البحرين اليوم – (خاص)
يمكن القول إن أحداث الأزمة الخليجية/ القطرية هي مجرد أحجار على رقعة شطرنج أمريكيه، وقد وقّع عقودَها مقامرٌ يجلس على كرسي البيت الأبيض.
الفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي الذي تنبأ بـمجيء “ترامب” قبل ٦ سنوات من ترشُّحه للرئاسة الأمريكيّة؛ قال إن “أمريكا ستكون أخطر من ألمانيا النازية”، وقد أكّد تشومسكي مراراً بأن “مخطّطين” أدركوا منذ أربعينيات القرن الماضي، أن السيطرة على مناطق مخزونات الطاقة بالشرق الأوسط لها علاقة كبيرة بالسيطرة على العالم أجمع.
إن الصراع الخفي بين أمريكا والصين قلّما يظهر للعلن، لكن ما يُدار من أحاديث داخل أروقة الجانبين يعكس بصورةٍ فاضحة حجم التوتر في العلاقات و”الكراهية الدفينة” بين الطرفين، ففي الجانب الأمريكي هناك اعتقال بأنّ تغلغل الذراع الإقتصادية الصينية إلى قلب القارة الأفريقية والآسيوية؛ أصبح خطراً على النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، في الوقت الذي فشلت فيه المحاولات الأمريكية “المستميتة” لكبح جماح المارد الصيني، بل أضحت أية محاولة لمعاقبة أو فرض عقوبات علي الاقتصاد الصيني؛ هي بمثابة تدمير للاقتصاد الأمريكي نفسه.
وبسببٍ من هذا الفشل في احتواء الصين، والعجز عن عزلها في الوقت ذاته عن محيطها؛ لجأت إدارة البيت الابيض إلى تغيير إستراتيجي، ومن نوع آخر لمواجهة الاقتصاد الصيني، الذي يسود القلق من أن يُحوِّل الدولار إلى “ورق تواليت”، وذلك بعد إعلان “النصر الحتمي” على الإرهاب في حدودنا الجغرافية.
ضغط أنابيب الغاز.. الباعث الخفي للنزاع في الشرق الأوسط
تملك دولة قطر ربع احتياطي العالم من الغاز المسال، و يمكن لإجمالي احتياطات دولة قطر من الغاز أن تلبي احتياجات المملكة المتحدة من الغاز لمدة ٢٥٠ عاما.
وثمة طموح قطري إلى تصدير الغاز عبر الأنابيب نحو أوروبا، وخصوصا بعد أن أعلنت الدوحة العودةَ لإنتاج الغاز من حقل الشمال البحري، وهو أكبر حقول الغاز في المنطقة والمشترك مع إيران. وهو ما جعل “المرابي” ترامب – الذي يعتبر الخليج محميةً أمريكية – يُحرِّك أحجار الخليج نحو مواجهة محتدمة مع قطر، وذلك لإعادة ‘”الهيكلة الاقتصادية” في الولايات المتحدة، وبالتالي احتكار الطاقة لصالح الجوقة الحاكمة في البيت الأبيض، وبما يُسعف في تقوية المواجهة مع التنين الصينى الذي سيحكم أمبراطورية أعالى البحار.
هناك آفاق واسعة تنتظر التعاون بين الصين والشرق الأوسط في مجال الطاقة، وهذا ما يُفسر التناغم الإستراتيجي العالمي بين روسيا وإيران والعراق وسوريا ولبنان، ومؤخرا مصر والجزائر، وذلك بخصوص مستقبل الطاقة وعملية الإنتاج والتنقيب والتخزين والتصنيع والتصدير، وقد انعكس ذلك كلّه على الأزمة السورية.
إلا أن الأمر بالنسبة لروسيا لا يقتصر على مجرد صفقات أسلحة وقاعدة بحرية، بل إن المحاولات الأمريكية باسقاط الدولة السورية يُفقد موسكو موقعا محوريا في قلب “تحالف إستراتيجي‘” تمثله الحالة السورية ومحيطها، وبما يرتبط بإيران، مروراً بأفغانستان، وانتهاءاً بالصين وضواحيها الجغرافية.
يضاف إلى ذلك، فإنّ الحدث السوري الذي أسقط الأقنعة؛ تبدّلت من ورائه الجلود الدولية، وأظهر بوضوح حالة الصراع الحقيقية التي أعادت إلى الأذهان ما يُشبه زمن الحرب الباردة التي كان فيها الإتحاد السوفياتي والصين يقودان (بشكل منفصل ومتناكف) المواجهة الشرق أوسطية ضد الغرب، غير أن الأزمة السورية جرت بما لا تشتهي السّفن الغربية (بإسقاط الرئيس الشرعي للدولة السورية)، وأظهرت مقدار التفاهم والتقارب وحتى التحالف الصيني – الروسي -الإيراني وحلفائها، بحيث أنتج موقفا موحّدا ضد أي تدخل أجنبي في سوريا.
تشير التقارير إلي أن جمهورية إيران الإسلامية كانت تعمل على شقّ خط أنابيب آخر من ضفتها الشرقية إلى جهة باكستان والهند. وقد عرضت الصين على باكستان المساعدة في إقامته هذا الشّق على أراضيها، وأن الخط المذكور سيصل لاحقا إلى الصين.
قد تنجح إيران في ضخ الغاز عبر المتوسط أو تركيا وذلك بعد رفع العقوبات، ما يزيح الغموض قليلاً عن فصول من الإنقلاب الأمريكي على الاتفاق النووي، وفرْض المزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران.
إذن، الخطة تُفصح بما بات معروفا من المخاوف الأمريكية من خطر تعاظُم قوّة الصين في المجالين الإقتصادي والعسكري، أو الحلف الصيني الروسي، والخطة ترمي بشكل علني بل متسلط إلى السعي من أجل تقييد حركة العملاق الصيني وإتقاء تطوّر نموه.
وبعد سلسلة فاشلة من محاولات الاحتواء؛ قررت أمريكا تحويل معركتها مع الصين إلى الشرق الاوسط، وإرغام قطر على مشاركة ترامب لها في الذهب الأزرق عبر بحار العالم، وهو ما يدفع باتجاه إشعال المزيد من الحرائق في المنطقة في حال قررت الدوحة بالفعل تغيير مواقفها السياسية تجاه ما يجري في سوريا والبحرين واليمن.
ولكن كيف ستواجه الولايات المتحدة طهران إنْ علمت أن أرضها تحتوي على احتياطي هائل من الغاز، وأن أوروبا تعد أهمّ سوق عالمية لهذا الغاز؟ وكل ذلك في ظل تحالف إستراتيجي متين، والرئيس العربي بشار الأسد “حجر أساس” له!؟