هل وقع السيد مقتدى الصدر في فخّ السعودية؟
البحرين اليوم – (خاص)
بقلم:ساهر عريبي
sailhms@yahoo.com
إعلامي عراقي – لندن
أثارت الزيارة التي أجراها الزعيم الوطني العراقي السيد مقتدى الصدر إلى المملكة العربية السعودية عاصفةً من الإنتقادات بين أوساط عراقية وخليجية. وتتسم بعض تلك الإنتقادات بالموضوعية فيما لا يندرج البعض الآخر منها إلا في خانة تسقيط الآخر، وتصفية الحسابات، بهدف تحقيق مكاسب سياسية. فهل وقع السيد مقتدى الصدر في فخ السعودية أم أن زيارته وزيارة مسؤولين عراقيين آخرين تسهم في تعزيز مكانة العراق الإقليمية؟
بداية وقبل الخوض في حيثيات هذه الزيارة وأهدافها وآثارها وتداعياتها؛ لابد من الإشارة إلى أنها ليست الزيارة الأولى حديثا لسياسي عراقي إلى السعودية ولقاؤه بزعمائها، وفي مقدمتهم رجل المملكة القوي محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، الذي أصبح الحاكم المطلق للبلاد منذ عزل ابن عمه محمد بن نايف من ولاية العهد قبل بضعة أسابيع. إذ سبق تلك الزيارة وفد عراقي كبير ضم رئيس الوزراء ووزير الخارجية ووزير الداخلية قاسم الأعرجي الذي اجتمع بابن سلمان، بالرغم من أنه قيادي في منظمة بدر المقرّبة من إيران، لكنه لم يجد حرجا في الظهور مع ابن سلمان في جلسة غلب عليها طابع الإرتياح، بحسب الصور التي تسربت عنها. وسبقتها كذلك زيارة سابقة لعدنان السدي، القائم بأعمال وزارة الداخلية في زمن حكومة المالكي السابقة، والتي تعهّد خلالها بتوفير كافة مستلزمات الراحة والزيارات لإرهابيين سعوديين اعتقلتهم السلطات العراقية حينها.
إلا أن حملة الإنتقادات التي واجهتها زيارة السيد الصدر كانت لافتة على العكس من سابقاتها التي مرّت مرور الكرام، إلا من بعض الإنتقادات الخجولة. ومما لاشك فيه أن توقيت الزيارة يبدو للوهلة الأولى غير مناسب، حيث تشن القوات السعودية حملة عسكرية على بلدة العوامية منذ عدة أسابيع أدت إلى سقوط العديد من الضحايا وتدمير كبير في ممتلكات المواطنين في هذه البلدة التي اندلعت فيها عام 2011 احتجاجات تطالب بإنهاء عقود من سياسات الإقصاء والتهميش، غير أن السلطات قمعتها بقسوة. هذه الحملة العسكرية أثارت قلق عدد من الدول الغربية، ومن بينها كندا التي أصدرت وزارة خارجيتها بيانا يوم الجمعة الماضية عبّرت في عن قلقها من تلك الحملة ومن استخدام آليات عسكرية كندية الصُّنع فيها وتم تصديرها إلى السعودية سابقا. ولذا يرى ناشطون أن توقيت الزيارة غير مناسب في الوقت الراهن إلا إذا كان السيد مقتدى الصدر يحمل في جعبته مقترحا لإنهاء الهجوم على العوامية بالرغم من أن ذلك يبدو مستبعدا في الظرف الراهن.
وعليه، فإن الزيارة تبدو في هذا الوقت غير مناسبة، ولربما تعطي إشارة بعدم اكتراث السيد مقتدى الصدر لما يجري في العوامية، خاصة وأنه رجل دين وسليل عائلة عريقة أكتوت بنار الدكتاتورية. إلا أنه لا ينبغي عند تقييم هذه الزيارة وغيرها من الزيارات المماثلة؛ ربطها بالوضع الحالي فقط، الذي يتسم بالتعقيد، بل يجب تقييمها من خلال نظرة إستراتيجية بعيدة المدى تنطلق من جملة من الثوابت، وأولها أن السعودية دولة جارة كبيرة في المنطقة، وهي من أكبر الدول المصدِّرة للنفط في العالم، وتحظى بدعم من الدول الكبرى، وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى أنها تضم الأماكن المقدسة، وهي تمتلك القدرة على إثارة العديد من المتغيرات في المنطقة معتمدة على مواردها النفطية، وعلى الدعم الغربي وعلى آديولوجيتها الدينية التي نجحت في ترسيخها في العديد من الدول الإسلامية ودول العالم.
لكل ذلك، لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل السعودية أو قطع العلاقات معها، ولعل في تجربة العلاقات الإيرانية السعودية خير شاهد على ذلك. فإيران ومع علمها بدعم السعودية لنظام صدام حسين خلال الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت لمدة ثمان سنوات في الثمانينات من القرن الماضي؛ إلا إن طهران حافظت على علاقات طبيعية مع الرياض بعد الحرب، بل وحتى بعد حادثة مقتل مئات الحجاج الإيرانيين أواخر الثمانينات بعد تنظيم مسيرة البراءة من المشركين أثناء موسم الحج.
وبعد الأزمة الأخيرة التي اندلعت العام الماضي إثر هجوم متظاهرين على السفارة السعودية في طهران وإعلان السعودية قطع العلاقات مع إيران؛ فإن إيران أعلنت وخلال أكثر من مناسبة عن استعدادها للحوار مع السعودية على مختلف الملفات، وهو العرض الذي رفضته السعودية على لسان محمد بن سلمان. هذا التوجه الإيراني يعكس واقعية السياسة الإيرانية وبعدها عن المواقف المتشددة، وهو يعكس حنكة سياسية لابد من الإقتداء بها.
وهنا لابد من وضع زيارات المسؤولين العراقيين، وبدعوة رسمية من السعودية، ضمن إطارها الصحيح، ألا وهو انفتاح العراق على محيطه العربي الذي أدرك مؤخرا فشل سياساته السابقة في عزل العراق تحت ذريعة أنه واقع تحت تأثير النفوذ الإيراني منذ سقوط النظام السابق في العام 2003. فالسعودية اليوم في حالة سباق مع الزمن لبناء علاقات طيبة مع العراق، فعراق اليوم هو ليس عراق الأمس، حيث استعاد قوته وزمام المبادرة وشيئا من هيبته التي فقدها في العام 2014 عندما هيمنت عصابات تنظيم داعش الإرهابي على ثلث أراضيه. وأما اليوم؛ فإن للعراق قوات عسكرية لا يستهان بها، وأصبح رقما صعبا في المنطقة منذ نجاحه في تحرير مدينة الموصل. ولذلك؛ فإن السعودية تسعى لطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة مع عراق جديد قد يؤرقها كثيرا فيما لو استمرت في موقفها الذي يصل إلى حد العداء للعراق. وهو ما يفسر الدعوات الرسمية السعودية لمسؤولين عراقيين لزيارتها، وعلى العكس من الحكومة العراقية السابقة التي كان يتوسل رئيسها زيارة السعودية لكنه يواجَه بالصدود.
كذلك، فإن دور العراق في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) أصبح مؤثرا بعد أن تجاوز إنتاجه حاجز الأربعة ملايين برميل من النفط يوميا، وهو الواقع الذي يعزز من قناعة السعودية بضرورة الإنفتاح على العراق سعيا للتعاون معه ضمن إطار منظمة الدول المصدرة للنفط فيما يتعلق بخفض الإنتاج. هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى فإن السلطات السعودية على إطلاع بقواعد اللعبة السياسية في العراق، وبالخلافات التي تعصف بين القوى السياسية الشيعية على خلفية العلاقة مع إيران. فهي تدرك أن بعض القوى العراقية، وخاصة بعض فصائل الحشد الشعبي، لا تخفي ارتباطها بإيران، وكما صرّح بذلك القيادي أبو مهدي المهندس، وتدرك أيضا أن هناك قوى عراقية أخرى أخرى تحاول أن تنأى بعيدا عن إيران، وتنتهج سياسة عراقية مختلفة.
وتأتي في مقدمة هذه القوى التيار الصدري ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، بل وحتى تيار الحكمة الوطني. وهنا لابد من الإشارة إلى أن انتهاج سياسة وطنية عراقية تراعي مصالح البلد في المقام الأول لا يعني العداء لإيران أو إدارة الظهر لها، بل إن ذلك خط أحمر وكما صرح بذلك رئيس الوزراء وكما فعل السيد مقتدى الصدر عندما نادى بعض أتباعه بإخراج إيران من العراق قبل أقل من عامين. وحتى السعودية تبدو مدركة أيضا لهذا الواقع خاصة وأن إيران دعمت التغيير الذي حصل في العراق، وساهمت مساهمة فعالة في تحرير البلاد من الجماعات الإرهابية، سواء عبر الدعم العسكري أو الإعلامي أو السياسي، وهو دعم لا نظير له بين جميع دول المنطقة. وعليه، فإن كل ما تطمح له السعودية هو طي صفحة الماضي وبناء علاقات بنّاءة مع العراق في وقت تزداد فيه المشاعر العدائية ضدها في المنطقة إثر الحرب على اليمن والأزمة القطرية والتدخل في البحرين وسوريا وغيرها من الملفات الشائكة.
إن صد الباب بوجه السعودية لا يبدو قرارا حكيما، ولابد للحكومة العراقية من مد اليد إلى السعودية، لأن مثل هذا النوع من العلاقة سيؤهل العراق للعب دور ريادي في حل نزاعات المنطقة. فمعظم النزاعات الجارية تتصل بالسعودية وإيران، ولابد من وجود طرف ثالث يحتفظ بعلاقات وطيدة مع كلا الطرفين تؤهله للعب دور الوسيط مستقبلا، ويبدو العراق على هذا الصعيد هو الطرف الأوفر حظا للعب مثل هذا الدور. ولعل في استقبال محمد بن سلمان لوزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي خير شاهد على ذلك، بالرغم من ان الأعرجي من الناحية البروتوكولية لا يمكنه الإجتماع بابن سلمان بل بوزير الداخلية.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن تخوّف البعض من دق السعودية الإسفين بين بعض القوى الشيعية وإيران تبدو غير واقعية، لأن القوى السياسية الشيعية تدرك بأن إيران عمق إستراتيجي لها، وإن اختلفت معها في بعض سياساتها المتعلقة بالعراق وخاصة فيما يتعلق بتحديد هوية رئيس الحكومة العراقية وبعض سياسات الحكومة العراقية التي لابد من أن تكون لها خصوصياتها نظرا لطبيعة العراق وموقعه العربي.
وخلاصة القول، إن تعزيز علاقات العراق بالسعودية ستكون له آثار إيجابية على المنطقة في المدى المتوسط، وأما على المدى البعيد فإن العراق ستكون له اليد الطولى في المنطقة بحكم موارده النفطية وقدراته البشرية وموقعه الإستراتيجي، لكن كل ذلك يتوقف على حسن إدارة الساسة العراقيين للعبة السياسية وإدراكهم بأن محاولة بعضهم انتهاج سياسة عراقية مستقلة عن إيران لا يعني أن يسقطوا في فخّ السياسة السعودية، بل أن يتعاملوا مع السعودية ومع جميع الدول من موقع الند للند، ودون التضحية بالمصالح والسيادة العراقية لصالح أي طرف.