ورقة الإضراب والعصيان المدني هل لازالت مؤثرة
المعارضة في البحرين، وكأي معارضة في دول أخرى، تمتاز بالتعددية في المنهج، وهي قليل ما تختلف في الجوهر. وقد شهدت البحرين تنوعاً في العمل السياسي المعارض على مدى المراحل المختلفة، ولو سلطنا الضوء على بعض الفترات التي مرت بها، منذ العشرينات من القرن الماضي إلى وقتنا الراهن، لرأينا كيف تعدّدت أساليب المعارضة في المواجهة مع كل حقبة تاريخية، وقد أصبح معروفاً لدى الجميع، وخصوصاً لدى المتتبع للمشهد السياسي في البحرين، أنه مع كل عشر سنوات تقريباً تبرز هناك أزمة سياسية حادة بين السلطة وبين المعارضة وجماهيرها، وتستمر في ما بينهم إلى سنوات قد تطول، إلى أن يضيق الخناق على السلطة فتضطر للبحث عن إنفراج سياسي تقدّم من خلاله بعض الإصلاحات الصورية التي لا ترتقي لرغبات الشعب و مطالبه.
ولعل ذلك من أهم الأسباب التي تجعل من الساحة البحرانية ساحة قابلة للإنفجار في أي وقت، أو على الأقل مع نهاية كل عقد، حيث لا توجد حلول جذرية للقضايا، بل ثمّة تعليق للملفات، ومحاولات التفاف على المطالب، محفوف بمكر سياسي يؤدي إلى عدم الثقة بين الحاكم و المحكوم.
مع إنطلاقة ثورة 14فبراير 2011م؛ أمل الشعب من المعارضة – بمختلف مشاربها وانتمائتها وتوجهاتها – أن تتوحد تحت مظلة المطالب الشعبية، مستفيدةً من التجارب السابقة ومن حجم الالتفاف الجماهيري غير المسبوق خلفها، إلا أن الوقائع على الأرض تغلّبت على الأمنيات الشعبية؛ فكان لكل تيار وتكتل وجمعية رؤيتها المختلفه، وهو ما أدى إلى نشوء نظرية اللامركزية عند شباب 14 فبراير.
إحدى هذه التوجهات المعارضة هو توجه دعا لأن تتم المطالبة بالمطالب الشعبية من خلال مؤسسات الدولة، بعيداً عن التصادم والمواجهة المباشرة مع السلطة، ولكن سرعان ما تمّ التخلّي عن هذه الفكرة بسبب حماقة السلطة وعنجهيتها التي لم تبقِ لها صديق ولا عدو، حيث انسحبت المعارضة من البرلمان، وأعلنت استقالتها، وهي الخطوة التي حظيت بتقدير الشعب البحراني والثناء عليها.
ولازال الشعب يتطلع من المعارضة أن لا يكون أية مشاركة، بشكل مباشر أو غير مباشر، في الانتخابات البرلمانية المقبلة. وبرغم كل ذلك، لم ييأس التوجّه “التفاوضي” في المعارضة وجدّد الأمل في التواصل مع السلطة من خلال وسائط مباشرة أو غير مباشرة تجمعهم مع السلطة ممن تسميهم الإدارة الأمريكية بتيار الحمائم، أو من خلال مبادرات إقليمية أو دولية بسبب اعتقاد هذا التوجه بأنه من الممكن أن تقدّم القبيلة الخليفية للشعب بعض التنازلات التي ينال من خلالها حقوقة وحريته.
في المقابل، هناك أيضا تيار معارض كبير آخر يرى أن أسلوب المسايرة مع النظام، والعيش على أمل الحلول التي تأتي من الخارج، على شكل مبادرات أو وساطات أو حوار، أو التعويل فقط على تحركات المؤسسات الحقوقية في الخارج وضغوطاتها الدولية؛ أنّ كل هذه الأمور لن تجدي نفعاً، وذلك بلحاظ التجربة التي خاضتها المعارضة مع هذا النظام، خصوصاً في العقد المنصرم. ويدعو هذا الخط أو التيار إلى المواجهة السلمية عن طريق المسيرات التي تكون في مواقع إستراتيجية، وتنظيم الاعتصامات والإضرابات أو اللجوء إلى ورقة العصيان المدني، وإلى أن تتحقق المطالب الشعبية. وقد بدأ المؤمنون بهذا التوجّه بتفعيله، إلى أن أُصيب بالتراجع الجزئي مع اعتقال رموزه ومهندسيه والزج بهم في السجن.
والآن، وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على انطلاق ثورة الشعب البحراني، وسقوط ما يقارب 200 شهيد من مختلف الأعمار، وهو رقم مفتوح على الزّيادة في أي وقت مع استمرار إجرام النظام، وبعد كل هذه الاتنهاكات على كافة الأصعدة، من فصّل تعسفي على أساس مذهبي وطائفي ومواقف سياسية، وسحب جنسية أكثر من 4000 معتقل، من ضمنهم نساء وأطفال ومئات الجرحى وعشرات المساجد المهدمه.. بعد كلّ ذلك، فإنّ السؤال هو: ما هو الأسلوب الفاعل لمواجهة تعنت السلطة وإرهابها، في ظل إصرار كلّ أطراف المعارضة والجماهير على خيار السلمية في المواجهة؟
بالنسبة لي شخصياً، لا أريد تغليب رأي وأسلوب جهة على أخرى، ولكن قبل الولوج في الوقائع التاريخية، أود أن أشير إلى أني مع كل صوت يهدف إلى دعوة الطلاب لتحييد المؤسسات التعليمية عما سوف أتناوله لاحقاً، وذلك للخصوصية التي تتميّز بها البحرين.
لو راجعنا التأريخ، سنجد الكثير من الشعوب المطالبة بالحرية والديمقراطية والاستقلال التي نالت وحققت ما تريده بالمواجهات السلمية، من غير أن تفقد حضاريتها وأخلاقياتها التي تُعرف بها بين شعوب العالم. فهذا المهاتما غاندي، صاحب حملات العدالة الاجتماعية، واستقلال الهند عن الأمبراطورية البريطانية، والذي بيّن في حملاته قواعده للعصيان المدني، ومنها:
– المقاوم المدني (ساتياجراهي) لن يُداخله أي غضب.
– إنه سيتحمل غضب الخصم.
– إنه في سبيل ذلك سيحتمل هجوم الخصم عليه ولن يرد مطلقا، لكنه لن يخضع خوفا من العقاب إلى أي أمر يُوّجه إليه في غضب.
– عندما يعمد أي شخص في السلطة إلى اعتقال المقاوم المدني فإنه سيخضع طوعا للاعتقال كما أنه لن يقاوم مصادرة متاعه.
-إن كان أي من متاع المقاوم السلمي أمانة مودعة عنده؛ فإنه سيرفض تسليمها حتى لو فقد حياته دون ذلك، لكنه مع ذلك لن يردّ هجوما.
– رد الهجوم يشمل السباب واللعن. لذلك، فإن المقاوم المدني لن يعمد إلى إهانة خصمه مطلقا، لذا فهو لن يشارك في أي من الصيحات التي تخالف روح فلسفة (أهيمسا).
– المقاوم المدني لن يحيي علم الاتحاد ولن يهينه أو يهين الموظفين البريطانيين أو الهنود.
– خلال النضال إن أهان أحد موظفا أو اعتدى عليه؛ فإن المقاوم المدني سيحمي الموظف من الإهانة أو الاعتداء حتى لو دفع حياته ثمنا.
لقد كان العصيان المدني أحد أهم أساليب الحركات القومية في المستعمرات البريطانية السابقة في أفريقيا وآسيا قبل نيلها استقلالها. فقد نمى المهاتما غاندي وأمار باتيل العصيان المدني كوسيلة مناهضة للاستعمار. قال غاندي “إن العصيان المدني هو حق أصيل للمواطن في أن يكون متمدنا، وهو ينطوي على ضبط النفس، والعقل، والاهتمام، والتضحية”.
تعلّم غاندي العصيان المدني من مقالة ثورو الكلاسيكية والتي ضمّنها في فلسفة ساتياگراها السلمية. كانت حياة غاندي في جنوب أفريقيا وحركة الاستقلال الهندية أول تطبيق ناجح على نطاق واسع للعصيان المدني.
وفي نفس المسار، تبنى مارتن لوثر كنج، أحد قادة حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية الجنوبية الشرقية في ستينات القرن العشرين؛ أسلوب العصيان المدني، كما تبنّاه مناهضو حرب فيتنام، وكذلك في أوربا استخدم الثوار العصيان المدني فيما عُرف إجمالاً بالثورات الملونة التي اجتاحت دولاً شيوعية سابقة في وسط أوربا، فاثمرت عن خلع سلوبودان ميلوسوفتش في صربيا عام 2000، والثورة الوردية في جرورجيا التي أدت إلى خلع إدوار شفرنادزه في عام 2003 وكذلك الثورة البرتقالية في أوكرانيا التي تلت الانتخابات البرلمانية سنة 2004 والتي قادتها حركة بورا، وأيضاً الثورة البنفسجية في تشيكولفاكيا عام 1989 حين هاجمت الشرطة طلاباً من جامعة تشارلز، فساهم ذلك في سقوط النظام الشيوعي الموجود فيها سابقاً.
والاسقاطات التاريخية كثيرة، ولعل آخرها ثورة 25 يناير المصرية، والتي تعد من الثورات البيضاء الخالية من العنف من قبل المحتجين، حيث قام الشباب بالنوم في ميدان التحرير، كما قاموا بالنوم أمام مدرعات الجيش على شكل سلاسل بشرية، لكي لا يعمل الجيش والأمن على تفريق المتظاهرين. ومؤخرا ثورة الحوثيين في اليمن، وانتصارهم في هذا شهر سبتمبر الجاري.
ما أطمح إليه، وما أريده، هو أن نتحول من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، أي أن نتملك زمام الأمور على مستوى معين، ومن خلال عدة عوامل، قد لا تكون هي هي كل مفاتيح الحل والانتصار، وإنما هي جزءٌ منه، وهي:
1- الثقة بالله تعالى ووعده للمؤمنين.
2- دعم الشباب مادياً و معنوياً والمحافظة عليهم والتكافل الاجتماعي، ودعم أسر الشهداء والجرحى والمعتقلين.
3- أن يكون هدف الثورة تجفيف منابع قوة النظام لا الظهور الإعلامي.
4- السعي لإسقاط شرعية النظام، والتركيز على ذلك لما له من أهمية في إسقاطه من خلال وسائل يتم الاتفاق عليها شعبيا.
5- التعامل بمنطق المقاومة والمغالبة، لا بمنطق المطالبة والاحتجاج.
6- التمسك بالسقوف العليا، وعدم القبول السقوف الدنيا والتغييرات الشكلية .
7- الجمع بين العفوية وبين التخطيط والتنظيم.
8-المحافظة على المشاركة الشعبية الواسعة وإعادة الزخم لورقة العصيان المدني والإضراب.
9- التعويل على التغيير من الداخل لا الخارج، ولا يعني ذلك عدم تكوين تحالفات وصداقات مع دول أو أحزاب أو مؤسسات إقليمية ودولية.
10- التخطيط النفسي للثورة بتهيئة الجماهير لتقبل التضحية وتحمل الاذى، واستغلال اللحظة المثالية التي يكوف فيها أكبر عدد ممكن مستعد لذلك.
11- حسن إدارة الحرب النفسية.
12-الإعداد لمرحلة ما بعد الإنتصار لملء الفراغ.
13-المحافظة على الوحدة والتلاحم بين الثوار وعدم الانجرار للحروب البينية .
14- أن يشعر من لدية مصالح في البحرين سواء من دول الجوار في الإقليم أو دول الاستعمار، مثل أمريكا وأسطولها في الجفير، أنهم سوف يخسرون شعب البحرين ومصالحهم فيها، في حال استمروا في توفير الغطاء لهذا النظام الدكتاتوري.
15-وجود القيادة الحكيمة المضحية المتفق عليها من الأغلبية والتي تكون نموذجا يحتذى به عند التضحية.