هل يفعلها ناصر ويمثل أمام القضاء البريطاني؟
إذا كان ناصر بن حمد يجزم ببراءته من تهم ممارسة عمليات التعذيب ضد معارضين لحكم والده، فلماذا لا يمثل أمام القضاء البريطاني، ليبرئ ساحته من الاتهامات التي أساءت لصورة العائلة الخليفة الحاكمة، إلا إذا كان ناصر ووالده وعائلته يعتقدون أن القضاء في المملكة المتحدة غير نزيه وغير عادل وغير شفاف؟ ومنحاز إلى المعارضة! وما أظنهم يجرؤون على قول ذلك.
إن مثول النجل الرابع للملك سيكون أكبر نفي للإدعاءات التي أطلقها الشيخ محمد حبيب المقداد، والشيخ عبدالله المحروس بقيام ناصر بتعذيبهما، وسيرفع ذلك اسمه عاليا بمجرد حضوره إلى قسم التحقيق في سكوت لانديارد، ويعطيه أوسمة الشجاعة الحقيقية، وسيتصدر خبرا كهذا وكالات الأنباء العالمية، التي يعشقها ناصر.
لنتذكر أنه طوال الوقت رفضت السلطات الخليفية التعاطي مع المحكمة، فيما رفض ناصر إبداء أي تجاوب مع قضاة محكمة الجنايات في لندن، واكتفت المنامة بمداخلات الإدعاء البريطاني الذي أقر بالحق في كشف هوية ناصر في مايو الماضي، ثم أقر في 7 أكتوبر الجاري بأن لا حصانة له، كما افترضت حكومة كاميرون في صيف 2012، حين رفضت طلبا بالتحقيق مع ناصر في مزاعم بتعذيب سجناء ضمير.
السلطات البحرينية قالت في بيان رسمي أن الإدعاءات التي في ضوئها تم رفع الحصانة عن ناصر، “كاذبة وغير صحيحة وذات دوافع سياسية انتهازية واضحة”، وهذا يفترض أنها مقتنعة ببراءة الابن المدلل للملك، الذي من المرتقب أن يتم القبض عليه إذا حضر إلى المملكة المتحدة، وأن يحال للشرطة للتحقيق معه، في مقدمة لمثوله أمام القضاء.
وقد عبّرت الحكومة البريطانية عن دعمها ابن الملك، بزيارة قام بها السفير البريطاني في المنامة ايان لينزي لمكتب ناصر بن حمد، وأكدا الإثنان على “علاقة الصداقة التي تربط البلدين، واستمرار أوجه التعاون بينهما”، ولا يوجد صفاقة أكبر ذلك، ولا سياسة غير أخلاقية أكبر من ذلك، ولا دعما أكثر سفورا من ذلك.
لكن بينما يمكِن للملك حمد توجيه قضاة ومحاكم ونيابة البحرين على النحو الذي يريد، فإنه لا يمكن للحكومة البريطانية إلا احترام قرار محاكمها المستقلة، وهو أمر تعيه سلطات المنامة جيدا.
كما يدرك قصر الصخير أن الإعلام البريطاني حرّ في التعبير عن رأيه، ولا يمكن فرض إيقاع يمجد نظام البحرين في: بي بي سي والتايمز والجارديان، كما يفعل الملك حمد في إعلامه ذي الوجه الواحد.
ولاشك أن الملك حمد يشعر بالألم الكبير لأن ابنه في وضع صعب كهذا، لكني أشك لحظة أن يكون الملك البحريني يشعر بذرة ندم لأنه أمر بقمع الاحتجاجات المنادية بالديمقراطية، ومضى في سياسات عنيفة أدت إلى سفك الدم الحرام، وإدخال البلد أسوأ أزمة تعيشها في تاريخها الحديث، وتوريط ابنه في عمليات التعذيب.
وبينما استغرقت العملية القضائية، في بريطانيا، نحو سنتين لتنتهي إلى أن ابن الملك لا يتمتع بالحصانة الدبلوماسية، فإن المتهمين الأبرياء في البحرين يواجهون قضاء مسيسيا لا تتوافر فيه شروط المحاكمات العادلة، ويصدر هذا القضاء يوميا عشرات الأحكام بالمؤبد والسجن بأحكام طويلة واسقاط الجنسية، مستندا إلى رغبات الحاكم بإخماد الاحتجاجات المناوئة له، وليس إلى منطق قانوني سليم، وهذا لا يمنع القضاة في المحاكم الخليفية أن يتدربوا في لندن، دون ان يأخذوا من قضائها شيئا من التزامه بالعدالة، وإنصافه الخصوم.
ومع الأسف، فإن الآمال لا تتوافر كي تمكّن المراقب من القول بأن الملك حمد سوف يتعلم من الدرس، وأن الألم الذي يغصّ به، قد يجعله يشعر بأنّات ضحايا نظامه الاستبدادي، ولعله اليوم أكثر غيضا وغضبا وحنقا ضد المعارضين الذين انتزعوا من المحاكم البريطانية حكما ضد ابنه المدلل.
أنهي بالقول بأنه يمكن لنجل الملك أن يقتدي بالرئيس الكيني أوهورو كينياتا، الذي مثُل مؤخرا أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وشكّل بذلك سابقة باعتباره أول رئيس دولة يمثل أمام القضاة الدوليون، بتهم ارتكابه جرائم ضد الإنسانية في بلاده.
وإذا فعلها ناصر، فإنه سيكون أول شخصية خليجية وبحرينية تمثل أمام القضاء البريطاني بتهم ممارسة التعذيب، ونعرف أن ناصر يعشق أن يكون أولا، فهل يفعلها؟