اعتقال الشيخ علي سلمان.. الأسباب والتداعيات
اعتقلت السلطات الحاكمة في البحرين أوائل هذا الأسبوع الشيخ علي سلمان، أمين عام جمعية الوفاق الوطني في البحرين (كبرى جمعيات المعارضة السياسية)، ووضعته قيد الاحتجاز لمدة أسبوع، ووجّهت له عدة تهم، ومنها السعي لإسقاط نظام الحكم بالقوة، والتحريض على الكراهية. الاعتقال أثار ردود فعل محلية وإقليمية واسعة، بما ينذر بتدهور شديد للأوضاع في البحرين، وستكون لها انعكاسات سلبية على المنطقة.
ويأتي هذا الإعتقال في ظل تصعيد الحملات القمعية التي تشنها السلطات ضد الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان في البحرين، فقد أصدرت السلطات أحكاما بالسجن ضد كل من الشقيقتين زينب ومريم الخواجة ابنتي الحقوقي المعتقل عبدالهادي الخواجة، على خلفية نشاطهما الحقوقي. فيما ينتظر نبيل رجب، رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، جلسة محاكمة هذا الشهر.
وكذلك أصدرت السلطات أحكاما بالإعدام ضد عدد من المواطنين، إضافة إلى أحكام مطولة بالسجن ضد آخرين على خلفية نشاطاتهم السياسية. ويأتي هذا التصعيد بعد جملة من التطورات الدولية والإقليمية، التي فسرها بعض المراقبين على أنها أعطت الضوء الخضر لنظام آل خليفة لممارسة تشديد أكبر في قبضتهم الأمنية. ففي الشهر الماضي وقعت البحرين مع بريطانيا اتفاقية عسكرية تسمح بإنشاء قاعدة عسكرية بريطانية في البحرين، وبتمويل من عائلة آل خليفة، وهي القاعدة البريطانية الأولى في منطقة الشرق الأوسط منذ الانسحاب العسكري البريطاني منها قبل أكثر من أربعة عقود.
كما لوحظ خلال الشهر الماضي تغير في الموقف الأمريكي المنتقد للنظام في البحرين، إذ أصبحت اللهجة الأمريكية أقل حدة، وذلك على خلفية مقاطعة الجمعيات السياسية المعارضة للانتخابات النيابية التي جرت في البحرين خلال شهر نوفمبر الماضي، حيث أعربت أمريكا عن خيبة أملها إزاء مقاطعة المعارضة لها. وكان الموقف الأمريكي خلال السنوات الماضية متميزا على صعيد مطالبة السلطات بإجراء إصلاحات سياسية في البلاد. إلا أن أهمية البحرين باعتبارها مقرا للإسطول الخامس الأمريكي؛ يشكل دافعا أساسيا يقف وراء تغير مواقفها.
وأما على الصعيد الإقليمي؛ فإن السعودية المجاورة؛ شهدت تصعيدا أمنيا انعكس سلبا على البحرين.
فالسعودية تحتل البحرين منذ العام 2011م؛ حيث دخلت قواتها لقمع الحراك الشعبي الذي اندلع في البلاد حينها، وهي منذ ذلك الوقت توفر الحماية لعائلة آل خليفية ومختلف أنواع الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري. السعودية صعّدت من إجراءاتها القمعية ضد الشيعة في المحافظة الشرقية خلال الأشهر القلية الماضية. وقد أصدرت المحاكم السعودية حكما بالإعدام ضد رجل الدين البارز آية الله الشيخ نمر النمر، وفي شهر محرم الماضي فتح إرهابيون تكفيريون نيران أسلحتهم على أحد مجالس العزاء مما أدى إلى استشهاد وجرح عدد من المواطنين.
وفي شهر ديسمبر الماضي؛ حاصرت قوات آل سعود بلدة العوامية بالقطيف، وفتحت نيران أسلحتها على المدنيين، ما أسفر عن استشهاد خمسة أشخاص، وجرح العشرات. والسعودية تتبع سياسة نفطية اليوم تحاول من خلالها الضغط اقتصاديا على عدد من دول المنطقة والعالم المناهضة لسياساتها، وفي طليعتها إيران والعراق وروسيا في محاولة لأضعاف تلك الدول، فضلا عن تورطها في النزاعات الجارية اليوم في العراق وسوريا.
تأسيساً على ذلك، وعند الأخذ بنظر الإعتبار كل تلك التطورات؛ فإنه يمكن تفسير الإجراء الذي أقدمت عليه سلطات البحرين في المجازفة باعتقال الشيخ علي سلمان. فهي اعتبرت كل تلك التطورات بمثابة ضوء أخضر لها من أمريكا وبريطانيا والسعودية لإطلاق يدها في البحرين وتجاوز الخطوط الحمراء، والبدء بحملة لتصفية المعارضة.
السلطات الخليفية، وبالرغم من شدة قمعها للحراك الشعبي في البحرين المطالب بالعدالة والمساواة وإنهاء نظام حكم العائلة الخليفية، إلا أنها فشلت فشلا ذريعا في احتوائه، وعجزت عن تمرير مشاريعها القائمة على إجهاض الحراك عبر إجراء إصلاحات شكلية لا تمسّ جوهر المطالب الشعبية القائمة على إنهاء التمييز وتقاسم الثروات والشراكة في السلطة. وهو ما دفعها إلى التصعيد، في محاولة للقضاء على الثورة التي توشك أن تدخل عامها الخامس على التوالي، وهي الثورة الأطول عمرا ضمن ما عرف بربيع العرب، كما أنها الثورة الوحيدة التي حافظت على سلميتها، برغم كل الدماء التي أريقت من قبل السلطات.
إلا أن حجم ردود الفعل المحلية والإقليمية، وخاصة الإيرانية والعراقية، والتي صدرت من المؤسسة الدينية ومن القوى السياسية، وخاصة التحالف الوطني ومنظمة بدر وحزب الله اللبناني؛ وضعت سلطات البحرين في وضع حرج، حيث إنها غير قادرة على استيعاب تداعيات إجرائها الذي وصفه البعض بالحماقة. إذ أن اعتقال الشيخ علي سلمان، الذي لا يطالب بإسقاط النظام بل بإصلاحه؛ عزّز من مكانة دعاة إسقاط النظام، وأثبت بأن النظام الخليفي عصي على الإصلاح، وأن لا حل لأزمة البحرين المستديمة إلا عبر إسقاطه.