هل تفتح حلب بوابة التسويات في المنطقة؟
تشكّل استعادة الجيش السوري لمدينة حلب ؛ منعطفا حاسما في الحرب الدائرة في سوريا. فهذه المدينة التي استولت عليها الجماعات المسلحة منذ أربع سنوات، وبسبب موقعها الإستراتيجي تركت الفصائل المسلحة – ومعظمها تابع لتنظيم القاعدة – محاصرة في مدينة أدلب المجاورة، في وقت يشتد فيه الخناق على تنظيم داعش الإرهابي في الشرق مع التقدم الذي تحرزه القوات العراقية في معركتها لتحرير مدينة الموصل.
ولذا فيمكن القول باكرا بأن حلب حسمت والى حدّ كبير الحرب في سوريا لصالح النظام بعد أن فشلت الدول الإقليمية الداعمة للجماعات المسلحة، وفي مقدمتها السعودية وتركيا، في قلب موازين المعركة لصالحها. لكن البعض ذهب إلى أبعد من ذلك وادعى بأن حلب ستفتح باب التسويات في كل من البحرين واليمن على مصراعيه، كما ادعى العميد سلامي نائب قائد الحرس الثوري الإيراني. وكان اللافت في الأمر أن “المعارضة” السورية سبقت سلامي في ادعاءاته، إذ أصدرت بيانا قبل أسبوعين حذّرت فيه من أن “سقوط” حلب بيد النظام ستكون له تداعيات على كبيرة على المنطقة.
ويبدو ولأول وهلة أن تلك الإدعاءات لا تخلو من الصواب، لأن الحرب الجارية في سوريا حرب إقليمية بالمقام الأول؛ وهي دولية في المقام الثاني. فهي صراع بين المحور المناهض لأمريكا واسرائيل الذي تقوده إيران، وبين المحور المتحالف مع أمريكا وإسرائيل والذي تقوده السعودية. وسوريا هي ساحة واحدة من ساحات الصراع لكنها الساحة الأهم التي القت الدول الإقليمية ثقلها فيها، لإعتبارات جيوسياسية، وخاصة بعد الفشل الذريع الذي مني به المشروع السعودي في العراق الذي يوشك على الإندحار التام مع قرب طرد القوات العراقية لتنظيم داعش من آخر معاقله في العراق.
كما وأن المجتمع الدولي وحتى السعودية لا يمكنه أن يعارض تحرير المدن العراقية من قبضة تنظيم داعش أو إطلاق حملات اعلامية ضد الحملة العسكرية العراقية، لأنه سيكشف حينها عن كذب ادعاءاته بمحاربة الإرهاب، ويعزّز في ذات الوقت من الإتهامات الموجهة إلى العديد من الدول برعاية الجماعات الإرهابية. ولكن الوضع في سوريا مختلف، فالسعودية وحلفاؤها الخليجيين وكذلك الدول الغربية تصف ما يحصل في سوريا بالثورة على نظام دكتاتوري، بالرغم من علم الجميع بأن العمود الفقري للجماعات المسلحة التي تحارب النظام هي التنظيمات الإرهابية، مثل تنظيم داعش وجماعات أحرار الشام والنصرة وغيرها من التنظيمات المرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابي.
لكن المخاوف من نشوء “هلال شيعي” – سبق وأن حذّر منه ملك الأردن بعد سقوط نظام صدّام حسين – هو الذي دفع الدول الغربية إلى دعم هذه الجماعات الإرهابية. إلا أن تحرير مدينة حلب أعاد الحياة للهلال الشيعي مرة أخرى بالرغم من المؤامرات الإقليمية والدولية التي سعت لمنع بزوغه. فهذا الهلال سيشرق من إيران وانتهاءا بغزة حال تحرير مدينة الموصل المتوقع، فيما سيتعزز بإعادة الجيش السوري السيطرة على مدينة أدلب المحاذية لتركيا.
ولعل هذا الواقع هو الذي أثار موجة من الهستيريا إقليميا ودوليا، فبعد ستة سنوات من الحرب التي استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة من عسكرية وسياسية واقتصادية؛ فإن الفشل الذريع كان نصيب المشروع السعودي. وعلى الجانب الآخر فإن السعودية تلعق اليوم جراحها في اليمن التي تحولت إلى فيتنام أخرى للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية الذي فشل في حسم معركة يخوضها مدعوما من العديد من الدول وفي مقدمتها أمريكا، فشل في القضاء على “قبيلة” ادعى سعيه لإخراجها من العاصمة صنعاء.
أصبحت السعودية وداعميها اليوم وخاصة بعد تحرير حلب، على يقين من استحالة تحقيق نصر في اليمن، وخاصة بعد أن عاد الدب الروسي للعب دور مشهود في المنطقة، وباتت له كلمة في مختلف مناطق الصراع كسوريا وليبيا، فكيف باليمن التي تشرف على مضيق باب المندب؟ ولذا فإن هذا التغير في موازين القوى الإقليمية في سوريا سينعكس على ساحات الصراح الأخرى وخاصة اليمن، وبعد أن بات واضحا اليوم أن كفة الصراع باتت تميل لصالح المحور الإيراني.
وقد ظهرت أولى بوادر تلك التداعيات عبر إعلان ما يسمى ب”الهيئة التنسيقية” للمعارضة السورية استعدادها للجلوس على مائدة التفاوض وهي التي كانت تحبط كافة المحاولات لإيجاد حل سياسي للأزمة. ويبدو أن هذا السيناريو مرشّح للتكرار في اليمن مع يقين السعودية بإستحالة تحقيقها لنصر في اليمن للتعويض عن خسارتها لحلب. ومما يساعد على ذلك أيضا هو تصاعد الإنتقادات الدولية لهذه الحرب العبثية على أفقر شعوب المنطقة والتي صاحبتها مجازر متعددة ارتكبتها قوات التحالف الذي تقوده السعودية. كما وأن إعلان حكومة في صنعاء دقّ آخر مسمار في نعش حكومة هادي منصور الهاربة في الرياض. ولذا فإن أول الملفات التي ستشهد حلحلة هو الملف اليمني، وسيتحرك ولد الشيخ لحفظ ماء وجه السعودية ومنع خروجها من اليمن بهزيمة ثقيلة أخرى.
إلا أن التفاؤل بحل ملف البحرين يبدو مفرطا، وإن كان هذا الملف سيتأثر نوعا ما بتحرير حلب. ويعود السبب في ذلك إلى أن ملف البحرين وإن كان يبدو خاضعا للسعودية في الظاهر إلا أنه ملف بريطاني. ومع إلقاء السعودية بنفسها في أحضان بريطانيا خشية من إنقلاب أمريكا عليها في عهد الرئيس المقبل ترامب، وهو الإنقلاب الذي ظهرت بوادره عبر إقرار قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب”جاستا” فإن الملف البحراني أصبح بريطانيا خالصا، وأصبح حلّه شائكا. ومع تعزيز بريطانيا لتواجدها العسكري في الخليج وخاصة البحرين؛ فلا تبدو في الأفق أي بوادر لحلحلة هذا الملف، وبما يضعف من سلطات عائلة آل خليفة، إذ أن أي ضعف سيكون على حساب المصالح الإستراتيجية البريطانية.
ومن ناحية أخرى فإن الضربة الموجعة التي تلقاها المحور السعودي في حلب، والضربة الأخرى المتوقعة في الموصل؛ لن تترك هذا المحور وداعميه يقفون موقف المتفرج، وهم يشاهدون مخططاتهم تتهاوى واحدة بعد الأخرى، وإذا ما أخذنا بنظر الإعتبار أن أمن اسرائيل والثروات النفطية هي أهم الدوافع التي تقف وراء المخططات المرسومة للمنطقة؛ فلابد من توقّع استنفار كبير في المرحلة المقبلة لمنع انهيار شامل للمحور السعودي في مختلف ساحات الصراع.
وهكذا يبدو أن حل الأزمة في البحرين رهن بيد أبنائها وليس بيد المتغيرات الإقليمية التي لن تعطي سوى حل شكلي على أفضل التقادير. فالتغيير المنشود لن يتحقق إلا بإصرار الشعب على القطيعة مع هذا النظام الحاكم والإستمرار في الثورة وحتى تحقيق هدفها المنشود، حتى وأن بدت المعطيات سوداوية اليوم بإمكان إسقاط النظام؛ فإنها ليست أكثر سوداوية مما كانت عليه في العراق وقبل سقوط نظام صدام حسين!