(1) “الصندوق الأسود” لحزب الله الحجاز: كيف تم اختطاف أحمد المغسل؟
البحرين اليوم – (خاص)
أكثر من 3 أسابيع مرّت على اختطاف المعارض السعودي أحمد المغسل (أبو عمران) من مطار بيروت، وتسليمه إلى السلطات السعوديّة، ولا تزال المعلومات الرسمية “معدومة” حول التحقيق معه، والإجراءات القضائيّة المتبعة معه.
وسائل الإعلام السعوديّة الرسمية، اكتفت بأسبوع “الفرح” الأوّل، الذي حشّدت فيه ضد المغسل، بوصفه “القائد العسكري” لحزب الله الحجاز، وروّجت خلال ذلك الاتهام “المعلّب” بوقوف الحزب المذكور، والمغسل شخصياً، وراء تفجيرات الخبر الشهيرة في عام 1996م.
في الحلقة هذه نستعرض القراءة التوثيقية التي قدّمها الباحث فؤاد إبراهيم بشأن التحقيقات الأمريكيّة “غير الكاملة” حول التهمة الرئيسيّة الموجّهة بحقّ المغسل، وكيف تعاطت واشنطن، بأجهزتها المختلفة، مع التحقيقات التي زعمتها السعودية مع المجموعة التي تمّ اعتقالها على خلفية التفجير.
السعوديون: جرفوا موقع تفجير الخبر.. وأعاقوا التحقيق الأميركي
ماذا يقول، إذن، التحقيق الأميركي أولاً؟
التحقيقُ المطوّل حول تفجير الخبر، أعدّه غاريث بورتر تحت عنوان: “القاعدة استثنيت من قائمة المشتبهين” (Al Qaeda Excluded from the Suspects List).
تحت عنوان “السعودية تتعمّد إخفاء الحقائق منذ اليوم الأول للحادث”، صدرت أوامر، عقب وقوع الإنفجار مباشرةً، لأكثر من 125 موظفاً في هيئة التحقيقات الفيدرالية (FBI) بحضور الموقع للوقوف على القرائن وبدء التحقيق حول المسؤول عن التفجير. بعد وصول اثنين من موظفي السفارة الأميركية إلى موقع التفجير في صباح اليوم التالي؛ لحظا بأنّ جرافةً بدأت بتجريف مشهد الجريمة بالكامل.
لم تتوقف الجرافة السعودية عن عملها إلا بعد أن هدّد سكوت إرسكن، المبعوث الخاص لهيئة التحقيقات الفيدرالية الخاص بالتحقيقات في الإرهاب الدولي، بأنّ وزير الخارجية آنذاك وارن كريستوفر، الذي صادفَ وجوده في السعودية حين وقوع الإنفجار، سيتدخل شخصياً في الأمر.
المخابرات الأميركية اخترقت اتصالاتٍ من مستويات عليا في الحكومة السعودية، بما فيها وزير الداخلية في حينه، مع أمير المنطقة الشرقية ومسؤولين آخرين فيها؛ يطلب منهم التعاون مع المسؤولين الأميركيين خلال فترة التحقيق، على أن يُعيقوا عملهم في كلِّ مرة.
كان مؤكداً، وبناءا على المقابلات والمصادر الخاصة بالتحقيق، أنّ السعوديّة لجأت إلى بناء سلوك ممنهج ل”تعطيل” سير التحقيقات الأميركيّة حول الإنفجار، بل إنّ المعلومات المتوافرة تؤكّد أنّ الرياض سعت، بشكل حثيث، على “خداع” الولايات المتحدة وتضليلها حول “هوية” الجهة المسؤولة عن التفجير.
آل سعود وجّهوا تحقيقات الFBI باتجاه إيران، والمواطنين الشيعة، مع وجود نيّة واضحة بإبعاد المسؤولين الأميركيين عن أثر الدليل الذي سيقود إلى أسامة بن لادن تحديداً.
كان المسؤولون السعوديون يرفضون طلبات الـ FBI الأساسية للتعاون. وحين ترأس راي ميسلوك قسم الأمن الوطني في مكتب واشنطن التابع لـ FBI، طلب إذناً بإجراء مقابلات مباشرة مع شهود في المنازل المجاورة لموقع الإنفجار، ولكن السعوديين رفضوا ذلك. ويقول ميسلوك بأن السعوديين أبلغوه بقولهم “إنها مسؤوليتنا، ونحن سنقوم بإجراء المقابلات”. ولكن السعوديين لم يقوموا بإجراء تلك المقابلات. وحدث الشيء ذاته حين طلب ميسلوك بالإطلاع على السجّلات الهاتفية في المناطق المحيطة مباشرة بأبراج الخبر.
اعتقالات مباشرة بعد وقوع التفجير: حزب الله الحجاز
بعد وقوع الإنفجار مباشرةً، بدأ مسؤولون في المخابرات السعودية بإبلاغ المسؤولين في (FBI) و (CIA) بأنهم بدأوا باعتقال أعضاء مجموعة شيعية صغيرة تدعى (حزب الله)، والتي تعتقد أجهزة الاستخبارات السعودية والأميركية بأنها قريبة من إيران. وزعمت هذه الأجهزة بأن لديها معلومات استخبارية “مستفيضة” بعلاقة هذه المجموعة بانفجار أبراج الخبر.
ثمة تقرير رُفعت عنه “السرية” ويعود إلى يوليو 1996 من قبل محللي وكالة الاستخبارات الأميركية CIA حول الإنفجار، يكشف بأن مزاعم السعوديين كانت تعتبر “مريبة”. وقال التقرير بأن المباحث السعودية “لم تقدّم أدلتها (..) كما لم تزوّد تفاصيل كثيرة حول تحقيقها”.
إن مفتاح نجاح الخداع السعودي كان مدير (FBI) لويس فريه، الذي تحمّل شخصياً تحقيقات (FBI)، والذي أملى على الهيئة بأنه كان “مسؤول القضية” عن التحقيق، بحسب مسؤولين سابقين في (FBI).
وقد سمح فريه للسفير السعودي بواشنطن في وقته، بندر بن سلطان، بإقناعه بأن إيران كانت ضالعة في التفجير، وأن الرئيس الأميريكي آنذاك بيل كلينتون – الذي يكنّ له كراهية عميقة – لم تكن لديه الرغبة في مواجهة حقيقة أنّ إيران هي من قامت بتفجير الأبراج، كما كتب فريه ذلك في مذكراته.
تحقيقات أبراج الخبر أصبحت على الفور ثأر فريه ضد كلينتون. وبحسب جاك كلونان، عميل سابق لـ (FBI)، فقد “كان فريه يقوم بذلك لحساب أجندته الشخصية”.
ويتذكّر مسؤول سابق رفيع المستوى في (FBI)، بأن فريه “كان دائماً يلتقى مع بندر”. وأن كثيراً من تلك اللقاءات لم تكن تتم في مكتب فريه، ولكن في منزل بندر المؤّلف من 38 غرفة في ماكلين، في ولاية فيرجينيا.
ألقى فريه، على نحو عاجل و”مرسوم”، بالمسؤولية على الإيرانيين والشيعة السعوديين عن الإنفجار، فيما استبعد أيَ تحقيق في فرضية أن تكون منظمة أسامة بن لادن، أي القاعدة، هي التي قامت بتفجير أبراج الخبر. وبحسب مسؤول سابق في (FBI) شارك في التحقيقات ورفض الكشف عن هويته، فإنه “لم يكن هناك، حتى مجرد الشك في ذهني، حول منْ قام بذلك”.
المحاولة الأميريكية باتجاه أسامة بن لادن
خبراء (FBI) و (CIA) في موضوع أسامة بن لادن حاولوا، ولكن دون جدوى، بأن يلعبوا دوراً في تحقيقات أبراج الخبر.
جاك كلونان، عضو وحدة آي ـ 49 في (FBI)، والتي كانت تهيء لقضية قضائية ضد بن لادن في عمليات إرهابية سابقة، يتذكر بأنه طلب من المكتب الميداني في واشنطن (WFO)، والذي كان لديه مسؤولية مباشرة عن التحقيق، بالسماح لوحدة آي ـ 49 بالمشاركة، ولكن تم رفض طلبه.
ويقول كلونان إن “المكتب الميداني في واشنطن (WFO) كان شديد الحساسية، وقد أبلغنا (كلمة قذرة)”.
وحدة أسامة بن لادن في الـ (CIA)، والتي تأسّست في بدايات 1996، تمّ استبعادها أيضاً من قبل قيادة الـ (CIA) من التحقيق في انفجار الخبر.
يومان أو ثلاثة بعد انفجار الخبر، كما يتذكّر دان كولمان، وهو عميل (FBI) ويعمل في الوحدة، بأن الوكالة “أقفلت” على التحقيق، وخلقت ما يُشبه خطَّ سيْر سري، يسمح باطلاعٍ محدود على المعلومات المتعلقّة بتحقيق الخبر من قبل فئة محدودة جداً من الناس في وكالة الاستخبارات المركزية، من الذين منحوا تلك الشفرة. ولم يكن رئيس وحدة بن لادن في مركز مكافحة الإرهاب في الـ (CIA)، مايكل سكيور، من بين تلك المجموعة الصغيرة.
مهما يكن، فإن سكيور أبلغ موظفيه بجمع كلِّ المعلومات التي حصلت عليها المحطة من كل المصادر ـ البشرية، التنصّتات الإلكترونية والمصادر المفتوحة ـ بما يشير إلى أن عمليةً للقاعدة ستقع في السعودية بعد انفجار الرياض في نوفمير 1995.
وكانت النتيجة أن مفكَّرة مؤلفة من أربع صفحات تقدّم الدليلَ على تنظيم القاعدة التابع لابن لادن كان يخطط لعمل عسكري بالمتفجرات في السعودية في 1996.
ويقول سكيور بأن “واحدة من الأماكن التي ورد ذكرها في المفكرة كانت الخبر”، ويضيف: “فقد كانوا ـ أي جماعة بن لادن ـ ينقلون متفجّرات من بور سعيد عبر قناة السويس إلى البحر الأحمر إلى اليمن، ومن ثم تهريبها من اليمن عبر الحدود مع السعودية”.
وبعد أيام من استلام مفكرة الأربع صحفات الصادرة عن وحدة أسامة بن لادن، جاء رئيس مركز مكافحة الارهاب في وكالة الاستخبارات الأميركية وينستون ويلي، وهو أحد المسؤولين القلائل في الوكالة المطلّعين بقرب على التحقيق، إلى مكتب سكيور وأغلق الباب. وفتح ويلي ملفاً يحتوي على وثيقة واحدة فقط بداخله، وهي عبارة عن تنصّت مترجم من اتصال إيراني داخلي كان يحتوي على إشارة أبراج الخبر. وسأل ويلي: “هل أنت راض [أي هل اقتنعت الآن بأن الإيرانيين كانوا وراء التفجير]؟!
وأجاب سكيور بأن ذلك مجرد جزئية واحدة من المعلومات في ظلِّ كم هائل من المعلومات يشير إلى اتجاهٍ آخر. وقال ويلي “إذا كان ذلك هو كل ما هو متوفر سأقول بأن ذلك مثير، ويجب متابعة التحقيق، ولكن ليس ذلك على سبيل الجزم”.
ولكن الإشارة من قيادة وكالة (CIA) كانت واضحة، فقد تم تحديد إيران باعتبارها مسؤولة عن مخطط انفجار الخبر، وليس هناك مصلحة لتتبّع زاوية بن لادن.
لماذا لم تذهب واشنطن إلى خيوط جمال الفضل؟
في سبتمبر 1996، جاء الوكيل التجاري السابق لابن لادن، جمال الفضل، الذي ترك القاعدة بسبب مشاكل شخصية، إلى السفارة الأميركية في أريتيريا، وبدأ على الفور بتقديم أفضل المعلومات الاستخبارية، وهي أقصى ما يمكن للولايات المتحدة الحصول عليه من معلومات حول بن لادن والقاعدة.
ولكن (CIA) و (FBI) لم يبذلا أي جهد للإفادة من معرفته والحصول على معلومات حول احتمال تورّط القاعدة في تفجير أبراج الخبر، بحسب دان كولمان، وهو أحد مصادر مناولات الفضل في الـ (FBI). يقول كولمان “لم نلقِ عليه أية أسئلة حول أبراج الخبر”.
في الأسبوع الأخير من أكتوبر 1996، أعطت المباحث السعودية ديفيد وليامز، مساعد المدير الخاص في هيئة التحقيقات الفيدرالية المسؤول عن قضايا مكافحة الإرهاب، ما قيل بأنها ملخّصات لاعترافات حصلت عليها من نحو أربعين معتقلاً شيعياً.
وقد صوّرت الإعترافات المزعومة بأن الإنفجار وكأنه عمل خلية تابعة لحزب الله الحجاز التي كانت قد قامت، بحسب الرواية السعودية، بعملية مسح ومراقبة للأهداف الأميركية بتوجيه مباشر من ضابط في الحرس الثوري الإسلامي الإيراني قبل تنفيذ مخطط تفجير مبنى أبراج الخبر.
ولكن الوثائق كانت قاصرة عن تقديم هذا النوع من التفاصيل التي كانت ستسمح للمحققين الأميركيين بالتثبّت من عناصر أساسية في مثل هذه الرواية.
وحقيقة الأمر، رفض المسؤولون السعوديون حتى مجرد الكشف عن أسماء المعتقلين الذين ـ بحسب زعم السلطات السعودية ـ قدّموا اعترافات، وإنما التعريف بالمشتبه بهم بالإرقام من 1 إلى 6 أو 7، بحسب مسؤول سابق في (FBI) عمل في التحقيق.
ويرى محامون في وزارة العدل الأميركية بأن الاعترافات ليست موثوقة على الإطلاق، ولا يمكن استعمالها في المحكمة، لأنها قد تكون اُنتزعت تحت التعذيب. وبناء على إلحاح المدّعي العام جانيت رينو Janet Reno، فإن كلاً من ريونو ومدير FBI لويس فريه قالا بصورةٍ علنية في أوائل 1997م، بأن السعوديين قدّموا أكثر بقليل من دليل “سمعي” غير موثوق، حول الإنفجار.
تضارب الرواية السعودية حول حزب الله الحجاز
هناك أيضاً تضاربات في الاعترافات المزعومة من قبل المخطّطين الشيعة المزعومين، التي أثارت شكوكاً لدى المحقّقين في هيئة التحقيقات الفيدرالية (FBI).
زعم السعوديون بأنه في 28 مارس 1996، عثر الحرس السعودي في مركز الحديثه على الحدود الشمالية مع الأردن على 38 كيلوغراماً من متفجّرات بلاستيكية مدسوسة في سيارة كان يقودها عضو من حزب الله الحجاز.
ولم يكتف هذا العضو بالاعتراف بانتمائه لحزب الله، بحسب الرواية السعودية، ولكنه قاد المباحث السعودية إلى ثلاثة أعضاء من حزب الله، الذين تم اعتقالهم في 6، 7، 8 أبريل من العام نفسه.
ما هو لافت في الرواية أنه بتاريخ 17 أبريل 1996، أعلن المسؤولون السعوديون بأنهم عثروا على متفجّرات في سيارة عند الحدود مع الأردن في 29 مارس، وقالوا بأنه تم اعتقال عدد من الأشخاص.
وبعد أربعة أيام، أعلن وزير الداخلية السعودي في وقته نايف؛ عن اعتقال أربعة أشخاص في تفجير مكتب مدير برامج الحرس الوطني السعودي في الرياض في 13 نوفمبر 1995. وقد تم بثّت اعترافاتهم على التلفزيون السعودي في نفس اليوم.
في إعلان الاعتقالات، بحسب تقرير نيويورك تايمز، أشار نايف إلى محاولة تهريب أسلحة في 29 مارس، قائلاً بأنه ليس واضحاً حتى الآن ما إذا كانت ثمة علاقة بين تفجير نوفمبر في الرياض ومحاولة تهريب الإسلحة.
ويدلل التصريح بوضوح على أن لدى المسؤولين السعوديين سبباً للإعتقاد بوجود رابطة بين “الشبكة” التي يعتقد بأنها قامت بتفجير الرياض، وبين أولئك الذين تم القبض عليهم بعد محاولة تهريب متفجرات في 29 مارس.
مهما يكن، بعد انفجار الخبر، بدأ السعوديون ربط تهريب المتفجرات في أواخر مارس بالمواطنين الشيعة، وبات آل سعود يعملون على روايةٍ متخيلة من أنّ هؤلاء منْ قام بتفجير الخبر.
في الحلقة المقبلة، نتابع جزءاً آخر من العمليات التحايلة التي استعملها آل سعود لفبركة هذه الرواية.