هل تفتح إزاحة الشيخ علي سلمان من زعامة "الوفاق" الباب للمشاركة في الانتخابات؟
ذاك ليس بسؤال افتراضي، بل يمكن القول إنه سيناريو يتم تداوله في مطبخ الحكم، في الديوان الملكي، الذي يعتقد راسخا أن الشيخ علي سلمان، أمين عام “الوفاق”، بات يتخذ مواقف يصفها النظام بالمتشددة.
ويعتقد فريق السلطة القابض على زمام الأمور، أن سلمان يقف حجر عثرة دون مشاركة “الوفاق” والجمعيات السياسية في الانتخابات النيابية المرتقبة قبل نهاية العام الجاري، هذه الانتخابات التي يُراد لها أن تُعلِن عمليا دفن مطالب دوار اللؤلؤة، وكأن مياه لم تجر تحت الجسر.
هذه الرؤية الأحادية تجاه سلمان تبلورت منذ فبراير 2011، حين اندفع أمين عام “الوفاق” نحو مطالب ذات توجه استراتيجي في تغيير بنية النظام الذي تسيطر عليه العائلة الخليفية الحاكمة، ومنذ ذاك الوقت لم يهدأ النظام في خلق إشكالات لشخصية لها بصمة واضحة على نهج “الوفاق” وخطابها، بما لها وعليها.
لا يعترف النظام أنه صاحب المشكلة، وعليه واجب الحل، وأنه دفع بالجمعيات المعارضة دفعا، جماهيرا ورموزا، لاتخاذ مواقف كانت الجمعيات تتحاشاها طوال نحو عشر سنوات (2002_ 2010)، بل ومازالت هذه الجمعيات حذرة في الذهاب أبعد مما تسمح به لعبة الشد والجذب القائمة، وتتفادى الإخلال بلعبة التوازنات التي يجيدها سلمان، ورغم ذلك لا يرى النظام سلمان إلا عنيدا، ورافضا للنهج الملكي “الإصلاحي” المزعوم.
ومنذ 2002، عادة ما اعتبرت السلطات سلمان على أنه شخصية معتدلة، بيد أن فشلها (السلطات) في الوفاء بالحد الأدنى من وعودها، بل والمضي في سياسات ذات تأثير استراتيجي سلبي على هوية الجزيرة ومستقبلها، زاد الزخم الذي تبنته حركتي “الوفاء” و”حق” منذ 2005، وحين جاءت ثورة 14 فبراير 2011، انضمت “الوفاق” لقافلة عدم الاستمرار في لعب دور “المحلل” لبرلمان غير شعبي، لكنها مضت أيضا على نحو فاجأ الكثير ين بالدعوة إلى “ملكية دستورية”، يجد سلمان الآن أنه لا يمكن التخلي عنها، وأنه يتوجب تبني سياسة النفس الطويل بديلا للرضوخ لتسويات هشة، وإن كانت هذه السياسة بحاجة إلى مزيد من الجهد لتتبلور برامج أكثر فاعلية على الأرض، وعلى المستوى الخارجي.
وبنظر السلطة، فإن استمرار سلمان على رأس “الوفاق” يعني استمرار رفض مسار الانتخابات التي يلهث النظام للترويج لشرعيتها، وكذا استمرار خطاب “الوفاق” الرافع لمقولة المملكة الدستورية التي يراها الملك حمد تهديدا لحكمه الاستبدادي، ولذا يعتقد فريق في النظام بأنه يتوجب عمل شيء ما تجاه سلمان، أما الإطاحة أو الإضرار به، أو خلق بديل له داخل “الوفاق”، أو انشاء “وفاق” جديدة، أو العمل على تأسيس “وفاقات” متحاربة، أو شل “الوفاق” من خلال مقصلة القضاء، وذلك من أجل فتح الطريق أمام احتواء الجمعيات السياسية المعارضة.
ومثلا، فإن احتمالات تجميد جمعية وعد” تظل قائمة، إذا رفضت تغيير أمينها العام إبراهيم شريف، المعتقل منذ 17 مارس 2011، فيما سيناريوهات “ما العمل” تجاه “الوفاق” قيد الإعداد.
وأظن أن ذلك التفكير الأمني الأهوج، الذي سيطر على ذهنية الحاكم الخليفي في الثلاث سنوات الماضية، يفتح سيناريوهات عدة ضد أمين “الوفاق”، بعضها خطير.
وأذكّر بأنه في صيف 2012 سجلت محاولة علنية لإطلاق النار تجاه سلمان، كانت يمكن أن تودي بحياته، لو لا أن الطلقة أصابت علي الموالي، الذي سقط جريحاً، ويكفي هذه الحادثة لتغيّر من مسار ورؤية الشيخ علي، وتجعله في غير وارد المشاركة في انتخابات يمكن تفسيرها على أنها تتناسى جرح الموالي وأكثر من مئة شهيد سقطوا ضحايا العنف الخليفي. وأظل أكرر هنا أن من يرى أن بإمكان سلمان التراجع عن مواقف تبناها طوال الشهور الـ 40 الماضية، عليه أن يعيد النظر في ذلك، وأن يقرأ سيكولوجية السياسيين وتجارب قادة الأحزاب. (أقرأ أيضا: لماذا يمتنع أمين عام “الوفاق” عن المشاركة في انتخابات 2014؟)
لن أدعو ولن أوصي بشيء، ويكفيني وصف الحالة موضوعيا بقدر الممكن، وكل يعي تكليفه، لكني انهي بالقول: بأن موقف أمين عام “الوفاق” السلبي من البرلمان المقبل يستند إلى تجربة سلبية مع السلطة زعزعت أي ثقة في رموزها، وعهود قطعها أمام جمهوره يبدو عصيا على من بنى رأسمال تاريخي أن يهدمه مقابل لا شيء، لكني لا أتوقع أن يدرك الملك أنه في حفرة وعليه التوقف عن الحفر، ذلك أن داء العظمة يجعله يمضي في سياسات من المرجح أن تفاقم المأزق في البلاد.