ساهر عريبيمقالات
هل تفكُّ تركيا عزلة السعودية الإقليمية؟
تمر المملكة العربية السعودية في واحدة من أسوأ الفترات، ومنذ تأسيسها، على صعيد علاقاتها مع محيطها الإقليمي.
علاقات المملكة متدهورة مع معظم دول المنطقة، وخاصة جيرانها، حتى باتت تعاني من عزلة اقليمية، ستكون لها تداعيات كبيرة على مستقبل نظام الحكم فيها.
علاقات المملكة متوترة، وليست على ما يرام مع معظم دول الخليج العربية، وعلى خلفية ملفات شتى، منها ملفات حدودية، ومنها تدخل الرياض في شؤون بعض تلك الدول الداخلية، ومنها مخالفة تلك الدول لسياسات المملكة الإقليمية والدولية. وخير مثال على ذلك، علاقات السعوديّة المتوترة مع قطر، ودعمها للجماعات السلفية في الكويت، وخلافها مع عُمان، بل وحتى مع دولة الإمارات العربية المتحدة.
في المقابل، فإن علاقات المملكة توثقت بصورة كبيرة مؤخرا مع كلٍّ من البحرين والإمارات، اللتين لا تعتبران حليفتين للسعودية بقدر ما هما محميتان سعودتيان.
سلطات البحرين استنجدت بالجيش السعودي عام ٢٠١١ ، الذي احتلّ البلاد في مارس منذ ذلك العام، ولازالت قواته متواجدة فيها. هذا الاحتلال أطاح بسيادة البحرين، وحوّلها إلى محمية سعودية، وتبع لآل سعود.
وأما الإمارات، التي كانت تحظى بمكانة إقليمية كبيرة، فإنها – وللأسف – خسرت تلك المكانة بعد أن دخلت في تحالف مع السعودية لإسقاط حكم الإخوان في مصر، معتبرة إياهم خطرا كبيرا عليها، وهكذا تحولت الإمارات إلى صدى للسياسات السعودية وخاضع لها.
من ناحية الشمال، فإن علاقات المملكة متوترة مع العراق ومنذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، حيث ناصبت السعودية العملية السياسية الجارية في العراق العداء، وسعت – وبكل ما أوتيت من قوة – لإسقاطها وإرجاع عقارب الساعة إلى الوزراء في بلاد ما بين النهرين.
لقد كلّف الدعم السعودي للجماعات الإرهابية وإذكائها لنار الفتنة الطائفية في العراق؛ (كلّف) العراق ثمناً باهضا على صعيد الأرواح والبنى التحتية والأمن والإستقرار، وخلّف أحقادا لن تمحى من نفوس العراقيين حيال الدور السلبي السعودي.
وأما تدخلها في سوريا وإذكائها لنار الحرب الأهلية هناك عبر دعمها للجماعات المسلحة؛ فهو الآخر كلّف الرياض كثيرا على صعيد علاقاتها مع سوريا، والأمر ينطبق على لبنان.
وأما على صعيد فلسطين، فلا يخفى العداء السعودي لحركة حماس، والإستياء الفلسطيني من السياسات السعودية.
وفي العلاقة مع الأردن، فهي الأخرى ليست جيدة ولأسباب تاريخية، وإن كانت المشاكل بين الطرفين لم تطفُ على السطح، إلا أنه لا يمكن القول إن الأردن حليف للسعودية.
وأما على الجهة الغربية، وخاصة مصر، فعلى الرغم من الدعم السعودي للسيسي، والذي مكّنه من الإطاحة بحكم الأخوان، إلا أن مصر لا يمكن أن تُشكّل حلفاً مع السعودية. فمصر أكبر من أن تنساق لسياسات آل سعود الذين تنظر لهم مصر باعتبارهم “كيسا من المال”، كما كشفت عن ذلك التسجيلات المسربة لبعض تصريحات السيسي.
وأما العلاقة مع السودان، فهي متوترة على خلفية دعم الرياض للإنفصاليين في جنوب السودان، ولمعارضتها لحكومة البشير.
وأما في الجنوب، فقد جاء التقدم الحوثي ليُعمّق جراحات السعودية، وليُشدد من عزلتها الإقليمية.
وهكذا يبدو المشهد الإقليمي بمثابة الحصار الخانق حول النظام السعودي الذي يفتقد لوجود حليف استراتيجي يُمكنه الوثوق به والإعتماد عليه، وخاصة بعد أن استعدى النظام معظم حكومات وشعوب المنطقة. ولم يبقَ للنظام السعودي من حليف يمكنه الوثوق به سوى إسرائيل، التي وصلت العلاقات بينهما إلى عصرها الذهبي في عهد الملك الراحل عبدالله، حيث شاطر الأخير إسرائيل عداءها لإيران ولحزب الله ولحماس.
هذه العزلة المدمرة يشعر بها آل سعود، وخاصة طاقم الحكم الجديد الذي تولى المقاليد خلفا للملك الراحل، والذي يسعى اليوم إلى البحث عن حلفاء أو أنصاف حلفاء في المنطقة، وهو ما يفسّر توجّه السعودية صوب تركيا باعتبارها الحلّ الأمثل لكسر طوق العزلة الإقليمية، والعثور على حلفاء أو أنصاف حلفاء.
إلا أن هذه المساعي تصطدم بعقبات كبيرة، وأولها أنها ستكون على حساب العلاقة مع مصر، حيث إن تركيا تُعتبر أكبر داعم لحكم الأخوان في المصر، وهي أيضا من أكثر منتقدي النظام الجديد هناك، ولذلك فإن علاقاتها بمصر متوترة، ومن الصعب دخولهما في تحالف مع السعودية. إن التحالفات الثنائية ستكون على حساب أحدهما الأخر.
إلا أن السعودية يبدو أنها تتجه نحو إعادة العلاقات مع تركيا، وإحياء حلفهما الذي توثقت عراه في سوريا قبل أن تنفصم في مصر. فالدور التركي أهم في المنطقة من الدور المصري، نظرا لإنخراطها في النزاعات الدائرة في المنطقة، وخاصة في العراق وسوريا. ومن ناحية أخرى، فإن تركيا أكثر استقرارا من مصر، ووضعها الإقتصادي متين، ولذا فهي لا تشكل عبئا على السعودية، على العكس مما هي عليه مصر.
والسعودية لم تعد بحاجة ماسة إلى مصر بعد أن نجحت في إجهاض ثورتها وإسقاط حكم الأخوان. وعليه، فإن حكم السيسي لا يشكل خطرا على الرياض، وسيتم إرضاؤه عبر المعونات الإقتصادية بين الفينة والأخرى.
وهكذا يبدو أن السعودية عقدت العزم على التحالف مع تركيا لمواجهة إيران، ومع علم اردوغان بالحرج السعودي والحاجة إليه؛ فهل سيلقي أردوغان طوق النجاة لآل سعود، وبلا مقابل؟ أم أن الثمن سيكون منافع اقتصادية واسعة، وفي طليعتها شراء النفط بأسعار تشجيعية وتنشيط التبادل التجاري؟
لا شك أن اردوغان لن يتخلى عن تلك الإمتيازات، ولكنه سيسعى إلى تخفيف الضغط على الأخوان في المنطقة مع إبقائهم تحت السيطرة، ولعل في توجهات الملك السعودي الجديد خير عون له على تحقيق ذلك!
إلا أن تركيا لن تفلح في فك عزلة السعودية الإقليمية، لأنّ الأخيرة استعدت معظم شعوب المنطقة، وتسببت بوقوع حروب وكوارث سيصعب محو آثارها، كما أنها اتبعت سياسات اقتصادية مدمرة للمنطقة عبر تخفيضها لأسعار النفط. ولذلك، فإنه يصعب استعادة السعودية لموقعها في المنطقة، وهي بحاجة إلى إصلاح ما أفسدته عبر وقف تدخلها في شؤون دول المنطقة، وفي طليعتها البحرين واليمن والعراق وسوريا ولبنان. وبغير ذلك، فإن تركيا أو غيرها من الدول؛ لن تتمكن من إعادة تأهيل النظام السعودي، ولن تنجح في إعطائه مقبولية بين شعوب المنطقة.