا بالنطرية، وقبل الدخول في الواقع الخاص بالبحرين وثورتها، كيف تقدمين فكرة الثورة، والوعي الثوري، وقيادة الثورة؟
– الثورة باعتبارها مصطلحا سياسيا تعني الخروج عن الوضع الراهن وتغييره باندفاع يحركه عدم الرضا، أو التطلع إلى الأفضل أو حتى الغضب. وقد وصف الفيلسوف الإغريقي أرسطو شكلين من الثورات في سياقات سياسية، الأول: التغيير الكامل من دستور لآخر، والثاني: التعديل على دستور موجود.
والثورة تُدرس على أنها ظاهرة اجتماعية تقوم بها فئة أو جماعة ما هدفها التغيير (لا تشترط سرعة التغيير) وفقا لأيدولوجية هذة الفئة أو الجماعة، ولا ترتبط بشرعية قانونية. كما تعبر عن انتقال السلطة من الطبقة الحاكمة إلى طبقة الثوار.
وحينما نقول إنها لا ترتبط بشرعية قانونية هذا لا يعني عدم شرعيتها، ولكن يعني عدم قانونيتها وفق القوانين التي وُضعت في البلد الذي وقعت به الثورة، وهذا أمر طبيعي، وإلا ما حدثت الثورة للتغيير.
القيادة الفاعلة المبدئية الواعية
* ماذا عن الوعي ومظاهره وعلاقته بالنخب أو القيادات الثقافية والسياسية والدينية؟
– الوعي هو يعبّر عن مدى إدراك الإنسان للأشياء والعلم بها، بحيث يكون في وضع اتصال مباشر مع كل الأحداث التي تدور حوله. أي أنه يمثل علاقة الكيان الشخصي والعقلي بمحيطه وبيئته، ويضم مجموعة الأفكار، والمعلومات، والحقائق، والأرقام، والآراء، ووجهات النظر، والمصطلحات، والمفاهيم ذات العلاقة بكل ما هو مادي وكذلك معنوي.
ولكن هناك وعيا آنيا لحظيا انفعاليا عاطفيا، وهناك وعي عقلاني استراتيجي فعلي مدروس خاصة من حيث العواقب، وقادر على وضع إستراتيجيات عمل مرحلية تتسم بالمرحلية والتدرج وتحسب عواقب كل مرحلة وتضع لها حلولها ومخارجها.
ومن مظاهر الوعي، خاصة في الثورات، هو وجود النخب المثقفة والسياسية والدينية في مقدمة الجماهير وقيادتها للجماهير بطريقة مدروسة. وذلك، فإن أي ثورة كي ينطبق عليها مقومات الثورة تحتاج توفر مقوماتها وأهمها: القيادة الفاعلة المبدئية الواعية، وهنا ليس بالضرورة أن تكون القيادة فرد بل قد تكون مجموعة النخب الدينينة والثقافية والفكرية والسياسية. وتحتاج الثورة إلى أهداف واضحة وإسترايجية عمل واضحة القيم والمعايير والمبادئ لتحقيق هذه الأهداف، إضافة إلى جمهور واع ومضح لأجل أهدافه الكبرى.
* تمهيدا لمقاربة الوضع في البحرين أيضا، وعلى ضوء الكلام السابق، كيف تصنفين الجماهير الثائرة التي شهدتها ثورة البحرين في أول انطلاقتها؟
– يمكن تصنيف الجمهور الثائر إلى فئة كان قيامها انفعال عاطفي آني تداعى للحظة التاريخية تحت ضغط الجو الانفعالي للثورة، وضغط الشعارات. وهناك فئة تحركت بناء على انتمائها للجمعيات السياسية واحتكاكها بالعمل السياسي ومواكبتها لتطوراته ومكامن خلله، كانت في ميدان العمل وتدرك تماما التجاوزات والخلل، وكانت تحاول إصلاح المسار السياسي والخلل في البين، لكنها لم تجد مساحات استجابة معقولة لمطالباتها الإصلاحية. وهناك فئة كانت ساخطة ومعارضة وغير مشاركة أصلا في العمل السياسي، بل رافضة للانخراط في أي عمل في ظل وجود هذه السلطة للتجربة التاريخية معها. فكانت إما داخل البحرين معارضة، أو في الخارج.
كذلك، فإن هناك فئة الشباب المستقلين الذين عاصروا تعسُّف السلطة وحرمانهم من كثير من حقوقهم البديهية كمواطنين، رغم حجم المصالحات والعهود التي قُدِّمت من السلطة، إلا أن التطبيق كان بعيدا عن هذه المعاهدات في كثير من أبعاده، فتراكم السخط لدى هذه الفئة وتفاعلت مع ثورات الربيع العربي في مصر و تونس، فنظّمت أمرها وانطلقت نحو دوار اللؤلؤة لتعبر عن مطالبها بشكل سلمي، وتعترض على أوضاعها الحقوقية المسلوبة.
الثورة رشت وعي أغلب البحرانيين
* كيف ترصدين تتابع هذه الفئات في سياق ثورة البحرين؟
– منذ أن انطلقت الثورة في البحرين يلحظ المراقب أن الفئة الأولى – بعد تداعيات الثورة وما حدث فيها – أكمل بعضهم مشواره مع الثورة، ورشّدت الثورة وعيه وحجم تفاعله معها وكيفيته، وبعضهم انكفأ عنها، لكن الأغلب تطوّر لديهم الرُّشد السياسي، وتحوّل التفاعل من انفعال عاطفي إلى رشد وفهم مُدرِك بدقة لمسارات الثورة ومعالجة ثغراتها. وكل الفئات الباقية تباينت ردود فعلها بين الاستمرارية أو الانكفاء أو الصمت والترقب. ولكن لعبت الثورة دورا هاما في ترشيد وعي أغلب البحرانيين المشاركين فيها، ولمسنا ذلك جليا في النساء، حيث قفزات الوعي والرشد بلغت مبلغا لم تكن لتبلغه في الوضع الطبيعي، بل هناك مطالب كانت تطمح لها النساء قبل الثورة لتحقيقها في سلم حقوقها وخاصة السياسية، وقد تحققت بشكل دفعي في الثورة، وتطورت قدرات وإدراكات المرأة للعمل السياسي والعمل المقاوم السلمي، في تحقيق المطالب المنشودة في الإصلاح السياسي.
الشيخ عيسى قاسم ومقولة الدولة المدنية
* وكيف انعكس كل ذلك على النخب السياسية والدينية؟
– لقد تطور مفهوم الدولة عند أغلب النخب السياسية وخاصة الدينية، حيث وجدنا خطابا من أعلى سلطة دينية تمثلت بالشيخ عيسى قاسم وهو يتحدث عن الدولة المدنية ومقوماتها، وكلنا يعلم حساسية الحوزة الدينية إزاء أطروحات الحداثة ومصطلحاتها، ومن ضمنها الدولة المدنية، وهو ما يدلل على رُشد الخطاب والرؤية السياسية التي أحدثتها الثورة في إدراك الواقع ومعطياته في الميدان، وفي الذهنية الدينية في البحرين، والتي كان لها تاريخ دوما في النضال السياسي والنضال الديني والثقافي.
كلنا يعلم أنه حتى في بدايات الثورة كانت هناك اختلافات في الرؤى بين الجمعيات السياسية وبعض الرموز، إلا أنها مع التقادم ارتفعت تلك الخلافات أو قلت مساحتها نتيجة الحوار وتقييم الحراك وتداعياته، مما أوجد أرضيات مشتركة كثيرة للإنطلاق منها لتحقيق أهداف مشتركة للجميع، وهي تحقيق قدر كبير من العدالة والشراكة السياسية.
وتجب الإشارة هنا، إلى أن من أهم ملامج الوعي هو بقاء “بذل الدم” إلى الآن في سبيل تحقيق المطالب، وهذا يدلل بشكل كبير على عمق الوعي والإيمان بهذه الثورة، حيث يدفع الثوار أثمانا باهظة تصل إلى حد فقدان حياتهم لأجل تحقيق المطالب، ويستمر هذا البذل إلى الآن، بل يتسابق الشباب على الشهادة رغم سلمية الحراك، فقط لأجل إكمال مسيرة الثورة وتحقيق المطالب، وهذا مؤشر هام جدا في مستوى الوعي وملامحه.
* إذا انتقلنا إلى الأبعاد الثقافية والفكرية، برأيك ما الضرورات الثقافية التي من المفترض أن تلحظها النخب السياسية في “شباب ٢٠١١“ في البحرين؟
– من أهم الضرورات الثقافية هو الهوية، وهنا لا أْعني الهوية العامة التي تجمع منظومة اجتماعية، بل هوية زمانية شكلت شخصية الشباب، لها عناوينها الثقافية وتحدياتها، بل وأطروحاتها الثقافية، خاصة بعد العولمة.
فالعولمة جاءت بمصطلحات جديدة، كالحقوق والواجبات والمساواة والمواطنة والدولة الحديثة، هذه المصطلحات ملأت فضاء الدول المتوفر لكل الشعوب، وباتت المعلومة تصل بأقل تكلفة ووقت، ومتاحة للجميع، فانتقلت خبرات المجتمعات المتقدمة السياسية، ومصطلحات الحداثة الغربية إلى فضاءاتنا لتشكل هوية زمانية خاصة لهذا الجيل. هذه المصطلحات جاءت في وقت يعيش فيه الشباب تحديات كبرى ووجودية، وفي وطن لا يستطيع أن يحقق له طموحه الهدار بالأفكار، ولا يوفر له مواطنة تشعره بوجوده وتحقق ذاته المتعطشة للعدالة.
هذا فضلا عن التاريخ المليء بتضحيات الأجداد ونضالاتهم والذي يشكل لهم رافدا ملهما لمزيد من الحرية ولمزيد من التطلعات.
لذلك ومع كل هذا الزخم المفاهيمي الذي شكل لهم هويتهم الخاصة بزمانهم؛ جاءت شعارات الثورات في مصر وتونس وفق تطلعاتهم وآمالهم في أوطانهم، لذلك وجدنا بعض الشباب يتقدمون حتى على النخب في بداية الثورة، لا تقدما مكانيا بل رتبيا في الفهم، وما أعنيه تقدما في وعي المطالب، والتخطيط للحراك، واستخدام لآخر التقنيات التكنولوجية في نقل الحدث ومواكبته ورصده.
واليوم كل هذا تراكم مع الزمن بعد مرور ٦ سنوات وأكثر، بل تحول كل فرد إلى وسيلة إعلام متنقلة رصدت الحراك على أرض الواقع ونقلته للعالم لتكشف زيف ادعاءات السلطة. لذلك اليوم، التعامل مع شباب ثورة ٢٠١١ يجب أن يكون من منطلق الند الثقافي والسياسي من جهة، والشريك في المصير من جهة أخرى والاحتواء التام من جهة ثالثة.
النظام في البحرين وإمكان تحقيق المطالب
* النظام في البحرين تجاوز كل الخطوط الحمراء، ولم يوفر سبيلا للإصلاح إلا وأغلقه، هل تشكلت قناعة ما لدى المتابع أن هذا النظام غير مؤهل للحكم؟
– من وجهة نظري لا، بمعنى إن قراءة الواقع والقدرة على تشخيصه وتشخيص معطياته وفق سير الأحداث الداخلية والخارجية، والبدائل وإمكانيات تحققها على أرض الواقع، والظروف الجيوسياسية والجغرافية.. كلها معطيات يجب أخذها في الحسبان في تشكيل القناعات والإستراتيجيات في العمل الثوري، وتحدثنا في بداية اللقاء عن الوعي، وهنا يتحقق الوعي، وهنا يُختَبر.
إن اختبار الخيارات البديلة من حيث إمكانية تطبيقها؛ نقطة مهمة جدا في رسم الخيارات المتاحة عمليا، وتشخيص سُبل تحقيقها ميدانيا، وهو ما يتطلب دراسة قابلية الميدان للتطبيق، سواء الميدان الداخلي أو الميدان الخارجي.
أجد أنه ما زال هناك نافذة أمل لتحقيق المطالب مع هذه السلطة، ولكن شريطة محاسبة المعتدين، وتبديل وجوه كثيرة فيها كانت سببا في قمع الشعب. فهناك في هذا النظام شخصيات “منكفئة” يمكن فتح أفق معها، لكنها تنتظر تبدُّل الظروف السياسية المحيطة، خاصة أن النظام في البحرين غير مستقل، ويخضع للجوار في قراراته السياسية الداخلية والخارجية. باعتقادي، الحوار هو الوسيلة المثلى والسلمية في تحقيق المطالب، لوجود تحديات إقليمية وأولويات كبرى تجعل التنازل عن بعض الأمور ضرورة إلزامية وكمقدمة لتحقيق المطالب،وإن بشكل تدريجي وليس دفعيا.
طبعا قد تتبدل الظروف الإقليمية، وتصبح الخيارات أكثر وأكبر، ويتاح ما ليس متاحا الآن. لكن قراءة الواقع ومعطياته ضرورية جدا في تحديد الخيارات وتشخيصها ورسم الخطط لها على الميدان.
خيارات التيار الديني: البقاء في الوطن
* بالنسبة للتيار الديني في البحرين، كيف تقرأين الخيارات المتاحة له إزاء التحديات الكبرى السياسية والاقتصادية التي تواجهه؟
– حاليا في الوقت الراهن أجد خياراته هي استمرار منهج الرفض والمقاومة والتصدي لكل الانحرافات المنهجية في سلوك السلطة ضد معتقداته ومسلماته، باعتباره مكونا من مكونات المجتمع، له حقوق كفلتها شرعة الحقوق الدولية والدستور والميثاق الذي لم يتم تطبيقه.
فالرهان فقط يجب أن يكون على الوطن، والرهان فقط على تعضيد الجبهة العلمائية الداخلية، واستمرار تصديها لقيادة المجتمع مع باقي النخب، واستمرار منهج الرفض والمقاومة السلمية، رفض لكل ما يُمارَس ضد العقيدة والتشريعات الخاصة به، ومقاومة كل محاولات تهميش حقهم في الممارسة لطقوسهم وشعائرهم، عبر الإصرار على ممارستها بكافة السبل السلمية المتاحة، واستمرار فعالياته ونشاطاته الثقافية والدينية التي تعبر عن هويته الخاصة وتعمقها، دون تعارض مع هويته الوطنية المتجذرة أصلا في أرض البحرين.
أشدّد على أن الوطن والبقاء في الوطن، وتثبيت جذور الوجود فيه هو الخيار، ولا خيار سواه.
في الجزء الثاني من الحوار مع إيمان شمس الدين:
استهداف الشيخ عيسى قاسم
السعودية ونوع العلاقة مع البحرين
مثقفو البحرين والخليج.. والثورة