هل سيُنقل الأسطول الخامس الأميركي من البحرين إلى قطر؟
ساهر عريبي – البحرين اليوم ..
أثار انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان في شهر سبتمبر الماضي بعد مرور عقدين على تواجدها في ذلك البلد, أثار مرة أخرى تساؤلات ودعوات داخلية أميركية بشأن تقليص الأسطول الخامس الأميركي ونقل مقره من البحرين. لم تكن هذه المرة الأولى التي تطرح فيها هذه الأفكار للنقاش أميركيا, بل كانت تثار بين حين وآخر وكانت آخرها عقب اندلاع الحراك الشعبي المطالب بالديمقراطية في البحرين في فبراير عام 2011.
أوقع قمع سلطات البحرين العنيف للحراك حينها, الإدارة الأميركية الديمقراطية في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما, أوقعها في حرج نظرا لأن البحرين حليف للولايات المتحدة, ومقر للأسطول الخامس الأميركي الذي ينشط في منطقة الخليج ويوصف بأنه أكثر الأساطيل الأميركية الإستراتيجية أهمية في المنطقة.
فالأسطول الخامس يضم حاملة طائرات و غواصات هجومية ومدمرات بحرية وأكثر من سبعين مقاتلة، إضافة لقاذفات القنابل والمقاتلات التكتيكية وطائرات التزويد بالوقود. وتتلخص مهمته الأساسية في تأمين إمدادات النفط من الخليج إلى الأسواق العالمية، ومواجهة إيران والإشراف على عمليات في الخليج والبحر الأحمر وأجزاء من المحيط الهندي. وشارك الأسطول بشكل فاعل في الإحتلال الأميركي للعراق وأفغانستان .
يعود تاريخ تواجده في البحرين إلى العام 1993 عندما اتخذت القيادة المركزية للبحرية الأميركية من البحرين مقرا لها, أعقب ذلك اتخاذ الأسطول الخامس من البحرين مقرا له في العام 1995. بدأ الأسطول بتوسيع قاعدته في البحرين عام 2008 ، وتحديدا في ميناء سلمان شرق العاصمة المنامة، على مساحة سبعين فدانا، بتكلفة تقدر بحوالي 580 مليون دولار. كما وسع الأسطول من أنشطته موخرا إذ أعلن عزمه استخدام روبوتات بحرية في تطور يتزامن مع توتر الأوضاع في المنطقة عقب الاستهداف المتبادل لسفن إيرانية وأخرى إسرائيلية.
كما ذكرت سابقا فقد درست وزارة الدفاع الأميركية خيارات بديلة للبحرين عقب قمع سلطات البحرين الشديد للاحتجاجات التي اجتاحت البلاد عام 2011. كان خيار الانسحاب يحظى بدعم من أعضاء بارزين في الكونغرس من بينهم “إليوت إبرامز” و”توبي سي جونز”. وفي العام 2015 قدم النائب هانك جونسون مقترحا تشريعيا تحت عنوان “تفويض الدفاع الوطني”، حيث طالب مشروع القانون وزارة الدفاع بالتخطيط لنقل محتمل للأسطول الخامس من البحرين. ما يقلق هؤلاء هو غياب الاستقرار في البحرين الذي يهدد حياة آلاف الجنود الأميركيين المقيمين في البحرين. ورغم قمع السلطات للحراك الشعبي إلا أن القلق ظل قائما!
فالأزمة السياسية لاتزال مستمرة في البلاد, إذ تشهد البحرين تظاهرات بين الحين والآخر وقد تصاعدت وتيرتها مؤخرا للمطالبة بإطلاق سراح السجناء السياسيين تارة, و للتنديد بالتطبيع وإغلاق السفارة الإسرائيلية في المنامة. ترفض السلطات أي حوار مع المعارضة التي تعتقل قادتها, وأنهت المجتمع المدني وصادرت الحريات الأساسية مثل حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات.
إلا أن الأصوات المطالبة بنقل الأسطول خفتت مع تولي الرئيس السابق دونالد ترمب مقاليد الحكم في البيت الأبيض. إذ عزز ترمب علاقاته مع البحرين ومع داعميها في المنطقة أي السعودية والإمارات اللتين أرسلتا قوات عسكرية إلى البحرين في مارس 2011 لقمع الاحتجاجات . اتبعت إدارة ترمب نهجا مختلفا عن سابقتها, إذ لم تعد مهتمة بأوضاع حقوق الإنسان في العالم, وتوجت عدم اهتمامها بانسحابها من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في العام 2018. صبت إدارة ترمب اهتمامها على مبيعات الأسلحة غير آبهة لأوضاع حقوق الإنسان في المنطقة.
ومع تولي الديمقراطيين للحكم هذا العام عادت الأصوات الأميركية المطالبة بانسحاب الأسطول الخامس الأميركي من البحرين إلى الارتفاع. فقد وجه أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن في شهر سبتمبر الماضي أعربوا فيها عن قلقهم البالغ من انتهاكات النظام الحاكم في البحرين الجسيمة لحقوق الإنسان، محذرين من أن استمرار القمع يهدد الأسطول الخامس . ولفت الأعضاء في رسالتهم إلى أن هذه الانتهاكات “ستولّد عدم استقرار يهدد الأسطول الخامس” الذي يتخذ من البحرين مقرا.
كما يبدو واضحا اليوم أن الولايات المتحدة تركز نشاطها العسكري في بحر الصين والمحيط الهندي حيث تواجه التحدي الصيني الذي لا تختلف إدارة الرئيس جو بادين عن إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب في تصنيفه أكبر تحد يواجه الولايات المتحدة حاليا. ما يعزز التكهنات بتعزيز تواجدها في تلك المنطقة عبر سحب جزء من قطعها الحربية التي يضمها الأسطول الخامس, وفي ذات الوقت تزداد احتمالات نقل مقره إلى قطر التي تتمتع بحالة من الاستقرار التي تفتقدها البحرين.
إذ لا يبدو أن استقرار الدوحة مهدد على المدى القصير أو البعيد نظرا لسياسة حكومتها الداخلية الناجحة وعلى العكس من سياسة المنامة القائمة على قمع الشعب, حتى حولت البحرين إلى واحدة من أعلى دول العالم من حيث عدد المعتقلين السياسيين نسبة لعدد السكان.
كما وأن تطورات الأوضاع في أفغانستان عززت من مكانة الدوحة الإقليمية التي باتت محطة للمعنيين بالشأن الأفغاني بحكم علاقاتها الجيدة بأطراف الصراع وفي مقدمتهم طالبان والولايات المتحدة, وعلى العكس من المنامة التي باتت معزولة بعد أن رهنت قرارها بيد الرياض حتى إن الأخيرة لم تعرها أي أهمية خلال المصالحة الخليجية التي انطلقت في قمة العلا في هذا العام.
وفي هذه الخضم تبدو عائلة آل خليفة الحاكمة في البحرين مدركة لهذه التوجهات الأميركية ولذا فهي تحاول استباق الأحداث وذلك عبر توثيق العلاقات الأمنية والعسكرية مع الدولة العبرية. وكانت الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية يائير لابيد إلى المنامة وإلقائه كلمة من مقر الأسطول الخامس, مؤشرا على أن آل خليفة أكملوا استعداداتهم لمنح الكيان المحتل قاعدة في البحرين يحتمون بها بدلا من الأسطول الخامس حال انسحابه من البحرين.
ولذا فمن المتوقع أن تطرح مسألة نقل الأسطول الخامس الأمريكي بقوة خلال ولاية الديمقراطيين الذين لا تشعرعائلة آل خليفة الحاكمة في البحرين بالارتياح تجاههم, وتبدو قطر البديل الأمثل والأقل كلفة لإعادة تموضع الأسطول في المنطقة, وفي الوقت ذاته تزيح عن كاهل الإدارة الأميركية صداعا يسببه لها الحليف الحاكم في البحرين بانتهاكاته الممنهجة لحقوق الإنسان المدانة دوليا, وكانت أحدث إدانة لها في قرار البرلمان الأوروبي الذي صدر في مارس الماضي.