وحدة العمل الحقوقي أم وحدة المعارضة؟
رأي البحرين اليوم-خاص
يطرح بعض المخلصين ويتسائل بصدق عن الأسباب التي تقف وراء غياب مشروع لتوحيد العمل الحقوقي في البحرين، في ظل العدد الكبير من المنظمات الحقوقية التي تنشط في مجال توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين.
وبالمقابل فإن البعض يتسائل وبصدق أيضا عن سر غياب مشروع لتوحيد فصائل المعارضة البحرانية ضمن جبهة معارضة تتفق فيها التيارات والأحزاب على استراتيجية وآليات وسقف زمني محدد لإخراج البحرين من أزمتها المتفاقمة.
ويبدو التساؤل الأول للوهلة مشروعا مع وجود كم من المنظمات الحقوقية المختصة في موضوع واحد وهو توثيق الإنتهاكات والدفاع عن حقوق الإنسان وإثارة انتباه المجتمع الدولي إلى حقيقة ما يجري في البحرين.
لكن وحدة الموضوع لا تكفي وحدها كمبرر لتوحيد المنظمات الحقوقية! فالعالم يضج اليوم بالمنظمات الحقوقية ومنها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وربريف وغيرها من المنظمات، وليس هناك ضرورة لتوحيدها. فهذه المنظمات لكل منها آلياتها ورؤيتها الخاصة لتحقيق اهدافها.
وذات الأمر ينطبق على البحرين! فهناك تباين في استخدام الآليات وخاصة الدولية منها انطلاقا من رؤية كل منظمة حقوقية، ففيما يرى البعض أن مجرد القاء كلمة في مجلس حقوق الإنسان أو عقد مؤتمر صحفي في غرف مغلقة، هو الطريق الأمثل، فإن منظمات أخرى ترى ان العمل الحقوقي الحقيقي المثمر، يعتمد على استخدام وحسن استثمار الآليات الدولية.
ويبقى الهدف الأسمى للمنظمات الحقوقية هو توثيق الإنتهاكات وتقديم الشكاوى إلى المؤسسات الدولية المعنية، ولذا فإن المجتمع الدولي لا ينتظر من المنظمات الحقوقية تقديم حلول للأزمة السياسية التي تمر بها البلاد! فذلك ليس من مسؤوليتها وليس من اختصاصاتها المرتبطة بطبيعة عملها.
فتقديم الحلول هو وظيفة المعارضة في كل بلد، تطرح رؤاها لحل الأزمة أمام أنظار الشعب والمجتمع الدولي، وهنا تبرز أهمية موضوع وحدة الفصائل المعارضة. فهذا الطرح يبدو ملحا اليوم أكثر من أي وقت مضى، ولم يعد هناك عذر أمام قوى المعارضة المتعددة لتوحيد صفوفها ضمن مشروع جامع تتفق فيه على استراتيجية وأهداف وآليات وسقوف زمنية لتحقيقها.
فجميع هذه الفصائل متفقة على أن شعب البحرين يعاني من مظلومية كبيرة في ظل حكم العائلة الخليفية، حيث التمييز والإضطهاد ومصادرة الحقوق الأساسية واستئثار العائلة الحاكمة بالسلطة وبالثروات، وسياسات التغيير الديمغرافي واعتقال الناشطين وغلق الفضاء المدني والسياسي.
وجميع هذه الفصائل مجمعة على أهمية إحداث تغيير في البلاد، قد يتفاوت سقفه بين فصائل توصف بالثورية التي تطالب بإسقاط النظام، وأخرى تعرف بالجمعيات السياسية وفي طليعتها جمعية الوفاق، و تطالب بإصلاح النظام معولة على بعض رموزه “المعتدلة“ كولي العهد مقابل ”جناح الخوالد“ المتشدد .
لكن هذا الأسباب التي تقف وراء الخلاف حول سقف المطالب قد تلاشت، بعد أن وضع النظام جميع فصائل المعارضة في سلّة واحدة، وبات ينظر إليها جميعا بعين واحدة، ألا وهي عين الخيانة والعمالة للخارج، فلم يعد يفرق بين تيار الوفاء الإسلامي الذي يوصف بالراديكالي وبين جمعية الوفاق ووعد باعتبارهما جمعيات سياسية. فالنظام حظر العمل السياسي وجرمه على جميع فصائل المعارضة مهما اختلفت مسمياتها، ولكن تجمعها صفة المعارضة.
فهذا النظام قطع شعرة معاوية مع الجمعيات التي كانت تتواصل مع بعض رموز النظام التي توصف بالمعتدلة كولي العهد سلمان الخليفة! وبات واضحا أن نهج العائلة الحاكمة موحد وقائم على قمع الشعب وعدم الإستجابة للحد الأدنى من مطالب الشعب وأنها أصدرت قرارها بحذف المعارضة ووضعتها في خانة الإرهاب. وبذلك فإن النظام عبّد الطريق لتوحيد تلك الفصائل وأصبحت مسؤولية ذلك على عاتقها.
ومن ناحية أخرى فإن المحاذير الأخرى التي تمنع الوحدة تلاشت هي الأخرى! فالفصائل التي كانت ترفض التواصل مع المجتمع الدولي مقابل أخرى كانت تسعى لمد الجسور معها وتبذل جهودا كبيرة للناي بنفسها عن تصنيفها على المحور الأمريكي أو الإيراني، فلم يعد لهذا التصنيف قيمة اليوم.
فجمعية الوفاق التي مانفكت تؤكد ابتعادها عن إيران وتشدد على عمقها العربي، فإن تطورات الأوضاع في المنطقة وضعتها في خانة المحور الإيراني شاءت أم أبت! إذ انكفأت الجمعية في كل من إيران ولبنان! بل إن آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم اختار إيران مقرا له بعد إسقاط جنسيته و‘بعاده عن البحرين. ولم تعد الدول الغربية تفرق بين جمعية الوفاق او تيار الوفاء، فكلاهما وضع في خانة إيران والإرهاب!
وأما الفصائل التي كانت توصف سابقا بأنها متشددة فإنها أصبحت اليوم أكثر اعتدالا من الجمعيات السياسية وخاصة الوفاق على صعيد الإنفتاح على الدول الغربية المؤثرة وخاصة بريطانيا. فحركة أحرار البحرين وبحكم تواجد قياداتها في الغرب نسجت شبكة من العلاقات مع المجتمع الدبلوماسي في بريطانيا وأوروبا، وخاصة مع نواب في البرلمان البريطاني والأوروبي وعواصم الدول الأوروبية المؤثرة، الذين يحرجون حكوماتهم فيما يتعلق بمواقفها من الأزمة في البحرين.
لكن مايؤسف له أن بعض قوى المعارضة السياسية التي أثبتت تجربة السنوات الماضية فشلها في إدارة الأزمة، تحاول استخدام قضية وحدة العمل الحقوقي كشماعة لتبرير تشرذم المعارضة وتفرقها وغياب أي مشروع لتوحيدها.
إلا انه وبرغم كل ذلك فإن الفرصة لا تزال سانحة أمام جمعية الوفاق باعتبارها الأخ الأكبر لفصائل المعارضة البحرانية، لطرح مشروع يمثل حاجة وطنية بالمقام الأول، لتوحيد الفصائل ضمن جبهة معارضة واحدة تطرح رؤيتها لحل الأزمة، وتسقط ذرائع المجتمع الدولي المتقاعس عن بذل أي جهد مؤثر لحل الأزمة السياسية المتجددة التي تمر ذكراها التاسعة بعد أيام، متذرعا بتفرق المعارضة وغياب مشروعها الموحّد لحل الأزمة.
وبغير ذلك فإن فصائل المعارضة قاطبة وبحسب حجمها تتحمل بعد النظام مسؤولية غياب الحل السياسي في البلاد واستمرار معاناة شعب البحرين!