هل يشهد اجتماع مجلس التعاون في المنامة الولادة القيصرية للاتحاد الخليجي؟
البحرين اليوم – متابعات
تلتئم قمة جديدة لدول مجلس التعاون الخليجي في العاصمة البحرانية المنامة بتاديخ ٦ و٧ ديسمبر المقبل، في ظل تحديات داخلية وخارجية تواجهها أنظمة الخليج التي دخلت دوّامة جديدة من الاهتزاز الإستراتيجي بعد تورطها في معارك ونزاعات إقليمية ترافقت مع تراجع متسارع في سجلها لأوضاع حقوق الإنسان والحكم الديمقراطي.
القمة التي يُفترض أن تشارك فيها رئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي، تحظى بأهمية خاصة لدى النظام الخليفي الذي يعوّل على استمرار الدعم البريطاني والسعودي للخروج من أزماته “المستعصية”، وخاصة لجهة إعادة ترتيب البيت الداخلي ومع وصول علاقته بالسكان الأصليين إلى طريق مسدود، وهو ما دفع الخليفيين إلى تكرار الترويج المتسارع لإعلان الاتحاد الخليجي الذي كان “الشعار التحريضي” المفضل للنظام ومواليه خلال الفترة التي شهدت دخول قوات آل سعود إلى البحرين في مارس ٢٠١١م للمشاركة في قمع الثورة، والتي تبعها دخول قوات إماراتية أسهمت أيضا في عمليات قمع المتظاهرين بحسب ما أكدت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلنتون، في مراسلاتها الإلكترونية التي سرّبها موقع ويكيليكس.
بحسب المراقبين فإن آل خليفة – وبدعم سعودي – يجدون في انعقاد القمة الخليجية فرصةً سانحة للدفع “جديّاً” بمشروع الاتحاد الخليجي، وهم يرون أن الإقدام على هذه الخطوة سيكون مؤاتيا مع المباركة البريطانية المحتملة، وتشوش العلاقة مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس الجديد دونالد ترامب. كما أن هذه خطوة من شأنها أن تُتيح للنظام الخليفي – كما يعتقد – مساحات جديدة للتموضع الداخلي وتشطيب العاهات والانكسارات التي مُني بها مع عجزه عن إجهاض الثورة من جهة، وفشله المستديم في إقامة شراكة وطنية مع السكان الأصليين من جهة أخرى.
العقبة العُمانية لا يبدو أنها ستظل حجرة عثرة أمام الحماس المتجدد للدفع بمشروع الاتحاد الخليجي، وهو ما كشفه الوزير الخليفي غانم البوعينين الذي قال في تصريحات صحافية موخرا بأن “الاتحاد الخليجي قد يتم من دون عُمان”. وكان لافتا أن البوعينين تعمَّد “إحراج” العُمانيين أكثر حينما أكد بأن مشروع الاتحاد سيكون على طاولة قمة المنامة المقبلة، وأن الدول الخليجية المعنية به باتت قريبة من هذا المشروع، وعلى قاعدة تثبيت إيران “عدوا” لها.
وفي حين يقلل متابعون للشأن الخليجي من هذه التصريحات، ويرونها “استمرارا للحفلات الدعائية التي أقامها الخليفيون رفقة دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين”؛ إلا أن هناك منْ يرى أن الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة قد تضع مشروع الاتحاد هذه المرة على “سكة التنفيذ”، ولاسيما بعد المناورات الخليجية التي شهدتها البحرين في وقت سابق من شهر نوفمبر الجاري التي حملت شعار “أمن الخليج١”، وهي “الرغبة” التي كررها وزير خارجية آل خليفة، خالد أحمد، في مقابلة تلفزيونية أخيرة قال فيها بأن دول الخليج “اتخذت خطوات كبيرة على طريق الاتحاد الخليجي”، بحسب تعبيره.
لا يتردد معارضون في القول بأن حماسة آل خليفة لإعلان الاتحاد الخليجي هو بإيعاز كامل من آل سعود الذين يمارسون دور “الشقيقة والشقية الكبرى في الخليج”، وهم يرون بأن طموحهم الجديد في توسيع نطاق الهيمنة في المنطقة لن يتم إلا من خلال تعميق آليات “التعاون” الخليجي وتكريسها في الرياض، وبالاستفادة من الأدوار التي قام بها السعوديون في السنوات القليلة الماضية، حيث ظهروا وكأنهم “الفاعلون الأساسيون” في إدارة شؤون المنطقة والتحكم بمصائر شعوبها، ومن ذلك الحرب على اليمن، والتمرغ في الملف السوري، والبروز العلني في مواجهة إيران، فضلا عن المحاولات المستميتة لضخ المرجعية “الدينية” السعودية في العالم الإسلامي وتوجيه الجميع إليها بالإغراءات المالية والمغريات الأخرى.
في المقابل، يذهب مختصون في طبائع الدول المصطنعة والتجمعات السياسية؛ بأن الاندفاع المتنامي نحو إعلان الاتحاد الخليجي ينبيء عن تصدّع غير ضئيل تواجهه الدول المنضوية في مجلس التعاون الخليجي، وذلك بعد أن فقد الأخير مبررات وجوده تدريجيا، ومع اتساع حجم التمايز – والتناقض أحيانا – بين أعضائه. وفي الوقت الذي يرى الخليفيون والسعوديون أن الاتحاد من شأنه أن يُعيد ترميم التصدعات الداخلية، ويُسهم في صياغة معادلة جديدة لكبح جموع الشقيقات الأخريات في المنافسة والاستقلالية؛ إلا أن الأرضية الملتهبة وسلّة التناقضات القائمة (ليس مع عُمان فحسب) ستكون المادة التفجيرية التي تجعل من الاتحاد الخليجي البيتَ الأخير الذي تتهدّم سريعا أعمدتُه الهزيلة على أصحابه، وقد يكون ذلك تمهيدا “تاريخيا” لتغير خارطة الخليج السياسية والإستراتيجية التي ستكون مضطرة للتقاذف البيني بسبب “ولادة قيصرية” لمشروع مشوّه وسيء الأهداف.
* إعداد الكاتب علي مشيمع