ساهر عريبيمقالات
هل يدفع المجتمع الدولي ثمن تراخيه في محاربة الإرهاب؟
البحرين اليوم – (خاص)
أثارت الهجمات الإرهابية الأخيرة التي طالت العاصمة الفرنسية باريس؛ حميّة عدد من الدول الغربية التي أعلنت أنها اليوم في حالة حرب مع تنظيم “داعش” الإرهابي، كما أعلنت فرنسا على لسان رئيسها هولاند، وكما صرّح وزير بريطاني أمس الخميس، بأن بلاده ذاهبة إلى الحرب.
ردود الأفعال هذه تثير جملة من التساؤلات وتكشف العديد من الحقائق حول كيفية تعاطي مثل هذه الدول مع الموجة الإرهابية التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط منذ عدة سنوات. فهجمات باريس هي غيض من فيض الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها التنظيم الإرهابي في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
قبل أيام من هجمات باريس، اهتزت الضاحية الجنوبية في بيروت على وقع العملية الإنتحارية المزدوجة التي أودت بحياة العشرات من الأبرياء، وأعقبها عمليات مماثلة في العاصمة العراقية بغداد، لكن المجتمع الدولي مرّ عليها مرور الكرام، وكان يبدو غارقا في سبات عميق لم يوقظه منه سوى وقع هجمات باريس التي استهدفت قلب اوروبا، حيث استفاقت من نومها، وقرّرت دولها خوض الحرب ضد قوى الإرهاب، وسارعت فرنسا إلى إرسال حاملة طائراتها التي دكّت بعضا من مواقع داعش في معقله في مدينة الرقة السورية. فيما يعتزم رئيس الوزراء البريطاني تقديم طلب إلى البرلمان للسماح بتوجيه ضربات جوية في سوريا.
ردود الأفعال هذه تكشف أن فرنسا والدول الغربية لم تكن جادّة في مكافحة الإرهاب طوال السنوات الماضية، وأن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ويضم في عضويته فرنسا؛ لم يكن سوى تحالف شكلي لذر الرماد في عيون المجتمع الدولي، ولتلميع صورة أنظمة بعض دول المنطقة التي تدعم الإرهاب، وفي طليعتها السعودية والبحرين.
احتفظت فرنسا طوال السنوات السابقة بعلاقات اقتصادية وعسكرية وثيقة مع السعودية، وكذلك فعلت بريطانيا، بالرغم من وجود شبه إجماع دولي على أن الموجة الإرهابية الجديدة ولدت من رحم المؤسسة الوهابية المدعومة من سلطات آل سعود، وبالرغم من الدعم العلني التي تقدمه السعودية للجماعات المسلحة في سوريا تحت ذريعة إسقاط نظام بشّار الأسد.
إلا أن فرنسا وبالرغم من عداء الأسد للجماعات الإرهابية ومحاربته لها على الأرض؛ ظلّت تصر على إسقاطه، وكذلك فعلت الولايات المتحدة التي ما انفكت تعلن ذلك، بل وتظهر معاداتها لجميع القوى التي تحارب الإرهاب على الأرض، وفي طليعتها الحشد الشعبي العراقي وحزب الله اللبناني.
هذه القوى دفعت ثمنا باهضا لإستهدافها من قبل قوى الإرهاب، لكن المجتمع الدولي وقف متفرجا، بل إنه وقف بشكل مباشر إلى جانب قوى الإرهاب تحت ذريعة عدم السماح بانتصار الأسد.
وقد ظهرت عدم جدية التحالف الأمريكي في مقاتلة تنظيم داعش الإرهابي عندما أعلن معارضته للتدخل الروسي في سوريا منذ أواخر شهر سبتمبر الماضي. فالضربات الروسية للتنظيم كانت فاعليتها خلال شهر؛ تعادل فاعلية ضربات التحالف الستيني خلال عام. وهو ما يفسر توجّه فرنسا للتعاون مع روسيا وتجاوب الرئيس بوتين مع ذلك، حيث أمر قواته في البحر الأبيض المتوسط بمعاملة القوات الفرنسية كحليفة.
إن هجمات باريس أزالت الكثير من الأقنعة حول إستراتيجيات الدول الغربية في محاربة الإرهاب. إذ يُعتقد أن تلك الدول تستخدم الإرهاب كورقة لزيادة مبيعات الأسلحة إلى دول المنطقة وخاصة دول الخليج، وفي ذات الوقت؛ فإن الدمار الذي ألحقه تنظيم داعش بدول المنطقة لا يخدم سوى إسرائيل التي تحيط بها اليوم دول مدمّرة غير قادرة على الدفاع عن نفسها، فضلا عن التفكير بمهاجمة إسرائيل.
إلا أن هذه السياسات ارتدّت اليوم على الدول الغربية، فما حصل في باريس مرشح للتكرار في لندن أو في أي مدينة أوروبية أخرى، وستفقد هذه الدول الشعور بالأمن وستدفع فاتورة تراخيها في مكافحة الإرهاب.
وإذا كانت الدول الغربية جادّة في مكافحة الإرهاب؛ فإن عليها أن تتخلى عن تحالفها الإستراتيجي مع الدول الداعمة للإرهاب، و أن تكف عن المطالبة باسقاط نظام الأسد في هذه المرحلة، بل وأن تكون معه في خندق واحد، وهو خندق مكافحة الإرهاب، وأن تبدأ بتشكيل تحالف جدّي لقيادة الحرب على الإرهاب ويضم في عضويته روسيا التي أثبتت جدّيتها في محاربته.