ساهر عريبيمقالات
هل بدأ السباق لنيل شرف القضاء على “داعش"؟
البحرين اليوم – (خاص)
انقضت قرابة الثمانية عشر من الشهور منذ احتل تنظيم “داعش” الإرهابي مساحات واسعة من الأراضي العراقية.
هذا الإحتلال صاحبه ارتكاب مجازر ضد الإنسانية، كما حصل في قاعدة سبايكر في محافظة صلاح الدين، وفي مدينة سنجار التي تعرض رجالها إلى الإبادة، ونساؤها إلى السبي في تكرار لظاهرة الفتوحات “الأموية” التي وقعت في القرن الأول الهجري سعيا لنشر نسخة مزيّفة من الإسلام، يسعى تنظيم داعش لترويجها في عالم اليوم.
وقف العالم متفرّجا إزاء سقوط المدن العراقية الواحدة تلو الأخرى في قبضة التنظيم الإرهابي، ولم يحرك أحد ساكنا، وإن تحرك فلدعم التنظيم. تركيا/أردوغان؛ فتحت أبوابها أمام التكفيريين المتطرفين، الذين توافدوا عليها من مختلف أنحاء العالم، لتصبح بوابة عبور إلى العراق وسوريا. الدول الغربية التي تربى المتشدّدون في مساجدها التي بنتها ودعمتها السعودية؛ أرادت أن تتخلص من هذا العبء الثقيل عبر غضّها النظر عن التحاق الشباب والفتيات بتنظيم داعش.
السعودية التي يؤرقها حكم الشيعة في جارتها الشمالية العراق، رقصت فرحا لتمدد “الدولة الإسلامية” حتى وإن وصلت إلى حدودها. لأن أئمة الوهابية قادرون على ضبط إيقاع الجناح العسكري للمؤسسة الوهابية في العالم.
الجميع استغل ورقة داعش اقتصاديا وسياسا وعسكريا. ازدادت مبيعات السلاح إلى المنطقة، وكان للسعودية حصة الأسد من تجارة السلاح العالمية، وبإنفاق قارب 60 مليار دولار.
تركيا قبضت ثمن دعمها للتنظيم سواء عبر علاقاتها الوثيقة بالسعودية باعتبارها حلقة الوصل مع التنظيم على الأرض، أو عبر شراء النفط من التنظيم بأسعار متدنية.
إسرائيل تعيش عصرها الذهبي اليوم، بعد أن نجح تنظيم داعش في إضعاف واستنزاف العديد من دول المنطقة وخاصة سوريا والعراق وليبيا.
إيران التي تعادي اسرائيل وتقود محور مقاومتها، هي الأخرى استنزفتها حروب الوقف بوجه التنظيم في سوريا والعراق ولبنان. وهكذا أصبح تنظيم داعش الدجاجة الذهبية للعديد من دول المنطقة والعالم. وأما الضرر فلحق بشعوب المنطقة التي وصلت إلى حالة من الضعف والهوان تضع مستقبلها على كف عفريت.
تفاءل الكثيرون بتشكيل التحالف الستيني الذي تقوده الولايات المتحدة لمقاتلة التنظيم في أعقاب احتلاله لمدينة الموصل، بالرغم من وجود دول داعمة للإرهاب في صفوفه، وخاصة السعودية والبحرين. إلا أن ذلك التفاؤل تلاشى وتحول إلى ريبة وشكوك في جدية التحالف في محاربة داعش. إذ يبدو أن تنظيم داعش ورقة أساسية في الصراع الجاري في المنطقة. فإضعاف داعش يعني تقوية المحور الإيراني الممتد من طهران إلى غزّة. وبالتالي فإن الإستراتيجية الدولية قامت على الإستفادة من ورقة داعش إلى أقصى حد، وبعدم السماح بالقضاء عليه.
لكن التدخل الروسي في سوريا أواخر سبتمبر الماضي قلب معادلات الدول الكبرى، وأربك مخططاتها، حيث نجح وخلال بضعة أسابيع في توجيه ضربات مؤثرة للتنظيم في سوريا، فاقت في قوة تدميرها، مفعول ضربات قوات التحالف الستيني خلال عام. كانت ردّة فعل العديد من الدول هستيرية، وشنّت حملة على روسيا بتهمة استهداف مدنيين! إلا أن الإصرار الروسي على توجيه ضربات للتنظيم وفشل محاولات ثنيها عن ذلك، دفع التنظيم وحماته إلى توجيه رسالة تحذيرية لروسيا عبر تفجير طائرة ركاب روسية فوق سيناء.
وجاء إسقاط تركيا لطائرة مقاتلة روسية ليعكس مدى الإمتعاض التركي من الدور الروسي المؤثر في محاربة داعش. إلا أن الهجمات الإرهابية التي وقعت في باريس أثبتت بأن الإرهاب لا يمكن حصره في منطقة الشرق الوسط والوقوف متفرجا عليه. كما وأن التقارب الفرنسي الروسي، وتعاونهما في محاربة التنظيم؛ وضع العديد من الدول الغربية في موقف محرج، وخاصة بريطانيا.
فالهجمات التي وقعت في باريس كانت بمثابة دق لناقوس الخطر، لوقوع هجمات مماثلة في بريطانيا، خاصة وأن الجماعات التكفيرية تسرح وتمرح في بريطانيا. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن جدّية روسيا في محاربة الإرهاب؛ أحرج الدول الغربية التي بدأت تشعر بأن روسيا ستحتكر شرف الإنتصار في المعركة ضد داعش، وتكون لديها اليد الطولى في المنطقة. وهو ما يفسر الحماس الذي أبدته حكومة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون للمشاركة في توجيه ضربات جوية للتنظيم في سوريا.
من المتوقع أن يصوت مجلس العموم البريطاني بالإيجاب على مشروع قرار يوم الأربعاء المقبل؛ يسمج بمشاركة المقاتلات البريطانية في توجيه ضربت للتنظيم في سوريا، وسط معارضة من جيريمي كوربن زعيم حزب العمال المعارض المنقسم حول هذا المشروع.
ولذلك، يبدو أن السباق نحو نيل شرف هزيمة داعش قد بدأ، فالدول المؤثرة في المنطقة والعالم لا تريد ترك روسيا تستأثر بهذا الشرف وأن يكون لها دورا محوريا في رسم مستقبل المنطقة.