آل سعود في البحرين: ستّ سنوات من الوحل والهزيمة
البحرين اليوم – (خاص)
بعد ستّ سنوات من “احتلال” آل سعود عسكريّاً للبحرين؛ ترجّح المؤشرات إلى أنّ “اللحظة” الحاسمة في مقاربة هذا “التدخُّل”؛ باتت وشيكة. المؤشر المباشر لهذا الانطباع يختصره الشّعار الموحَّد الذي اختارته القوى الثوريّة المعارضة في البحرين لفعاليّاتها في الذكرى السادسة للاحتلال، وهو شعار “قاوِم”، والذي يتقاطع مع الحدث “الخطير” الذي يشهده يوم الذكرى هذا العام، وهو انعقاد جلسة محاكمة آية الله الشيخ عيسى قاسم، وهي الجلسة التي تأجّلت حتى السابع من مايو المقبل، وكان يُراد أن يكون الحكم الصّادر عنها؛ تمديداً مفتوحاً لتداعيات وجود آل سعود في البحرين، وهيمنتهم المطلقة على البلاد. ولكن المشهد، في التفاصيل، لا يمنح السعوديين أيّ علامات على الانتصار أو “الارتياح”، ليس فيما مضى من سنوات “مؤلمة” فقط، ولكن أيضاً فيما سيأتي بعد يوم ١٤ مارس من العام ٢٠١٧م.
في العام الأول من ثورة ١٤ فبراير، سجّلت القوى الثورية – الممثلة ميدانيا وقتها بإئتلاف شباب ١٤ فبراير – موقفها الواضح بشأن طبيعة الوجود السعودي في البحرين. لم تكتف قوى الثورة باعتباره وجودا عسكريا جاء بغرض دعم آل خليفة في قمع البحرانيين، ولكن أيضا جرى التأكيد على أنه وجود “احتلالي”، وهو تشخيص ترتّب عليه تحديد الموقف العملي المتمثل في “المقاومة“.
بالنّظر إلى تطورات وتحولات الخطاب والممارسة خلال ست سنوات من الثورة؛ سيُعتبر هذا الوضوح في الرؤية؛ واحداً من أهم الامتيازات التي تُحسب لقوى الثورة بالمقارنة مع القوى السياسية المعارضة. وبالنظر إلى طبيعة الظروف المحلية، والمواقف الإقليمية غير الواضحة آنذاك؛ فإنه من المهم اعتبار هذا التشخيص تعبيرا عن بُعد الأفق الذي امتازت به هذه “الثورة“ – بما هي كيان حقيقي على الأرض – وهي لا تزال في بداياتها الأولى. ويترتب على ذلك – كما يقول ناشطون – إعادة قراءة “العقل السياسي” الذي حكم التوجه المعارض طيلة السنوات الماضية، واستلهام العِبر والدروس العملية، والانتقال إلى مكاشفة حقيقيّة في ذلك، بما يُمهّد الطريق للدخول في المشروع المؤجَّل – ولكنه الحتمي والضروري – والمتمثل في بلورة هيئة قيادية موحّدة للمعارضة، وعلى قاعدة تلبية الطموح الشّعبي الذي يُشدّد على “تغيير منظومة الحكم” في البلاد.
المحتل السّعودي.. ومرحلة الدفاع المقدَّس
بالعودة إلى الأرشيف، صدّر إئتلاف شباب ١٤ فبراير (أحد أبرز القوى الثوريّة) في مايو ٢٠١١م (صدّر) بياناً قال فيه بأنه “غير معني بأيّ توازن مع هذا النظام الساقط، ولا مع المحتلّ السعودي“. جاء هذا البيان ردّاً على الاستهداف الذي تعرّض له يومئذ قادة الثورة المعتقلين داخل السجون، والهجوم الذي طال الشيخ عيسى قاسم. يُحدّد البيان المآلَ الذي يفترض أن ينتهي إليه الجميع في العلاقة مع الفئة الحاكمة في البلاد، وذلك بعد استهدافها “غير المسبوق” للشيخ قاسم، ويذهب البيان إلى أن هذا المآل ليس أقلّ من إسقاط أيّ “حصانة ومظلّة” عن كلّ الذين يقفون وراء هذا الاستهداف، محلياً وإقليميّا ودوليّا. في ذلك الوقت، اكتفى المعارضون السياسيون بخطاب استنكار هذا التعدي والاستهداف، ولكن الانعكاس العملي لهذا الخطاب لم يأخذ وضوحه ولو على نحو “التدرُّج المنطقي”، كما أن اللغة السّياسية لم تتغير في مخاطبة النظام وفي تحديد العلاقة معه أو درجات التواصل أو التفاهم معه، وخصوصاً لجهة الحاكم الحقيقي بأمر آل خليفة، أي النظام السعودي وسواعده في البحرين.
اليوم الوطني لمقاومة الاحتلال السعودي
في المقابل، أسّست القوى الثوريّة تدرّجاً واضحاً في الخطاب السياسي المعارض، وبناءاً على مستجدّات “الجريمة” وتدرّجاتها المتصاعدة، وعملت على ترسيخ هذا الخطاب وإبراز المفردات الملائمة مع الوضع القائم. على هذا النحو، فقد تم اعتبار آل سعود محتلّين من الدّرجة الأولى، وأصدر الإئتلاف البيانَ (رقم واحد) في ١٩ مايو ٢٠١١ وأعلن مرحلة (الدفاع المقدّس)، وشدّد على أن هذه المرحلة “مفتوحة” زمناً وكيفاً، وأسّسَ على ذلك – رفقة القوى الثورية بعد ذلك – بقيةَ المفردات السياسيّة الشارحة أو المعبِّرة عن هذه الرؤية، من قبيل الاحتفاء بذكرى الاستقلال في ١٤ أغسطس، وإطلاق مشاعل تقرير المصير، وصولاً إلى تدشين “اليوم الوطني لمقاومة الاحتلال السعودي“، المتمثل في ١٣ مارس، وذلك في العام ٢٠١٢م، وقد أوضحت القوى الثورية خلفيات هذا الإعلان من خلال العناوين التالية:
١– القوات السعودية في البحرين “هي قوات احتلال يجب أن تخرج من أرضنا بأية وسيلة“.
٢– الحق في مقاومة قوات الاحتلال ومواجهتها، ومعها قوات المرتزقة المتعددة الجنسيات، واعتبار هذا الحق “واجبا وطنيا“ غير قابل للتأجيل، لأن الخليفيين لن يبادروا بدعوة قوات آل سعود إلى الخروج من البلاد.
٣– إعطاء الفرصة لأصحاب الخيارات الأخرى بالتحرك – من خلال الأمم المتحدة أو غيرها – للعمل على إخراج القوات السعودية من البلاد و“بالقنوات الرسمية“ المتاحة.
في الأيام الأولى لدخول آل سعود إلى البحرين؛ كان هناك شعور لدى الخليفيين وأتباعهم بالغلبة والانتصار. لقد أدخلت الدّبابات مشاعرَ مفرطة في هذا الاتجاه، وتعمّد النظامُ إشاعة أجواء واسعة من الإرهاب حول السياسيين لمنعهم من إظهار الموقف “السياسي الواضح” تجاه هذه القوات الأجنبيّة، وجرى اعتقال بعض القيادات السياسية التي تجشّعت على توصيف هذه القوات باعتبارها “محتلَّة“، كما فعل الخليفيون مع المعارض البارز إبراهيم شريف. وعدا عن ذلك، فإن الخطاب السّياسي العام تحاشى الدخول في هذا التوصيف، وطوال السنوات الخمس الأولى للثورة، وكان هذا مؤسَّس على توجّه واضح باعتبار آل سعود “مدخلا“ للحلّ السياسي في البلاد، وأن “المنطق“ يستوجب “تحسين“ الخطاب مع النظام السعودي، ومجاملته في المناسبات، ولو عبر إعلان التعزية بأموات آل سعود، كما حصل ذلك بالفعل.
الشهيد الشيخ النمر.. ووليد المعلم
جرى ذلك في الوقت الذي بادر فيه الشهيد الشيخ نمر النمر إلى “تسمية الأشياء بأسمائها“، وبخطاب علنيّ لا تورية فيه أو تحسينات دبلوماسيّة، رغم كونه محاطاً بكلّ أسباب القتل والانتقام العنيف. الإشارة إلى الشهيد الشيخ النمر لها أهميّة فائقة أيضاً من أجل إثبات ضرورة مراجعة طريقة إدارة الخطاب والعمل السياسي المعارض، والتعويل على مقومات “قوة الحق“، وليس ظواهر القوة والتوازنات الخارجية.
لم يكن خطاب الشهيد النمر خارقاً للوضع المحلي في البحرين أو في السعودية، ولكنه سجّل أيضا خرقاً للتصوُّر الإقليمي العام الذي عبّر عن جانب منه وزير الخارجيّة السوري، وليد المعلم، بعد دخول آل سعود عسكريا إلى البحرين، حيث قال المعلم بأن “قوات درع الجزيرة المتواجدة في البحرين ليست قوات احتلال، وإنما تأتي في إطار مشروع”. وذكر المعلم في تصريحات لصحيفة (الشرق الأوسط) السعودية بتاريخ ٢٠ مارس ٢٠١١م؛ بأن هذه القوات دخلت البحرين بناءا على “الاتفاقيّات التي أسّست درع الجزيرة“، وذهب إلى أن “الاتفاق المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي تُشكّل الأساس القانوني“ لهذا الدخول العسكري.
وقد تحدّث المعلم، في التصريح المذكور، عن علاقات “وثيقة” و“إستراتيجيّة“ بين سوريا والسعودية، وذلك بعد أسبوع من زيارة قام بها مستشار الملك السعودي (عبدالله آنذاك) لدمشق. إلا أن الأشهر القليلة التي تلت ذلك، غيّرت كلّ هذه المضامين بالنسبة للسّوريين، علماً بأن الإيرانيين كانوا قد سجّلوا موقفاً مختلفاً من هذا التصوّر السوري، إلا أن المحور العام الذي شكّله، فيما، الإيرانيون والسوريون، وكذلك حزب الله، فضّل عدم الظهور بتركيبة واحدة من الخطاب إزاء الاحتلال السعودي في البحرين، وفيما كان الصّوت أكثر وضوحاً في إيران، فإن سوريا لم تذهب إلى الخلاصة الكاملة بشأن تشخيص “الاحتلال السعودي”، إلا بعد نحو عام من هذا الاحتلال، في حين ارتأى حزب الله التريّث أكثر، ولم يُفصح عن “كلّ” هذه القراءة إلا قبل سنتين، وخاصة بعد العدوان السعودي على اليمن في مارس ٢٠١٥م.
يا غزاة ارحلوا ارحلوا..
ارتفع هذا الشعار سريعاً ومع اللحظات الأولى التي سمع فيها البحرانيون نبأ دخول قوات آل سعود إلى البحرين، مساء ١٣ مارس ٢٠١١م. في ذلك اليوم انطلق المواطنون في تظاهرة حاشدة من اعتصام دوار اللؤلؤة باتجاه السفارة السعوديّة في المنطقة الدبلوماسيّة. على امتداد خطّ التظاهرة دوّى شعار “الموت لآل سعود”، كما ردّد المتظاهرون شعار “نحن عشّاق الشهادة” و”هيهات منّا الذلة” ردّاً على قوات آل سعود التي وصفتها المنصّة الرئيسية للتظاهرة بأنها قوات “احتلال وغازية”. وأمام بوّابة السفارة، ومع شعار المتظاهرين “بحرين بره بره.. درع الجزيرة بره”، ألقى الدكتور عبدالجليل السنكيس كلمةً اختصرت الموقف الشعبي المبكّر بأنّ هذه القوات “غير مرحّب بها، وكان حريّاً بها أن تتجه إلى فلسطين لتحريرها من الاحتلال الإسرائيلي”، ودوّى بعدها هتاف “يا غزاة ارحلوا ارحلوا”.
قبل نهاية مارس من العام الأول للثورة؛ ترسّخت هذه الشعارات أكثر، وأخذت حضورها في الخطاب الثوري والميداني على النحو الذي تمت الإشارة إليه أعلاه، وقد كان لاعتصام المعارضة البحرانية في لندن ميزة رمزيّة وسياسيّة على هذا الصعيد، حيث حرصَ قادة المعارضة هناك على تنظيم اعتصام أسبوعيّ أمام سفارة آل سعود في العاصمة البريطانيّة، وعلى نحو متواصل ودون انقطاع حتى اليوم، وذلك في إسهامٍ حثيث على التمسُّك بالرؤية غير المتردّدة بخصوص آل سعود “الغزاة والمحتلين”.
الإلحاح على اعتصام لندن كان له نتيجته المتحرّكة في نهاية المطاف، وبالتوازي مع البناء المفاهيمي والثبات في الميدان الذي حرصت عليه القوى الثوريّة مع كلّ عام يمرّ على الاحتلال السعودي، ويمكن الإشارة إلى ٣ نجاحات تحققت على هذا الصعيد:
١- إثبات الأساس الوطني للثورة وقواها الحاضرة في الميادين. لقد كان رفْض الاحتلال السعودي، والإصرار المتصاعد على مواجهته، ومنذ لحظته الأولى؛ هو من العلامات الخاصة والمثيرة التي يصح اعتبارها دليلا على وطنيّة الثورة البحرانية، وهي وطنية لها بُعدان: الأول عدم المساومة على حرية الأرض واستقلال البلاد وسيادتها، ومهما كانت الظروف والتحديات. والبُعد الثاني هو عدم التأثّر بالمواقف أو الاجتهادات أو السياسات الخاصة لدى الأصدقاء في الخارج، وبغض النظر عن درجات الاتصال والتقارب معها، ولاسيما حينما يتعلق الأمر بالسيادة والاستقلال ومحاولات تأجيل الموقف أو تبريده حيال القوات الأجنبية التي تغزو البلاد وترتكب الجرائم بحقّ أهلها.
٢- أهمية الصياغة الفكرية والاهتمام في بناء المفاهيم وفق تدرّج يأخذ بعين الاعتبار المسار التالين: الأول حجم الجرائم والانتهاكات التي يرتكبها “العدو”، والثاني مدى تبدُّل الموقف الإقليمي والدولي حيال هذا “العدو”. وقد نجحت مكونات الثورة وقواها في إنجاز هذه الصياغة بدرجة الامتياز.
٣- امتصاص الضربات والعمليات القمعيّة التي طالت مختلف الشّرائح السّياسية والاجتماعية، والقدرة على تجويف حرب الأعصاب التي لم تتوقف، وبرديف من القوة “الغاشمة” التي استهدفت إجبار الناس على الاستسلام، والانقلاب على الثورة، والقناعة بأن خيارات “الشارع” غير مجدية في مواجهة آلة البطش المدعومة من الدول الكبرى.
الوحل السعودي في البحرين
مع نهاية السّنة السّادسة من الاحتلال السعودي في البحرين؛ وجد الخليفيون أنفسهم محاطين بالإكراهات التامة التي تفرضها قوة الاحتلال. فهم لم يستطيعوا الاستفادة من هذه القوة في تحقيق أيّ مكسب سياسيّ، أو التمهيد لاقتلاع الوعي العام ودفعه للاستتابة من ثورة ١٤ فبراير. وقد كان التصرّف “الطبيعي” إزاء ذلك؛ هو حرق كلّ المراحل، والذهاب أكثر فأكثر في المواجهة المفتوحة مع الشعب، ونزْع ما تبقى من أقنعة جاذبة، والالتحاق الكامل في المشروع السعودي، وتنفيذ أجندة آل سعود في المحيط الإقليمي، وتولّي الأدوار غير النظيفة التي تخدم هذه الأجندة، والتي كان يفضّل السعوديون عادةً إيكالها إلى أتباعهم الصغار، ولاسيما فيما يتعلق بتلك الأدوار المتناقضة، أو التي لا تستقيم مع الاعتبارات والمواثيق المعتبرة، كما هو الحال مع تنويعات الخطاب التكفيري، واحتضان القوى المتطرفة مذهبيا، واستقطاب الجماعات العنصرية والإنفصالية (المعادية لإيران خاصة)، والتقدّم خطوات علنية باتجاه إسرائيل، وشنِّ الهجوم المكشوف على المؤسسات الأممية ومفوضية حقوق الإنسان على وجه الخصوص. هذه السياسة “المفضوحة” كان يُراد منها الاستمرار في حرب الإرادات، وأن تكون بمثابة الرسائل المفتوحة إلى الثورة والمعارضة البحرانية بأنّ الخليفيين أخذوا على عاتقهم تنفيذ “المهمة الأخيرة” التي تتعلق بحماية وجودهم ومصيرهم المهدَّد بالإنكفاء.
خلال العام المنصرم، لم يجد الخليفيون ما يشي بأن هذه السياسة حقّقت نجاحها المرجوّ. ولعل اختيار القوى الثورية المعارضة شعار “قاوِم” للفعاليات الخاصة بذكرى الاحتلال هذا العام؛ يختصر المعادلةَ الجديدة التي اكتمل نموّها في مواجهة سياسة القضم والاحتواء المتعدِّدة الأساليب. فقد أصبح هناك اتفاق أكثر على خيار “المقاومة”، وباتت هذه المفردة غالبة على الخطاب السّياسي العام لأهم أطراف المعارضة، وتباعدت عن هذا الخطاب عملياتُ الاستدعاء غير الوظيفي لدعوات “السّلمية” المبتورة أو الإدانة الاسترضائية للعنف، وبما هي دعواتٌ تهدف إلى تلميع الصّورة وضمان مكان ملائم للتفاوض السياسي المحتمل. وعلى هذا النّحو، استثمرت الثورة البحرانية التموضعات الجديدة للمجموعات السياسية، وإعادة استيعاب هذه المجموعات لمفاهيم المقاومة والتحرُّر والاستقلال وتقرير المصير، وتشخيصها الإيجابي – بقدر معقول – لطبيعة الوجود السعودي والخليفي على حدّ سواء، وتالياً التلاقي الأوسع مع مفردات الثورة الأصيلة.
وقوع السّعوديين في الوحل داخل البحرين كان بادياً مع نزْع الثورة لآخر مفعول ممكن الدّبابات السعودية، وتحوُّل قوات درع الجزيرة وقوات الإمارات إلى “ديكور” أو “فزّاعة” لا تتعدى أهدافها حدود الحماية الرمزية لآل خليفة وبثّ الإطمئنان إليهم، ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. إلا أن هذه الأهداف أيضا لم ينلها الخليفيون على وجه يسمح لهم بالتنفُّس والخروج من سياق العبودية من جهة والرفض الشعبي من جهة أخرى. وهو ما دفع آل خليفة للقيام بزيارات مكوكيّة إلى دول الخليج، والبحث عن مقومات ومصادر أخرى للاطمئنان وتحقيق الاستقرار داخل البيت الخليفي. وقد أظهرت هذه الزيارات التي استمرت حتى منتصف شهر مارس ٢٠١٧م؛ بأنّ الدعم “المعنوي” وإعادة استكتاب التصريحات المبرمجة؛ هو أقصى ما يمكن أن يمنحه الخليجيون لآل خليفة، مع حفنةٍ من الأموال والمساعدات الاقتصادية التي قد تُساعد النظام الخليفي على تثبيت قدميه في مواجهة الرياح العاتية من الأزمات المركبة التي تُنذر بها تعقيدات الوضع الاقتصادي والإستراتيجي في منطقة الخليج.
أما في الوقائع، فقد كانت النتائج على النحو التالي:
١- لم يعد البحرانيون إلى منازلهم ويعلنوا “التوبة”، كما كانت خطة الجيش السعودي عندما توجّه بالدبابات والسلاح الطائفي نحو البحرين قبل ست سنوات.
٢- فشلَ آل سعود في استعمال احتلالهم للبحرين وتوظيفه في صراعهم الإقليمي، وأحرقت الثورة كلّ الأوراق التي تُسعفهم على ذلك، بما في ذلك الإصرار على ملاحقة السعوديين في جرائمهم خارج البحرين، في اليمن والعراق وسوريا خاصة، وتنظيم الاحتجاجات ضد هذه الجرائم ودمغها المسار الأساس في مقاومة آل خليفة.
٣- شعار “الموت لآل سعود”الذي رفعه البحرانيون في أول تظاهرة ضد الاحتلال السعودي قبل ستة أعوام؛ سُمع أخيراً في الميادين العامة وساحات الخطاب المركزي في إيران ولبنان وسوريا.
٤- اتساع الرؤية تجاه الوجود العسكري الإماراتي في البحرين، وبات النظام الإماراتي لصيقاً للنظام السعودي في دائرة التصنيف باعتباره نظاما احتلالياً وقاتلا، وهي قيمة سوف يكون لها انعكاسها التدريجي – إقليميا ودوليا – حينما يُصبح النظام الإماراتي أمام استحقاقات “انكماش” نموذجه الذي أصبح موجَّهاً بالأطماع والتدخّلات التأزيمية في المنطقة.
٥- الدفع أكثر بالضرورة القصوى في تشكيل الكيان البحراني المعارض الموحَّد، بعد أن اتضحت ملامح “العدو” أكثر، وأثبتت الأحداث بأن نقطة الالتقاء بين قوى الثورة والمعارضة السياسيّة متاحة في هذا الوقت أكثر من أيّ وقت مضى، وأنّ الشروع في هذا “القرار الإستراتيجي” سيُتيح للجميع المشاركة في تحقيق الأهداف الحقيقية للثورة، ويُجنّب الجميع الوقوع في مزيد من “التورُّط” وإضاعة الوقت واستنزاف الطاقات بلا جدوى.