هل تشرّع بريطانيا قانون “جاستا” جديد؟
ساهر عريبي-اعلامي
تجتاح المملكة المتحدة موجة من العمليات الإرهابية هذا العام، كانت باكورتها العملية التي تبناها تنظيم داعش الإرهابي والتي وقعت قرب مقر البرلمان البريطاني في ساحة “بيغ بن” الشهيرة وأسفرت عن مصرع خمسة أشخاص من بينهم ضابط شرطة. ثم تبعها هجوم مانشستر الإنتحاري الذي أسفر عن سقوط 22 قتيلا ونفذه شاب بريطاني من اصل ليبي يدعى سلمان العبيدي، و تشير التحقيقات الأولية إلى ارتباطه بكتيبة “ البتار” وهي جماعة إرهابية نشأت في ليبيا وترتبط بتنظيم داعش.
ثم جاءت الهجمات الإرهابية التي شهدها حي المال والأعمال في مدينة لندن مساء يوم أمس السبت، والتي أسفرت عن مصرع ما لا يقل عن خمسة أشخاص، مما فتح الباب واسعا أمام تكهنات بأن بريطانيا ليست محصنة ضد الإرهاب، وأنها مقبلة على موجة إرهابية لربما هي الأعنف خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع قرب موعد الإنتخابات البرلمانية المبكرة يوم الخميس المقبل.
وألقت هذه العمليات بظلالها على أداء حكومة رئيسة الوزراء البريطانية التي طالما تعرضت لإنتقادات من أحزاب المعارضة، ومن بعض وسائل الإعلام حول علاقتها الوثيقة بالسعودية وعدم إدانتها لإنتهاكاتها لحقوق الإنسان في البلاد أو خلال حربها المتواصلة على اليمن منذ أكثر من عامين بالإضافة إلى الإتهامات الموجهة لها بتمويل الجماعات الإرهابية.
لكن رئيسة الوزراء تيريزا مي ومن قبلها ديفيد كامرون، اعتادوا الرد على منتقديهم عبر الإدعاء بأن العلاقة مع السعودية مهمّة للأمن القومي البريطاني مشيرين إلى تزويدها للمملكة المتحدة بمعلومات أمنية أدّت إلى الحفاظ على حياة مواطنين بريطانيين. ذريعة لم تكن مقبولة أو مقنعة خاصة مع تصاعد الإتهامات الدولية للسعودية بتمويل الجماعات الإرهابية، كتنظيمي القاعدة وداعش، بل إن هذه الحجة تثير السخرية في أحيان كثيرة، حيث يرى البعض أن السعودية تساهم في تأسيس الجماعات الإرهابية، وبعد ذلك تسدي معروفا للمملكة المتحدة عبر الكشف عن بعض أعضائها لتظهر بمظهر المحارب للإرهاب.
ونتيجة لتصاعد الضغوط على حكومة رئيس الوزراء السابق ديفيد كامرون فيما يتعلق بتمويل السعودية للأنشطة الإرهابية؛ أعلن كامرون في العام 2015 تشكيل لجنة تتولى إعداد تقرير حول مصادر تمويل الجماعات المتطرفة، وكان من المقرر أن تصدر اللجنة تقريرها في ربيع العام الماضي. غير أن التقرير ظل طي الكتمان وحتى أعلنت وزيرة الداخلية البريطانية قبل أيام أنه لن يرى النور أبدا مدعية احتواءه على معلومات حسّاسة.
غير أن الصحافة البريطانية رأت خلال اليومين الماضيين، أن التقرير ركّز بشكل خاص على تمويل السعودية للجماعات الإرهابية، وهي الحقيقة التي لا تريد الحكومة البريطانية كشفها خوفا من إزعاج حلفائها السعوديين الذين يرتبطون معها بعلاقات تاريخية، فضلا عن كونهم أكبر مورّدي الأسلحة البريطانية. ومع تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية في بريطانيا، تزداد الضغوط على الحكومة البريطانية للكشف عن محتويات التقرير.
ويبدو أن سيناريو التقرير الذي أعده الكونغرس الأمريكي حول عمليات 11 سبتمبر الإرهابية التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2001؛ مرشّح للتكرار في بريطانيا. فذلك التقرير حجب الكونغرس بعض محتوياته المتعلقة بارتباط السعودية بتمويل الجماعة الإرهابية التي فجرت مركز التجارة العالمي، وظلت تلك المحتويات سرية لمدة 15 عاما وقبل أن يقرر الكونغرس إماطة اللثام عنها في العام الماضي، ليعقب ذلك إقرار الكونغرس الأمريكي لقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب”جاستا” الذي مرّره الكونغرس بعد الفيتو الرئاسي بإجماع تاريخي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
وجاءت إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب لتستغل قانون جاستا خير استغلال لإبتزاز السعودية وإفراغ خزائنها مقابل تجميد العمل به وإلى حين، حتى تحوّل إلى سيف مسلط على رقاب السعوديين، يشهره ترامب متى ما أراد لجلب المزيد من الوظائف إلى أمريكا وكما فعل خلال زيارته الأخيرة للرياض التي أسفرت عن توقيع عقود مع السعودية بقيمة 460 مليار دولار أمريكي وبضمنها عقود تسلح بقيمة 110 مليار دولار. ومن المرجح أن يعاود ترامب الكرّة خلال سنوات ولايته المتبقية.
وبالعودة إلى بريطانيا؛ فإن عدم الكشف عن محتويات التقرير الذي سيتهم السعودية بتمويل الجماعات المتطرفة يشير إلى أن المملكة المتحدة عازمة على تكرار السيناريو الأمريكي في تشريع قانون لمقاضاة رعاة الإرهاب وعلى غرار قانون “جاستا” الأمريكي. ولذا فإن مسألة الكشف عن محتويات تقرير الداخلية البريطانية ليست سوى مسألة وقت، ومع اشتداد وتيرة الهجمات الإرهابية في المملكة المتحدة فإن الضغوط على الحكومة البريطانية ستزداد للمطالبة بكشف محتويات التقرير، ومع الكشف عنه فإن الباب سيفتح على مصراعيه أمام ضحايا الهجمات الإرهابية في بريطانيا وأمام الحكومة البريطانية لتشريع قانون محاسبة رعاة الإرهاب وستبدأ حينها ثاني أكبر عملية لإبتزاز السعودية في التاريخ الحديث، وقبل أن تدفع ثمن دعمها للجماعات المتطرفة سواء على الصعيد المادي أم الآيديولوجي.