إيمان شمس الدين لـ(البحرين اليوم): استهداف الشيخ قاسم كان متوقعا.. وثورة البحرين كشفت أزمة المثقف الخليجي (٢-٢)
البحرين اليوم – (خاص)
في الجزء الثاني من المقابلة مع الكاتبة إيمان شمس الدين، تسلط الضوء على الموقع الخاص الذي يمثله آية الله الشيخ عيسى قاسم، بوصفه “شخصية تاريخية جامعة”، وتؤكد بأن استمراره وسط الحراك الشعبي؛ شكلّ “رافعة رئيسية لاستمرار زخم الثورة في البحرين”.
وتذهب شمس إلى أن استهداف الشيخ قاسم كان تسلسلا متوقعاً في التصعيد الرسمي الذي طال كل الرموز السياسية والدينية “بهدف تفريغ الساحة” منهم.
تطرح شمس الدين في هذه المقابلة جملة من الوظائف والمسؤوليات الملقاة على المثقفين في البحرين لحمل عبء الثورة في الداخل والخارج، كما أنها تؤكد بأن مثقفي الخليج كانوا جزءا من صناعة “التعمية الإعلامية” ضد ثورة البحرين التي استطاعت أن تكشف عن جوانب عميقة من “أزمة المثقف الخليجي”.
ـ الجزء الأول من المقابلة: الثورة رشّدت الخطاب السياسي.. والتمسك بالوطن هو الخيار الوحيد (١-٢)
وفيما يلي نص الجزء الثاني من المقابلة:
* كيف تنظرين إلى موقع آية الله الشيخ عيسى قاسم في الحراك الشعبي المتواصل في البحرين؟
– يعتبر الشيخ عيسى قاسم الشخصية التاريخية الجامعة التي تشكل مظلة لكل التوجهات، ولكل الجمعيات السياسية المعارضة، خاصة أنه شخص جمع تاريخيا بين العمل السياسي كأحد مؤسسي دستور البلاد، وكشخصية دينية رعت مصالحة ضمنية بين كافة تيارات الساحة الدينية والسياسية، حيث كان مرجعية محلية للجميع، وهو يقع في قمة هرم الرموز الذين تم استهدافهم مؤخرا.
لا شك أن استمرار الشيخ قاسم مع الجمهور يشكل الرافعة الرئيسية لاستمرار زخم الثوار في الحراك المطلبي، بعد أن نجحت السلطة في تحجيم مساحة الحراك جغرافيا، ومن ثم تقليص الشخصيات الرئيسية باعتقال الرموز، فهو تراتبيا يقع في قمة الهرم، ويحمل في شخصيته مقومات هامة جدا كقيادة جامعة وكمظلة حامية للثوار ولحراكهم المطلبي.
استهداف الشيخ قاسم وتفريغ الساحة من الرموز
* كيف تفسرين إذن استهداف الشيخ عيسى قاسم رغم أنه رجل سلم وإصلاح، وخطابه هادئ وضامن للسلم الأهلي؟
– استهداف الشيخ عيسى كان متوقعا نتيجة منهج السلطة في هذا الصدد، حيث تدرّجت في اعتقال الرموز حتى اعتقلت الشيخ علي سلمان، الشخصية الحوارية السلمية المعروفة والقريبة من الشيخ عيسى قاسم، واعتقال رمز في الدائرة الخاصة للشيخ عيسى قاسم هو رسالة واضحة جدا في أن الشيخ عيسى هو الشخص القادم في سلسلة الاعتقالات.
ونظرا لثقل شخصية الشيخ عيسى داخليا وخارجيا؛ جاء الاستهداف مرحليا من جهة، ومختلفا من حيث الظاهر والشكل من جهة أخرى، فالمرحلية تكمن في تدرج السلطة في اعتقال الرموز وفرْض شروط معينة على منْ تبقى للاستسلام، حتى اعتُقل الشيخ على سلمان، والاختلاف في الشكل ومظهر الاعتقال هو في عدم وضع الشيخ عيسى قاسم في السجن مع باقي الرموز، بل اكتفت السلطة بحبسه في منزله لضمان عدم تصاعد ردود الفعل الداخلية والخارجية، خاصة أن السلطة شاهدت كيف ضحى الشباب بأرواحهم لحماية الشيخ عيسى قاسم، وهو مؤشر قرأته السلطة عن قرب، وأدركت خطورة الموقف، فماذا بعد الموت؟
أعيد وأكرر، إن استهداف الشيخ قاسم يأتي ضمن مسيرة التصعيد التي تسلكها السلطة، وتقويض الثورة ومقوماتها، وتفريغ الساحة من كل الرموز التاريخية كمحاولة لمحو هوية المجتمع البحراني الأصيل، ضمن سلسلة التغيير الديموغرافي الذي بدأته، حيث قامت بسحب جنسيات كل الرموز، واعتقلت أغلب الفئات الشابة الناشطة في المجالات كافة. إذن، هو إكمال لمشروعها في تحجيم الثورة وفي مقومات استمرارها وبقائها.
ملف البحرين بيد السعودية.. ولكن
* هل تتفقين مع القول الذي يؤكد تبعية البحرين للسعودية؟ وهل في ذلك تبرئة للنظام من الجرائم الأمنية المرتكبة في حق الشعب البحراني؟
– نعم هناك تبعية، وملف البحرين معروف دوليا أنه في يد السعودية، ولكن بالطبع هذا لا يُخلي مسؤولية السلطة عن الجرائم المرتكبة بحق الشعب، كونها تقع بموافقتها التامة، بل وبإشراف بعض قياداتها وتعاونهم، ولكن هذا لا يعني عدم وجود شخصيات في السلطة مسلوبة القرار وتقع تحت ضغوط تدفعها للصمت. وهذا ليس دفاعا وإنما إنصافا، لكن منْ هو الآن متصد بشكل واضح هو مسوؤل بشكل كبير وكلي عن الانتهاكات وعن دماء الأبرياء، وعما يقع من مآس بحق الشعب البحراني، من قتل وحبس وتعذيب وتهجير وقمع. فوظيفة السلطة هي خدمة الشعب ورعاية مصالحه وحفظ ثرواته، وليس التسلط على حياته ووجوده ومصيره.
المسؤوليات المطلوبة لدعم الثورة
* ما وظيفة المثقفين المعارضين –في رأيك – بشأن الدور الثقافي المطلع في مساندة ثورة البحرين؟
– هناك عدة وظائف كبيرة، فهم النخبة التي تقود عادة الثورات، وتوثق كافة تفاصيلها، لذلك تقع عليهم مسؤوليات كبيرة ومهمات واسعة أهمها: التوثيق الدقيق لمجريات الأحداث تاريخيا، ورصدها بشكل دقيق لحفظها للتاريخ والأجيال، على أن يكون التوثيق علميا وموثقا. وكذلك عليها مسؤولية العمل على رصد كافة الانتهاكات بشكل موثق، وعرضها على المحافل الدولية، لكشف وحشية ما يحدث بحق المعارضين. وإلى جانب ذلك هناك التوثيق الإعلامي والتقني وبكافة اللغات، ومواكبة الحدث بدقته وبشموليته وعلى المستويات كلها، وهو ما يمكن أن نصفه بـ”الإعلام الثوري” المدعوم بآخر تطورات التكنولوجيا والمتاحة بلغات عديدة للجميع للتعريف بالثورة ومجرياتها.
هناك مسؤولية العمل الحقوقي المنظم والشامل، ومحاولة اختراق كافة المحافل الحقوقية للتعريف بالملف الحقوقي البحراني، ولنقل مظلومية هذا الشعب وما يقع عليه من ظلامات. وكذلك مخاطبة الجماهير الأوروبية وإطلاعها على ازدواجية معايير حكوماتها في حمايتها للنظام في البحرين، رغم رفعها لشعارات الديموقراطية والحرية في دول أخرى، ومن ذلك كشف صفقات السلاح لنظام متعسف سَجَنَ أغلب الشعب ويستخدم وسائل شنيعة للتعذيب يستوردها من هذه الأنظمة الغربية، وهو ما يتطلب خطابا إعلاميا واسعا لتلك الشعوب وباللغة التي تحركهم وهي لغة الإنسان وحقه في العيش الكريم.
من المهم كذلك عقد الندوات والمؤتمرات التي توضح ظلامة الثورة البحرانية وممارسات النظام بحق الثوار من الشعب. والتعريف بالثورة وأحداثها وتداعياتها في كافة المحافل الدولية والشعبية العربية والغربية، ومحاولة التشبيك مع كل النخب لإطلاعها على الحقيقة والواقع، وتوثيق العلاقات معها والعمل المشترك حول حق الشعوب في تقرير المصير.
وأعتقد أن المعارضة في الداخل والخارج تقوم بأغلب المهام خاصة في الجانب الحقوقي والرصد، وهو ما أحرج السلطة في المحافل الدولية.
ثورة البحرين كشفت عورات النخب
* ماذا عن مثقفي الخليج.. وكيف يقرأ المثقفي الخليجي الحدث البحراني؟
– أغلب النخب الخليجية قرأت الحدث من وجهة نظر مذهبية، بعد أن نجح الإعلام الموجَّه ونخبُ السلطة في مذهبة الحراك. لقد وقفوا ضد الحراك واتهموه بالانتماء للخارج وبالمذهبيّة، بل بعضهم صفّق لدخول قوات درع الجزيرة لقمع الثورة، بينما نجد هؤلاء أنفسهم انبروا لمناصرة ثورات أخرى دعمتها سلطات بلادهم في الخليج. هذا لا يعني عدم وجود نخب دعمت الثورة في البحرين، لكنها قليلة جدا مقارنة بمن رفضها وناهضها.
لا ينبغي أن نغفل القوانين التي تم سنها في بعض دول الخليج لتجريم منْ يناهض أي نظام خليجي أو يكتب ضده، وهو ما قلص مساحة المناصرة للثورة في العلن، وانتقلت بعض النخب للمناصرة في السر. وهذه الخطة نجحت في تقليص الدعم الاعلامي للثورة بشكل علني في الخليج.
* هذا يعني ذلك أن المثقف في الخليج كان ضحية للتعمية الإعلامية؟
– لا أستطيع أن أصدق أن منْ يعتبر نفسه نخبة ومثقفاً بشكل جدي؛ يتأثر بالتعمية الإعلامية. هؤلاء هم بل هو جزء من صناعة هذه التعمية، وتأثر بها تلقائيا، وبتأثير من “الدرهم والدينار”، ليكون ضمن منظومة “التعمية الإعلامية” وشيطنة الثورة. هناك القليلون الذين تأثروا بالفعل من الإعلام الموجه وتعمية الحقائق، ولكنهم قلة جدا وغير معذروين، خاصة مع وجود الفضاء المفتوح الذي يتيح تعدد وجهات النظر.
وللأسف الشديد، إن الثورات العربية وخاصة ثورة البحرين كشفت عن عورات كثير من النخب، وأظهرت بوضوح أزمة المثقف الخليجي، حيث اتخذ أغلبهم من الثقافة وسيلة للسلطة، وبعضهم اتخذها وسيلة لتحقيق مصالحه الخاصة. بينما التزم بعضهم الصمت خوفا، ولجأ بعضهم الآخر للعمل السري بعيدا عن السلطة وقوانينها القامعة.