هل تستقيل وزيرة خارجية السويد؟
ازدادت حدّة التوترات في علاقات مملكة السويد مع العربية السعودية، إثر قرار الحكومة السويدية عدم تمديد الإتفاقية العسكرية التي أبرمتها مع السعودية عام 2005. وتنص الإتفاقية على توريد تكنولوجيا عسكرية للسعودية وتقديم خدمات تدريبية.
وتعتبر السعودية ثالث مورّد للأسلحة من السويد، من خارج دول الإتحاد الأوروبي.
ويأتي إنهاء العمل بهذه الإتفاقية بعد أصبحت محل جدل بين الأحزاب السويدية منذ زمن طويل، إذ طالبت العديد من تلك الأحزاب بإنهائها في العام 2010 وفي طليعة تلك الأحزاب؛ حركة الخضر وحزب اليسار.
إلا أن عرقلة السعودية لمحاولة وزيرة الخارجية السويدية مارغوت والسترم إلقاء خطاب أمام وزراء الخارجية العربية خلال اجتماعهم الأخير في القاهرة؛ عجّل من القرار السويدي بإنهاء تلك الإتفاقية.
وجاءت الضغوط السعودية على جامعة الدول العربية بعد تصريحات لوالسترم أمام البرلمان السويدي في شهر فبراير الماضي، وصفت فيه نظام الحكم السعودي بالدكتاتوري، وأنه ينتهك حقوق المرأة، فيما اعتبرت حكم الجلد الصادر بحق المدون رائف بدوي بأنه ينتمي إلى القرون الوسطى.
تصريحات أثارت حفيظة السعودية التي تسعى – مستخدمة سلاح البترودولار – إى شراء صمت الدول الغربية عن انتهاكات حقوق الإنسان الجارية فيها.
الولايات المتحدة الأمريكية – التي تدعي سعيها لترويج الديمقراطية في المنطقة والعالم – تحتفظ بأوثق العلاقات مع حليفها الإستراتيجي نظام آل سعود، وهي لا تثير ملفات حقوق الإنسان فيها، ولا تلتزم بالقوانين المحلية والدولية التي تحظر تصدير أسلحة إلى أنظمة تنتهك حقوق الإنسان على نطاق واسع. ووفقا لتقارير منظمات حقوقية، يتواجد قرابة ال 30 ألف معتقل سياسي وسجين رأي في المملكة. وفي طليعة هؤلاء المحامي وليد أبو الخير والمدون رائف بدوي ومحمد البجادي والحقوقي محمد القحطاني وآخرين.
وقد أصدرت السلطات حكما بإعدام رجل الدين البارز الشيخ نمر النمر على خلفية مطالبته بحقوق المواطنين في المنطقة الشرقية، وإطلاق سراح كافة السجناء السياسيين في البلاد.
والسعودية تحظر قيادة النساء للسيارات وتزج بالمخالفات منهن في السجن، وفوق كل ذلك فإن نظام الحكم فيها عائلي تهيمن فيه عائلة آل سعود على كافة مقاليد الحكم في البلاد في ظل غياب لكافة المظاهر والممارسات الديمقراطية.
واقع حقوق الإنسان المزري في السعودية لا يمكن لدولة متحضّرة، مثل السويد، التي تتمتع بنظام حكم يعتبر واحدا من الأنظمة المثالية في العالم؛ لا يمكنها أن تتغاضى عن مثل هذا السجل الحقوقي السيء مقابل بعض صفقات الأسلحة، كما تفعل العديد من الدول الأخرى، وفي طليعتها أمريكا. إلا أن هذه الخطوة السويدية الشجاعة، والتي سبقتها تصريحات وزيرة الخارجية المنتقدة لنظام الحكم السعودي؛ أثارت حالة من الإستنفار في الرياض، التي ردت بسحب سفيرها من ستوكهولم، وإصدار بيان يدين تدخل السويد في “الشؤون الداخلية للملكة”.
وقد حذت باقي دول الخليج حذوها وخاصة الإمارات والبحرين، كما أن الجامعة العربية أصدرت بيانا دانت فيه ما سمته بتدخل السويد في شؤون السعودية.
وكان اللافت للنظر هو توقيع فلسطين على بيان الإدانة بالرغم من أن الحكومة السويدية كانت أول دولة اوروبية تعترف بفلسطين بوصفها دولة، بعد أن أعلن رئيس الوزراء السويدي الجديد توماس ليفين ذلك عند إعلانه لبرنامج حكومته.
لم تكتف السعودية بتلك الإجراءات، بل إنها أوقفت تأشيرات الدخول لرجال الأعمال السويديين. وهو الأمر الذي أثار قلق العديد من الشركات السويدية التي تحتفظ بمصالح اقتصادية مع الرياض، وفي طليعة تلك الشركات “اريكسون” للاتصالات التي دعت مسبقا إلى تمديد العمل بالإتفاقية العسكرية.
ردود أفعال لم تكن متوقعة من قبل حكومة السويد التي تصرّفت بشكل قانوني، وألغت الإتفاقية وفقا لبنود وردت فيها. فردود الأفعال السعودية تعكس هلعا سعوديا من تنامي هذه الظاهرة، وأن تؤخذ أوضاع حقوق الإنسان في الحسبان عند إبرام صفقات عسكرية من السعودية. وهو ما يفسر حالة الهستيريا التي اعترت السعودية وحلفاءها. ردود الأفعال هذه فاجأت الحكومة السويدية التي سارعت إلى احتوائها عبر دعوة وزير الخارجية للحضور للبرلمان وتوضيح موقفها.
وكان اللافت هو تحدث الوزيرة عن ملك السعودية بأنه خادم للحرمين الشريفين، وبأن السعودية دولة مهمة في المنطقة، وهي عضو في مجموعة ال 20. تصريحات فسرها البعض على أنها تراجع للوزيرة عن مواقفها. إلا أن الوزيرة ردّت على مثل هذه التفسيرات قائلة بأن “حكومتها لم تخطيء”. وهو التصريح الذي أوصد الأبواب أمام أي محاولة للإعتذار من السعودية. وهو مايعني أن التوتر بين البلدين في طريقه نحو التصاعد.
أحزاب اليمين التي خسرت الإنتخابات النيابية الأخيرة لصالح تحالف حزب العمال الإشتراكي وحركة الخضر التي تنتمي لها وزيرة الخارجية؛ تحاول استغلال هذه التداعيات للنيل من الحكومة، كما صرح بذلك وزير الخارجية السويدي السابق وعضو حزب المحافظين اليميني كارل بيلدت الذي وصف إلغاء الإتفاقية بالأمر المؤسف والمضر بالسويد، وكذلك فعل رئيس شركة أريكسون العملاقة في مجال الإتصالات.
وهو ما يفسر تدخل ملك السويد غوستاف لحل الأزمة وذلك عبر دعوته لوزيرة الخارجية الى اجتماع معه يوم الاثنين لبحث سبل حل “الأزمة”.
ومما يجدر ذكره أن ملك السويد ليس له أي صلاحيات ولا يتدخل في شؤون السياسة، غير أنه يتدخل في بعض الأحيان لحل النزاعات بحكم علاقته مع العديد من العوائل الملكية الحاكمة في أنحاء مختلفة من العالم.
يتصاعد السجال السويدي الداخلي حول القرار الحكومي وتداعياته، ليتحول إلى عنصر تجاذب بين التحالف الحاكم وحزب اليسار من جهة، وبين أحزاب اليمين المحافظ التي تمثل مصالح الشركات الكبرى في السويد. وفي ذات الوقت فمن المتوقع أن تتجه السعودية نحو التصعيد في ردود أفعالها في محاولة منها لتوجيه رسائل تحذير إلى أي حكومة تحاول ربط تعاونها العسكري مع الرياض بأوضاع حقوق الإنسان في المملكة.
إلا أنه وبالرغم من اعتبار التحالف الحاكم للقرار السويدي بإلغاء الإتفاقية انتصارا لقيم حقوق الإنسان، وبالرغم من إعلان استعدادها لتقديم خسائر اقتصادية على خلفية قرارها، وهو ما يوحي بأن السويد لن تغير موقفها ولن تتراجع أو تقدم اعتذارا للسعودية؛ إلا أن الضغوط التي تمارسها الشركات السويدية على الحكومة تدفع باتجاه إجبار الوزيرة السويدية على تقديم استقالتها من أجل إيقاف التدهور في العلاقات السعودية السويدية، ودون تنازل السويد عن موقفها. وهو ما يرجح البعض وقوعه يوم الإثنين وبعد انتهاء اجتماعها المقرر مع ملك السويد.
إلا أن فرضية تقديم وزيرة الخارجية السويدية استقالتها، وهي التي أصبحت نموذجا في السويد للمرأة المدافعة عن حقوق الإنسان والمعارضة للتسلح وتصدير المعدات العسكرية إلى الأنظمة الدكتاتورية؛ تبدو مستبعدة. وعلى فرض وقوعها؛ فإن والستروم عبّدت بمواقفها الطريق لتصبح رئيسة وزراء السويد المقبلة.