البحرين اليوم – (متابعات)
لا يختلف فيصل فولاذ عن حسن موسى شفيعي إلا في المسافة التي تفصل بين الأخير وبين يوسف بوجيري. وهي ذاتها المسافة التي تفصل بين الجلاّد والمخبر، أو بين المحققين في جهاز الأمن الوطني ومحققي النيابة العامة في البحرين. ينتمي هؤلاء إلى الصّنف “البشري” الذي تجتمع فيه صفاتُ الأنذال*: فظاعة التبرير للجلادين، والتلهُّفُ على خدمة الطاغية، والشّعور بالرّفاهية كلّما زاد عدد الضّحايا.
* جاء في قواميس اللغة العربية: النَّذْل والنَّذِيل من الناس: الذي تَزْدَرِيه في خِلْقته وعَقْله، وفي المحكم: الخَسِيسُ المُحْتَقَر في جميع أَحواله، والجمع أَنْذال ونُذُول ونُذَلاءُ. وقال الجوهري: النَّذالةُ السَّفالة.
في رحاب مجلس حقوق الإنسان، وحيث يُفترض أن يتحلّى المرء ببعض الوقار وهو يسمع قصص الضحايا والمضطهدين من كلّ دول العالم؛ يبحث المخبرون وموظفو العلاقات العامة ولحّاسو أقدام الأشرار؛ عن أمور أخرى تنفع في أن تكون تقاريرهم الأمنية متخمة، وبما ينفع أيضاً في نيل رضا السّفاحين والمزيد من العطايا. لا يتحرّك في هؤلاء شيءٌ من “حقوقِ الإنسان” في مكانٍ يُفترض أن تنحبس فيه الأنفاسُ وهي تلامِس حكايات القهر والاضطهاد.
وفود الخليفيين إلى جنيف يفيدونا، وبألوان لا حدود لها من الإسفاف، بأن الذين يعبرون من بلاط آل خليفة ليسوا من هذا الجنس البشري الذي ينتمي إلى “حقوق الإنسان”، وليس يشغله البتة أن يوقِف أنين هنا أو وجع هناك أو تزول معاناةٌ تخنق صدور الأبرياء. فولاذ ينتفخ بطنه حين يسمع نقدا أو فضْحا لنظام قاتل، وشفيعي يناوِر من تحت الطاولة لكي يمرِّر فذلكة جديدة في الهروب من الإدانات الدولية، ويخوض عبدالله الدرازي فنون المبارزة ليُثبت بأن الوقاحة لا دين لها والولاء للجزّار ليس له مذهب. يغذّي بوجيري وعبدالله الدوسري هؤلاء بما يحتاجون من الجراءة على الإنسانِ وحقوقه، فيهاجم الدوسري المفوض السامي لحقوق الإنسان، ثم يُعلن احترامه للمجلس وآلياته. هكذا مثل بائع نبيذٍ شربَ كلّ القناني وبات يروّج لزجاجات فارغة. لذلك كلّه، لا يعرف حقوقيّو آل خليفة الأشرارُ معنى أن يُضحّي الناسُ والأحرارُ من أجل أن يكفّ المجرمون عن جرائمهم وأن يرفع الجلاّدون أيديهم عن السّياط الآثمة. يستعصي على فولاذ وسعيد الفرحان والدوسري وبقية الجوقة وكتّابِ التقارير الأمنية أن يفهموا كيف يخرج من الضحايا منْ يكشف وجوههم وأفعالهم السوداء؛ بالكاميرا وبالمداخلات في المجلس وبالندوات الجانبيّة التي يعرف زيد بن رعد أنها أصدقُ أنباءاً من قراطيس مخبري آل خليفة وتقاريرهم الممزوجة بدماء الضحايا وآهات المعذَّبين.
والحال أنّ مخبري آل خليفة في داخل البحرين وخارجها؛ لا يُرهقون أحداً في إثبات ما هم عليه من سوءٍ وانحطاط وإخلاص لأحذية الجلادين. فولاذ، مثلا، يداوم في قاعات مجلس حقوق الإنسان في جنيف لكي يكتب تقارير أمنية “بالية” عن نشاط الحقوقيين البحرانيين وأصدقاء البحرين، يفعل ذلك وهم محمول بذات الأنفاس التي تطبع جدران “غرف الموت”. وظيفة “مخبر” ترقّى فيها فولاذ على مدى عقد ويزيد من الزمان، وهي وظيفة لم يُحرز فيها غير المزيد من العبودية للجلادين وزيادة حجم “الكرْش” والأرصدة السوداء التي يعتاش منها منذ فضيحة “تقرير البندر”. أُوكلت إلى فولاذ وظيفة “مخبر في جنيف” بعد أن أثبتَ فشله سابقاً في “وظيفة عضو شورى”، وفي وظيفة “التخريب” على نشاط الحقوقيين في جنيف في سنوات ٢٠٠٥ وما بعدها، حيث كان يتلصُّص على نشاطاتهم ويحاول أن يدخل اجتماعاتهم عنوةً مثل عجوز فقدتْ آخر ما تفاخرُ به النساء.
يجول الدوسري بحثاً عمّن يرمّم فضائح نظامه، أو يغطي سوءاته التي اختصرها المفوض السامي زيد بن رعد في افتتاح الدورة السادسة والثلاثين للمجلس. يلتقط صوراً باهتة بمعية مسؤولين يشمّون من لسانه ولاشك روائحَ الكذب المعروفة. يستدعي الموظّفُ الذي أخذ من وزيره، خالد أحمد، الفكاهةَ البليدةَ؛ عددا من “المستشارين” لإضفاء “الألوان الزّهْريّة” على فنون التعذيب التي يمارسها نظامه. يُقدّمُ حسن شفيعي خبرةً لا بأس بها للوفد الخليفي لإسعافه في الإفلات من العقاب، أسوةً بعمله الاستشاري لجلاّد آل خليفة في سفارة لندن، فواز الخليفة. يلحق الدرازي ركْب الطّبالة وهو يهزجُ بالدّبكة الخليفية المعروفة “لا تعذيب ممنهج في سجون البحرين”، مع حرصه الدائم على إظهار عُقده الحاقدة من النشطاء الحقيقيين، وهي عُقد تتراكم فيه، وعليه، منذ أن توالى سقوطه في دواوين آل خليفة.
في القاعة الرئيسية لمجلس حقوق الإنسان، القاعة رقم ٢٠، يلتفت يوسف بوجيري يمينا وشمالا، وكأنه يعدّ لغزوةٍ رديفة لغزوات المرتزقة على تظاهرات البحرين. مواهب بوجيري تتعدى حدود أن يكون مندوباً للقتلة في جنيف. هو بارع أيضا في السرقة. في القاعة المذكورة، وكما يظهر في الصورة أدناه، يقوم بوجيري بسرقة إعلانات لمنظمة “أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين” تخص ندوة تعقدها يوم الأربعاء تتناول مناقشة ردود النظام الخليفي على توصيات الاستعراض الدوري. يظنّ بوجيري بأن سرقته للإعلان سوف يكون مفيداً في تضليل العالم وإخفاء ما يحصل داخل “مملكة التعذيب”. ترصده الكاميرا كما يلاحقه الضحايا وأصواتهم الحرّة. يحاصر نظامُه النشطاءَ في سجون البحرين ويُمنع عنهم السّفر والكلام، ويُحاصره الأحرارُ في كلّ مكان، ومن حيث يحتسبون أو لا يحتسبون.
لا شكّ أن اشمئزازاً لا حدود له يعتري “حقوق الإنسان” حين ينطق به وفد آل خليفة في جنيف. ويكاد زيد بن رعد يقول وهو يتابع هذا الوفد وجولاته في الدفاع عن “حقوق السلطان”: “ارحموا أمّي وأبي.. ابحثوا لكم عن مكان آخر للدفاع عن الديكتاتوريّات”.