هوية الوفاق: رهانها واختبارها
البحرين اليوم – (خاص)
اعتقال الشّيخ علي سلمان هو قرارٌ “مبيّت“. هذه جملة مؤكّدة. التّحقيقات التي فتحت ملفّات الشّيخ منذ ٢٠١٢م، هي دليل على ذلك. ما كانت تفعله السّلطة، وحتّى قبل أشهر من الاعتقال، هو محاولة من أجل إرغام الشّيخ، بالصّوت تارة والسّوط تارة أخرى، على العودة إلى المربع الأوّل، أي إلى ما قبل ١٤ فبراير ٢٠١١م.
من الواضح أنّ الجناح الذي يُمثّله الشّيخ سلمان داخل الوفاق كان أقوى من كلّ الإكراهات وعمليات الإرغام.
حمل الشيخ سلمان عبءَ المسؤوليّة على نحوٍ تجاوزَ فيه المسار التقليديّ الذي طَبع الأداء السّياسيّ للجمعية قبل الثّورة، واستطاع “الطّيرالمهاجر” الذي حلّق بانتفاضة التّسعينات؛ أن يُعيد بناء “الوفاق” وفق هويّة الثّورة، ومقتضياتها التي تُصنع في الميدان، وبسواعد الشّبان وعموم الأهالي.
باتت الوفاق محفوفة بهويّة جديدة:
– خرجَ، نهائياً، من قاموسها مصطلح “المشروع الإصلاحي لجلالة الملك“.
– لم يعد، أبداً، من المتاح التّعاطي مع رئيس الحكومة.
– الاتّصالاتُ الدّوليّة جزء من العمل السّياسيّ،وليست ضرباً من هدْر الوقت أو الإحراج المؤقت.
– الشّارعُ هو رهانٌ مرجعيّ، وليس أداة للاستقواء وقت الحاجة.
– التّنسيق مع رفاق “الثورة” فرْض وجودي، فضلاً عن كونه مطلباً شعبيّاً غير جديد.
– مرجعيّة الوفاق، الشّيخ عيسى قاسم،حسمَت الأمرَ، وعلى نحوٍ فاصلٍ وبيّن، ليس منذ “اسحقوه“، ولكن منذ الظّلال الأولى للثّورةِ، حينما بدأت العباءةُ تتّسع للجميع، وتكرّسَ معها التّلاحمُ الأوسع.
على مدى السّنوات الأربع، كانت السّلطةُ تمدّ حبْلها، وحبائلها، لكي تكسْر المعادلة الجديدة التي انتهت إليها الوفاق، بقيادتها ومرجعيتها. سُلّطت عليها كلّ وسائل التدجين، والتّرهيب. أُسْتدرجت إلى “حوار التّوافق الوطني” ليُعاد تذويبها في التّناقضات، وأُعطي الضّوءُ الأخضر لأشاوس السّلطة لكي ترميها بأسوأ النّعوت، وظهر “المستشار الإعلامي“ ووزير العدل أبطالاً في هذه الملحمة، والتي مدّت سوءاتها لتطال الشّيخ قاسم نفسه. لم ينفع ذلك، سُمِع صوتُ حسن مشيمع في “الوفاق“ مجدّداً، وهتف الشيخ سلمان فوق المنصّة “سير يا مشيمع كلّ الشّعب ويّاك“، وصدّر قادةُ الثّورة المعتقلون بياناتٍ تلبّي نداءات الشّيخ قاسم، وتدعو النّاس للالتفاف حوله، والذّوبان فيه. وسقطَت المؤامرة.
اعتقالُ الشّيخ سلمان هو يأسٌ حكوميّ منه. اعتقاله، والتّهم الموجّهة ضدّه، كان ابتلاعاً كاملاً للسّم الذي أُريد زرْعه في شرايين الوفاق، وجمهورها. فعلَ النّظام في الشّيخ سلمان ما كان يتمنّاه الأخير، ويُعلنه على الملأ وكأنه أمنية. فعلَ النّظام فيه ما به يمكن القول بأنّ الوفاقَ ضخّت في قلبها حياةً جديدةً، ولو تدحرج الجنونُ إلى حدّ حلّ الجمعيّة.
رسالة الشيخ سلمان التي توجّه بها إلى الناس، وتأكيده على الاستمرار في الطريق، هي رسالة إلى الوفاق، والنّاس، وقبل السّلطة. رسالة الشيخ سلمان تؤكّد بأنّ الجنون القادم لن يُثنيه عن الخيارات المعلنة، وأنّ أيّ مسعى لاستغلال فراغ “الأمانة العامة”، والعمل على تكرار خطط اختطاف “الوفاق” وإعادتها إلى ما قبل 14 فبراير؛ كلّ ذلك لن يكون مستطاعاً بسهولة.
الأخطار “الجانبية” لا تزال مُحدقة بالوفاق، هذا ينبغي أن يكون حاضراً أمام الأعين. وهويّتها الجديدة تظلّ هي رهانها الذي يضعها أمام الاختبار الدّائم.